العميد محمّد الفاضل محفوظ: كوفيد أو لا كوفيد / نكون او لا نكون؟ Covid or not covid
ما دفعني الى اختيارهذا العنوان، هو أنّ السؤال المطروح اليوم على إثر تفشي وباء الكورونا،هو نفس السؤال الذي طرحه "هاملت"بطل شكسبيربعد أن عرف أنّ مؤامرة تحاك بمملكة الدانمارك، فأطلق قولته الشهيرة :نكون أو لا نكون؟ذاك هو السؤال.
لكن ما لا يعرفه البعض ربما، هو أن هذه القولة ليست سوى سؤال افتتاحي لجملة من التساؤلات، وأهمها على الإطلاق ما بدأ به المشهد المسرحي:"أ من الأنبل للنفس أن يصبر المرء على مقاليع الدهر اللئيم وسهامه،أم يشهر السلاح على بحر من الهموم، وبصدها،ينهيها"
ورغم أن السياق مختلف فإن الأسئلة المطروحة اليوم لا تختلف كثيرا عما جاء في رائعة شكسبير،في انتظار أن تكشف الأحداث ويقول التاريخ كلمته للأحياء.
لكن لا مناص من اعتبار المعركة الحالية ضد الوباء معركة وجود وبقاء،إذ هي بمثابة الحرب العالمية التي لم يستعد إليها لا المحور ولا الحلفاء ولا القوى العظمى ولا الصاعدة ولا المنظمات الإنسانية ولا التكتلات الإقليمية.
لا شك أن المسألة معقدة خاصة إذا نظرنا إليها من زوايا مختلفة في نفس الوقت، لكننا لا نملك حاليا إلا الالتزام برأي خبراء الأوبئة والفيروسات وكافة خبراء المجال الصحي،وخاصة أمام إمكانية تفشي الوباء بسرعة مذهلة قد تربك أعتى المنظومات الصحية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ما هو دور السياسي صاحب القرار في مثل هذه الأزمات؟
بقراءة سريعة لمختلف القرارات التي اتخذت على المستوى الدولي نلاحظ تأخرا في اتخاذ الإجراءات الوقائية، وربما استهانة بخطورة الوباء وسرعة تفشيه وفي مقابل ذلك يحسب للسلطات التونسية وعيها بالخطورة بصفة مبكرة وإقرارها لحجر صحي عام منذ الإصابات الأولى. وبإجماع الطبقة السياسية التي دعيت للاجتماع مع الحكومة والمجتمع المدني من خلال مبادرات وبيانات مختلفة.
وكان منطلق مختلف التفاعلات مبدأ الوحدة الوطنية والتعبئة العامة بتسخير الإمكانيات البشرية والمادية واللوجيستية،إضافة إلى المد التضامني والتبرعات المتراوحة من دينار إلى ملايين الدينارات.
لكن هل يكفي كل ذلك لمجابهة الوباء من جهة، وهل يكفي ذلك لمجابهة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لحالة الحجر الصحي العام، إذ أن ذلك الوضع يؤدي بالضرورة إلى تعطل بل وتوقف دورة الإنتاج وأول المتضررين منهما هم الفئات الهشة والضعيفة وأصحاب الدخل المتواضع المدينين في أغلب الحالات للبنوك والصناديق الاجتماعية، علاوة على الديون العائلية التي لا يمكن تقدير حجمها.
وتلك التداعيات التي يعرفها الخاص والعام بحكم أنٰه يعيشها يوميا، تتفاقم إلى الحد الذي تصبح فيه مختلف المؤسسات الاقتصادية سواء كانت في القطاع العام أو في القطاع الخاص،غير قابلة للحياة ومهددة بالإفلاس،إن آجلا أو عاجلا, فالاكتفاء إذن بالإجراءات المتخذة إلى حد الآن، وإن كانت في محلها وأدت ما هو مطلوب منها مرحليا،لن يكون مجديا في مستقبل قريب خاصة أمام تنامي ظواهر سلبية قد تكون مرتبطة بغريزة حب البقاء.
ويضاف إلى ذلك، بأسف شديد،تشتت على مستوى القرار السياسي لاحظناه في شكليات اتخاذ القرار،إذ تأرجحت بين مظلة الفصل 80 من الدستور والفقرة الثانية من الفصل 70 المطلوبة من الحكومة و الدفاع من المجلس التشريعي عن اختصاصاته الدستورية، حتى أن المشروع الرامي إلى التأهيل التشريعي للحكومة يكاد يفرغ من محتواه،في انتظار التوافقات بشأنه وفي انتظار إن يكون النص غير متجاوز لقواعد القانون الدستوري ومنسجما مع أغراضه.
وما زاد الطين بلة مجلس أمن قومي أصبح أقرب إلى عكاظية "جلمود صخر حطه السيل من عل" (إمرئ القيس)،من مجلس أمن يرسم خارطة طريق واضحة المعالم للاسابيع والأشهر والسنوات القادمة.
