أخبار - 2020.03.31

نجا المهداوي في افتتاح «المنتديات الكبرى» بالحمّامات الفنّان الذي امتطى المتن الكوني

نجا المهداوي في افتتاح «المنتديات الكبرى» بالحمّامات الفنّان الذي امتطى المتن الكوني

 كانت فكرة متميّزة تلك التي جمعت بين مفكّرين ومبدعين تشكيليّين ونقّاد تونسيّين وجعلتهم يحلّقون عاليا في سماء الفنّ التّشكيلي ليستعيدوا مع نجا المهداوي رحلته إلى الكونيّة.

هي فكرة نبعت من المركز الثّقافي الدّولي بالحمّامات الذي ابتدع نشاطا فكريّا وثقافيّا على غاية من الأهمّيّة يخرجه من عزلته الشّتائيّة ويدرجه في حركيّة النّشاط الموسمي، بعد انقضاء موسم المهرجانات الصّيفيّة.

اختار المركـز للمصطلح عنوانا هو «المنتديات الكبرى» تتلاءم مع قيمته التّاريخيّة والاعتباريّة كفضاء للتّلاقي بين الفنون والحضارات وصياغة خطاب فكري وإبداعي ونقديّ يسمو بالحركة الفكريّة والفنّيّة ويوسّع آفاقها.
وينتظر أن يهتــــمّ المنتــدى بأبرز المبدعين والمفكّرين في مختلف المجالات الثّقافيّة لفكّ الحصار حول مسارات بقيت تعاني من التّهميش إلى حدّ النّسيان، حتّى أنّ الكثير من قامات الأدب والفنّ والفكر في بلادنا وعددهم لا يحصى، بقوا في طيّ النّسيان ولم تسعفهم الحياة بحركة اعتراف أو تكريم يليق بحجمهم وبإضافاتهم التي أثرت التّراث الوطني والإنساني معا. ولعلّ الفضل في هذا الخيار في مقاربة تقاليد التّكريم، يرجع الفضل فيه إلى النّاقد الفنّي محمّد الميّ الذي تجاوب مع إدارة المركز الثّقافي الدّولي بالحمّامات وساهم إلى جانب مديره السّيّد الأسعد سعيّد، ليضعا معا الخطوط الكبرى لأهداف المنتدى ومقاصده. 
هي بادرة تعديليّة لمفهوم التّكريم، من حيث أنّها تتعدّى المظهر البدائي والممجوج الذي أصبح سائدا ومكتفيا من التّكريم بالصّورة الاستعراضيّة المستهلكة شكلا ومضمونا، لتنتج إبداعا حول الإبداع. 
الحلقة الأولى من المنتديات التي انتظمت تكريما للفنّان نجا المهداوي، بفضاء فيلاّ سيباستيان بالمركزالثّقافي الدّولي بالحمّامات دعي إليها ثلّة من المفكّرين والمبدعين والنّقّاد بعضهم كمتدخّلين ومحاضرين والبعض الآخر كضيوف شرف.
لقد خاض الفنّان نجا المهداوي تجربة مهمّة في مساره، قادته إلى المدار العالمي ولكنّها تجربة لم تحظ في تونس بالاهتمام النّقدي المناسب. بسبب الطّابع اللّاقياسي(atypique) الذي اتّسمت به. 
المقاربة الإعلاميّة للتّجربة في بداياتها، اعتبرت أنّها تجربة في الخطّ العربي، إلاّ أنّ الأمر كان مختلفا تماما، فاستحضار الخطّ كان فيها من باب الاختراق والحفر في ما وراء الحرف. الحرف العربي أعلن في قراءة نجا المهداوي، عن كلّ الثّقل الحضاري والفكري الذي يحمله. أو من خلاله، أراد نجا المهداوي أن يجعله يتجاوز معنى الجدوى والدّلالة الآنيّة إلى عمق المعنى الحضاري وأن يستحضر حوار الحضارات