أخبار - 2020.04.01

كتاب الجـلـيـدي العــويــني »سـلـطان حـبّـك« (صور)

الجـلـيـدي العــويــني »سـلـطان حـبّـك«

جاء كتاب «سلطان حُبّك، من قصائد العشق في تونس»، وهو من منشورات «نيرفانا»، ليردّ الاعتبار للشعر باللهجة الدارجة ويفتح مسلكا جديدا أمام هذا الفنّ الكلامي الذي لم يلق إلى اليوم اهتماما يذكر من الأوساط الجامعية  باعتباره مجال بحث وتدريس ممكن. 

ويتضمّن الكتاب الذي يقع في 79 صفحة باقة مختارة من النصوص الشعرية في غرضي العشق والغزل، لخمسة عشر شاعرا من فطاحل الشعراء التونسيين من جهات مختلفة، عاشوا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد راعى الجليدي العويني في ذلك اختلاف تنغيمات اللهجة التونسية من حواضرها إلى بواديها، وأرفق المؤلَّف هذه القصائد التي هي نماذج من مدوّنة ضخمة صاغها وغنّاها عشّاق كثر بقصيدتين بديعتين من نظمه هما «سلطان حبّك» التي لحّنهـا سمير العقربي وغنّتها أمينة فاخت و»أنا عاشق يا مولاتي» التي لحّنها وغنّاها هذا الموسيقار. 

وتعود مبادرة إصدار هذا الكتاب إلى الأستاذة رجاء بن سلامة المديرة العامة لدار الكتب الوطنية التي طلبت إلى الجليدي العويني جمع النصوص وتقديمها وشرحها وذلك بالحفر في «دفاتر الشعر الشعبي» المودعة بالمكتبة الوطنية والذي يشتغل عليها هذا الشاعر منذ سنوات.

وتشير الأستاذة رجاء بن سلامة في تصدير الكتاب إلى أنّ الجليدي العويني اقترح لهذا الصنف من الشعر تسمية «شعر اللهجة» إذ أنّ «الشعر الشعبي» مثلا قد يعني الشعر المتناقل من جيل إلى آخر دون أن يُعرف كاتبه فلا تشمل هذه التسمية بذلك جزءا كبيرا من إبداع الشعراء الأفراد المعروفين. و»الشعر العامّي قد يحيل إلى تحديد طبقي لا يمكن أن يختزل هذا النوع من الإبداع الذي يمكن أن ينظم فيه المتعلّم وغير المتعلّم، ومن كان يعدّ من «العامّة» أو «الخاصّة»».

وتبيّن أنّ «الشعر الملحون» «يحيل إلى التميّز بين الفصاحة واللحن»... بينما في شعر اللهجة «المحدّد لغويّ، متعلّق بوحود واقع لغويّ متنوّع ومختلف عن واقع العربية الفصحى التي تدرّس في الجامعات ويحميها النّحاة واللّغويون على مدى قرون طويلة من «لحن العوام» ومن التطوّر. 

وتتساءل الأستاذة رجاء بن سلامة : «من يأتي الولع بهذا النوع من الشعر وكيف يستمرّ وجوده، والحال أنّ المدرسة التونسية، والجامعة التونسية، وتحديدا أقسام اللغة والآداب العربية بها لا تأبه به ولا تدرّسه، بل أكاد أقول إنّها تمنعه وتصادره»؟ 

وتجيب عن هذا السؤال بالقول إنّ هذا النوع من الشعر «ينبع من الواقع المحلّي ويتغذّى من تفاصيل معيشه وفرادة لحظاته» و«إنّه يمثّل دفق الحياة والمعيش اليومي، وما يمكن أن نسمِّيه «المعيش اللغوي»... قبل أن تخلص إلى اقتراح تدريس اللهجة وشعرها وآدابها في جامعتنا، باعتباره طريقة لفتح «مجال ثقافة جديدة مدمجة»، وبذلك تطرح الأستاذة رجاء بن سلامة من خلال تبنّي هذا العمل قضية قديمة جديدة، ألا وهي قضيّة الإبداع باللغة الدارجة ومنزلته ضمن الثقافة التونسية.

واختيار الجليدي العويني لإنجاز هذا العمل الرائد يعود إلى كونه علما من أعلام الشعر باللهجة الدارجة في تونس وباحثا في مجال التراث.

الجليدي العويني المولود في 3 أكتوبر 1960 ببادية الحاج قاسم بعمق صفاقس، أصيل عائلة من سيرتا الصغرى (جرجيس/ بن ڤردان). درس بڤابس، مقيم بالعاصمة منذ أن بلغ العشرين من عمره، حاصل على الإجازة في التاريخ والجغرافيا وحامل لماجستير علوم التراث. كتب في الصحافة وأنتج في الإذاعة وأنشد على المنابر... يقول عنه الفنّان الملحّن يوسف الرياحي: «منذ أواسط ثمانينات القرن العشرين والجليدي ينشر أغاني العشق فيردّدها المغرمون... عشق دون انغماس في جسد المعشوقة ودون حرص على إذاعة خبر الوجع والسهر. هو غناء قادم من جرح قديم بتعابير جديدة وعبارات فصحى بتنغيمة اللهجة» (ص 72). 