بل رأينا في آخر مجلس تفكيكا لمفهوم الوحدة الوطنية بالهمس والوصم و الإشارة،عوضا عن الاستنجاد بخبرات في ميدان الدراسات الإستراتيجيةا لتي تستشرف مستقبل الدولة التونسية المهددة اليوم في شعبها وفي وجودها. ونتساءل حقيقة عن دور معهد الدراسات الاستراتيجية الراجع بالنظر لرئاسة الجمهورية في هذا الظرف بالذات.
ويضاف إلى هذا المشهد الرمادي أنّ مؤسسة مجلس الأمن القومي وأن كانت منصوص عليها بالدستور، ويرأسها رئيس الجمهورية، فقد تم إحداثها بموجب الأمرالحكومي عدد70 لسنة 2017 المؤرخ في 19 جانفي2017 والذي وإن حدد مرجع نظر واسع للمجلس بالسهر والدراسة والتداول في كل المسائل، إلا أنه لا يحدد طريقة تنفيذ القرارات والتوصيات المنصوص على إمكانية اتخاذها صلب الفصل الرابع.
كل ذلك قد يربك أهل القرار ويشل حركتهم ونجاعتهم أمام الخطر الداهم، والحال أن الوضع يتطلب وحدة القرار ونجاعته وتنفيذه بحذافره دون اجتهاد كما يتطلب استشرافا واستباقا للأحداث برؤية موحدة وأهداف واضحة.
والأهداف حسب إعتقادنا المتواضع تنحصر في الأولويات التي تفرضها المرحلة وفي آفاق تلك الأولويات وأهمها:
- احترام الذات البشرية واعتبار كل تونسي مواطن من الدرجة الأولى له كافة الحقوق دون تمييز او إقصاء أو وصم.
- الاستثمار في الذكاء التونسي بفضل الكفاءات التي كونتها الدولة الوطنية، وتشجيع العلم والمعرفة والبحث.
- الاستثمار مجددا في ثقافة الدولة باعتبارها الحصن الوحيد ضد الفوضى التي يمكن أن تتفشى مع تفشي الوباء.
- تسخير كافة الإمكانيات للعبور من منطقة الخطر وأهمها بعد تعبئة كافةالإمكانيات الصحية،بتعميم الكمامات والأزياء الواقية على كل العاملين والاستعداد لوقت الذروة باقتناء الأجهزة وتحضير الأسرة والأدوية الضرورية للإسعاف ثم الاستعداد جيدا لمرحلة إمكانية رفع الحجر الصحي تدريجيا مع استثناء المسنين والمرضى من ذلك الرفع التدريجي،باعتبارهم المعرضين أكثر لأعراض الكورونا.
- النظر بصفة عاجلة في كل التشريعات الاجتماعية والاقتصادية وفي كل المعاهدات الدولية بما يخلق منوالا تنمويا جديدا قائما على حرية المبادرة وتشجيع الاستثمار في صحة الإنسان وغذائه وثقافته وفي العلوم والبحث والرقمنة.
- الاستثمار في الكفاءات التونسية ذات الإشعاع العالمي في مختلف المجالات للتعاون مع الدول والمنظمات للقضاء على الوباء من جهة، ولاستشراف مستقبل الإنسانية الذي تساهم تونس في بلورته من جهة ثانية.
ومع ذلك فإن تلك الأهداف ستصبح بعيدة المنال إذا لم يسبقها تحصين ضد الفقر والمجاعة اللذين يؤديان حتميا إلى تفشي الأوبئة والجرائم، وذلك بتدعيم الإجراءات المتخذة منذ بداية الأزمة ومراجعتها ومرافقتها بتقييم يومي لمدى نجاعتها.
وفي هذا الإطار فإني أدعو المؤسسة العسكرية وعلى رأسها القائد الأعلى إلى الاستعداد إلى تفعيل الفصل 11 من القانون عدد1 لسنة 2004 المتعلق بالخدمة العسكرية وذلك بتسخير جزء من جيش الاحتياط حسب متطلبات الوضع،
هذه هي إذن في اعتقادنا بعض الإجراءات تحت سقف الأهداف الإستراتيجية، لكنها تبقى مرتبطة بالنجاح الآني في معالجة الأوضاع الصحية والاجتماعية والنفسية ولن يكون ذلك متاحا إلا بتوحيد الخطاب وتوحيد القرار والانضباط للإجراءات التي يجب أن تصب في اتجاه واحد وهو مصلحة الشعب التونسي أفرادا ومؤسسات.
وأنا على يقين أننا سننتصر في هذه الحرب، وأن الإنسانية ستسترجع إنسانيتها وتراجع العديد من مقولاتها التي كانت تعتقد أنها أبدية.
إرادة الشعوب لا تقهر، فإذا أرادت الحياة سيستجيب القدر بإذن الله تعالى"ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر"،
العميد محمد الفاضل محفوظ
- اكتب تعليق
- تعليق