أخبار - 2020.04.06

عبد العزيز قاسم: الحبيب بورقيبة ولامية ابن الوردي (ألبوم صور)

عبد العزيز قاسم: الحبيب بورقيبة ولامية ابن الوردي

"الأسد العجوز"، إحدى أمثولات لافونتين، تروي كيف أن ملك البراري مرض ووهن منه العظم فاستهان به صغار النفوس من الحيوانات فطفقت تركله ذات الحافر وتنطحه ذات القرن وتعضه ذات الناب حتى جاء دور الحمار فامتعض الأسد من نكد الزمان وقال: أيا موت زًرْ. ولقد تعرض بورقيبة إلى الغبن منذ تنحيته غداة السابع من نوفمبر. واشتد على ذكراه الأذى منذ الرابع عشر 2011  وما زالت حمير الثورجة تركله في منتهى الاستهتار والرقاعة.

والحقيقة أن بورقيبة كان يتوقع مثل هذا الجحود والنكران. وتحضرني شخصيا في هذا المجال نادرة مشحونة بالمعاني.

من بين البرامج التي كان المجاهد الأكبر يستمع إليها بانتظام، أحاديث المرحوم الحبيب شيبوب عن تاريخ الحركة الوطنية من خلال الجرائد والدوريات وكان يضمّن تلك الأحاديث تفاصيل وطرائف أهملها تراكم الأحداث ولكنها كانت تثير في نفس الزعيم خواطر تنبعث حية بعد نسيان. وكثيرا ما كان يعلق ويستفسر ويستزيد بعد الاستماع.

ذات مرة طلب مني أن آتي إلى قصر قرطاج مصحوبا بصاحب الحديث وكانت الجلسة فرصة لتعميق البحث واستخلاص النتائج وكما هو الحال جرّنا النقاش إلى الشعر والشعراء. والمعلوم أن بورقيبة كان يعتبر الشعر من سحر البيان وفيه أعمق تعبير عن مغامرة الإنسان الوجودية الكبرى. ولقد كان يحفظ قصائد كاملة بالعربية وبالفرنسية ولقد أبهر غير مرة كبار زواره من الفرنسيين وهو يستظهر قصيدة ألفريد دي فينيي الشهيرة "مصرع الذئب". وفي القصيدة ما ينطبق على معاناته.

وفي الجلسة تلك مر ذكر قصيدة وعظية طريفة خفيفة في سبعة وسبعين بيتا كان طلبة العلم في الماضي القريب من جيل بورقيبة وما بعدده يتعلمونها وجوبا وما زالت أبيات أو أشطار منها متداولة بشكل واسع إلى يومنا هذا في محادثات العرب في كافة الأصقاع والأمصار، منها على سبيل المثال:

كلُّ منْ سارَ على الدرْبِ وصَلْ

إنما الحيلةُ في ترْكِ  الحِيَلْ
إنما أصْلُ الفتى ما قدْ حصَلْ

اسم القصيدة "لامية ابن الوردي" لزين الدين أبي حفص عمر ابن المظفر المشهور بابن الوردي من معرة النعمان (1292ـ1349 ).

كان بورقيبة يعرف ما اشتهر به الحبيب شيبوب من قوة الذاكرة فاستعرضه اللامية فشرع يتلوها دونما تلعثم:

اعتزل ذكْرَ الأغاني والغزلْ    وقُلِ الفَصْلَ وجانِبْ منْ هَزَلْ

إلى أن أتم البيت الرابع والخمسين:

إنَّ نِصْفَ الناسِ أعداءٌ لِمَنْ   وَلِيَ الأحْكامَ هذا إنْ عَدَلْ

استوقفه الرئيس وكرر "هذا إن عدل" ثم أضاف: ما فرط الشعر العربي من شيء وانزلق الكلام إلى المتنبي الشاعر السياسي بامتياز. هذه النادرة تدل على أن بورقيبة كان على وعي تام بلؤم "نصف الناس". وفي اعتقادي أن الزعيم ما طلب من الحبيب شيبوب تلاوة القصيدة إلا من أجل هذا البيت، بيت القصيد بالنسبة إليه. وما زالت الأيام تؤكد ذلك. وتظل ذكرى العظماء تعلو على التهريج والنباح.  

عبد العزيز قاسم
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.