 وممّا يضفي جمالية كبرى على هذا الكتاب الطريف الصور الفوتوغرافية التي أرفق بها الناشر القصائد وهي صور قديمة من صيد كلود كانسي Claude Canceil الذي يمتلك مجموعة هامّة من البطاقات البريدية لنساء تونسيّات «تخلّد نظراتهنّ وملامح من أجسادهنّ، ووشمهنّ، وملابسهنّ وحليهنّ، وهي بمثابة رجع الصدى لما جاء في قصائد العشق من وصف لمحاسن النساء ومباهج حضورهنّ المتحرّر من قيود الحجاب والعقاب».

ورقـات من كتاب

من بين قصائد العشق التي تضمّنها كتاب الجليدي العويني «سلطان حبّك، من قصائد العشق في تونس»، وهو من منشورات «نيرفانا» سنة 2020، قصيد للحاج عثمان الغربي المولود بالعاصمة سنة 1870 والمتوفّى بها سنة 1943.وقد أصدر جريدتين ثانيتهما «الزهو» التي تواصل صدورها من 1921 إلى 1963. وفِي هذه الصحيفة نشر الشاعر عشرات القصائد المرحة ذات البعد الاجتماعي والسياسي والعاطفي أيضا، ومنها هذا النصّ الذي حوّل إعجاب عروس جديدة بـ «غنّايْ» (بمعنى قوّال الشعر) إلى قصّة عشق ومكابدة وتحدّ معلن للعائلة . وقد راج هذا القصيد لطرافته وجرأته. 

غنّايْ هاك اللّيلَة

قالت مْنـى : «غنّايْ هاك اللّيلَة    ****   عجبـنـــي غـنـــاهْ يا عمّتـــي إمشيلَه 1

جــــــانــــــــا غــــنّــــــــــى    *****    عقـْــــلي خــــذاهْ يــــا عمّتي يــا حَنّه 

يا عمّتي في خــــاطري نتـمــنّى    ****    يكــــون خــــالي ونَايْ ليـــه خْليلـــة 2 

الْفــــــاظــــو حْــلُــــــــــــوّٓة    ****    يا عمّتــــي حبّــــو عْليّ تـــْقـــــــــوّى

يا عمّتــــي اعمـلْ عليّ مـــروّة    ****    في عَشْقتــــي مـــا عــادْ تنفـعْ حيلٓة»3

العـــــمّٓـــة قـــــــــــــالــــتْ    ****    «يا نيّْتــــي في الحـــينْ عينـــكـْ مــالتْ

عــروسة جديدة حنّتكْ ما زالتْ    ****    والنــَّاس تشهـــدْ فيكْ بنـتْ دْويلٓه» 4

لفــــراقْ قْــهـــرْنـــــــــــــي    ****     قـــالـــت الكِنّة، ويـــا عمّتي إعـــذِرني 

الغنّـايْ جْلبنــي بالمعاني سْحرْني    ****    نـــارُو ســـِرْجِت في الكْنـــين شْعـــيلـه 

-تـْـــــــــدرْولْ حــــــالــــــــي    ****    يا عَمْتــــي راهُ شْغٓبــــلي بـالِــــــــــي

خُــوذي ادّيلو خاتْمي وخلْخـالي    ****    غْـــرامو نْــــزلْ في القلـبْ حطْ رْحيلٓه 5

-قَــــالَــــتْ : قصّـــــــــــــــرْ    ****    العمّـــة حسْبتهــــا فــدْلكة وتبصّـــــــرْ

ولـــدي فارح بيـك زاهي مْنصْر    ****    بــــاقي يُشكـــرْ فيك قـــال صميلَــة 6

-مـــــا ينـفــــعـــشــــــــــي!    ****    قـــالت الكِنّة عِفْ ما نرْجعشـــــــــــي

يا عمّة، قـلبكْ بالهوى تليّعشي؟    ****    وقْــــت اللّي كنـــت شــابّة وجْميلَــة 7

-قـــــالــــــت بـــــكـــــــري    ****    طْريقة وحْدة فيها فكْــــــــــــــــــــري

محبّة جيل اليوم راهي عكـْري    ****    أخطــــاكْ مـــالغنّاي صــاحب حيـلة 8

-قــــــــالت ريــــــتُـــــــــــو    ****    مـْليح ولّا قـبيح نــــا حبّيتـــــــــــــــــو

يا عمّتــــي مــا صابـني في بيتُو    ****    نـســـلّم فِ ولْدك نهــربْ ونمشيـلـٓــــه

-العمّــــــة صــــــاحـــــــتْ:    ****    شُــوفُــوا الكنّة بَوْحتْ وقباحــــــــٓـتْ

الغنّايْ سـْحرها فردْ ليلة طاحتْ    ****    يٓعْطــيـــــه كٓيّه واشْ مـــا نـدْعيلَـــه 9

صــــــــــــارت لمّـــــــــــــــه    ****    قالت الكنّة : قَصْري يا عمّـــــــــــــــــه 

ولـدك ركيكـ و ِرمْـزْ بــاِرد  دمّهْ    ****    مـــــا يصلحشــي ثقيــل حاله حليلـــه

-قالـــت آبـــنــــيْـــــتــــــي !    ****    شُوفُـــو الكلـبة عمـاتْ يا مْضنينــــــي 

وتْسِبْ ولدي وتِشْتْمُو في عيني    ****    نمشـــي للقـــاضي نـــزوزلَهْ نِشْكيلَه 10 

قــالـٓـــــت بــٓرْكــــــــــٓــــــه    ****    يــزّي يا عمّة ندخلولها شِرْكـَــــــــــــهْ 

اسمع كلامي قَص هذي العَرْكَهْ     ****    الــدنيــــا لله كـــل حــدّ وجيلَـــــه 11 

-قــــــــــــالــــت يـــــــــزّي    ****    يا طفلـــــــــه تضحــكـــــــي وتتهزّي 

فـــاتْ عمـــري تعدّى، حِــزّي!    ****    ولّيـــت عْــزورة مْطبــطبهْ جِرتيلٓـــه 12

الحاج عثمان الغربي 

1 - الكنّة المسمّاة مْنى تخاطب حماتها معبّرة عن إعجابها بالغنّاي وتريد الذهاب إليه لملاقاته. 

2 - كلّ بغيتها أن تبادل هذا الغنّاي حبًّا بحبّ. 

3 - لقد سباها الغنّاي بكلماته الجميلة ولم تعد قادرة على بُعْده وترجو حماتها أن تبحث لها عن حلّ.

4 - تستغرب الحماة من كنّتها وتلومها كيف تعشق الغنّاي وهي التي ما زالت عروسا من المفروض أن تخلص لعريسها خاصّة وهي ابنة حسب ونسب.

5 - تصف مْنى لوعتها وتعلّقها بالغنّاي الذي هزّ مهجتها وعقلها وتريد أن ترسل له حليّها مع حماتها تعبيرا عن حبّها.

6 - انفعلت الحماة ممّا تقول كنّتها بعد أن تراءى لها أنّ الأمر جادّ وذكّرتها بأنّ عريسها سعيد بها ويشكر رصانتها فكيف تتحدّث بهذا الشكل؟ 

7 - أجابت الكنّة أنّها لا يمكن أن تتخلَّى عن مشاعرها ولا تتحكَّم فيها وسألت حماتها:»ألم تجرّبي مشاعر العشق لمّا كانت شابّة؟»

8 - ردّت الحماة أنّها عشقت مرّة واحدة في شبابها وكأنّها تلمح أنّ عشقها الوحيد كان لمن تزوّجته وتستغرب من بناب هذا الجيل اللواتي يخلطن في مشاعرهنّ بين الحليل والخليل ونبّهتها أنّ هذا الغنّاي الذي تعشقه محتال بمعنى متعدّد العلاقات.

9 - تواصل الكنّة تمسّكها بمن أحبّت وتتمنَّى أن تذهب إلى بيته وتهرب من بيت الزوجية، فتغضب الحماة وتندِّد بالكنّة التي تأتي سلوكا مشينا بما أصابها من سحر هذا الغنّاي الملعون.

10 - تطوّرت الخصومة بين المرأتين ممّا جلب الآخرين ليسمعوا الكنّة تقول لحماتها اقصري فابنك بارد ثقيل الدم لا يصلح للمعاشرة فتردّ الحماة متعجّبة «آبنيتي» وتتّهم كنّتها بعماء البصيرة وهي تتجرّأ على قذف وشتم زوجها فلا بدّ من رفع أمرها إلى القاضي.

11 - تهدّئ الكنّة من روع حماتها وتقترح عليها أن يغامرا معا فالكنّة تذهب إلى الغنّاي والحماة تغامر أيضا مع رجل من جيلها.

12 - ستغرب الحماة من اقتراح الكنّة وتدعوها إلى الكفّ عن السخرية منها وهي العجوز التي لم يعد عمرها ولا جسدها يسمحان لها بهذه المغامرات..

عبد الحفيظ الهرڤام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.