ومدلولات الخصوصيّة والاختلاف. ولعلّ ذلك ما أرسى بتجربة نجا المهداوي في أوسع المجالات العالميّة، لأنّه سافر بالحرف كمصطلح وليس كأداة لكتابة المعنى. أرسى به كعلامة مؤشّرة على النّقل التي تتالت على الحضارة العربيّة والعربيّة الإسلاميّة والتي تطوّر فيها فنّ الخطّ مغامرا ومارقا عن المدارات الدّينيّة المغلقة وعن مدارات المقروئيّة (la lisibilité) الضّيّقة في مفهومها البدائي الإنشائي.
تجاوزا للحصار الأنثربولوجي الذي فرضته المقاربة الاستشراقيّة على المشهديّة التّشكيليّة في العالم العربي والذي انخرطت فيه أغلب التّجارب الوطنيّة، طوّر نجا المهداوي فكرته بالاشتغال على منحى استنطق فيه المكامن الجماليّة للخطّ كمحمل لعلاقة مختلفة، حضاريّا، مع «الآخر» من جهة ومؤسّسة لجسور تتلامس فيها الخصوصيّات في تكافؤ وندّيّة لتعانق الكونيّة. وهو ما توصّل إليه نجا المهداوي حين أصبحت تجربته محطّ أنظار العالم بما فيه الثّقافات المغايرة والهويّات المختلفة.
الخاصّيّة الثّانية لنجا المهداوي والتي كانت مصدرا لتفرّده في بـــدايات تجربته، هـي موقفه من العرض المتحفي. فقد كان نجا، في السّبعينيّات من القرن الماضي، عندما اكتشفته وكما قارب تجربته عدد من النّقّاد التّونسيّين، قاطعا مع مفهوم العرض المتحفي المتداول والذي يتعامل به مجمل الفنّانين التّشكيليّين التّونسيّين والعرب عموما. إذ اعتبر أنّ الفنّ التّشكيلي لا يمكنه أن يتجدّد وينمو نموّا سليما وجدليّا بين جدران المتاحف والفضاءات المترفة التي تتّخذه ديكورا جامدا لا ينطق بغير المظهر وحبّ الظّهور. وهو يعيد النّظر في هذه المرجعيّة المتحفيّة، لم يكن ذلك هدفا في حدّ ذاته، بل كان مدخلا لصياغة منظور جديد لعلاقة الفنّ مع المتحف.
سعى نجا المهداوي إلى غرس التّجربة في محيطها الجيوثقافي (géoculturel) فحرّك سواكن الصّناعات التّقليديّة وزاوج بينها وبين الفنّ التّشكيلي في علاقة تشاركيّة متشابكة مع الفنون في أصفى رمزيّتها وأرقاها إلى حدّ ملامسة الصّوفيّة. 
وكما تساءل نجا المهداوي في بدايات مسيرته حول كنه العلاقة بين الفنّ التّشكيلي ومحيطه، عبر إعادة صياغة مفهوم التّلقّي وانحساره في فضاء المتحف المغلق، فإنّه التفت إلى المسرح مستكشفا أغوار علاقته بتشكّل فضاء التّلقّي. وهي مساءلة انخرط فيها في سبعينيّات القرن الماضي، مع حركة مسرح التّراث، انسيابا للعلاقة التي جمعت بينه وبين أعضاء حركة الطّليعة الأدبيّة.
من هنا، امتطى نجا المهداوي المتن الكوني ليعانق أرقى المعالم الاعتباريّة في آسيا وأمريكا وأوروبّا وإفريقيا. واتّسم مفهوم العرض من هذا المنطلق بمدلولات جديدة تؤكّد العلاقة العضويّة التي أسّس لها بين الفنّ ومحيطه وانغراسه في مدارات الجدل المستدام والسّعي الدءوب إلى إعادة التّشكّل اللّامشروطة إلاّ بالانعتاق من سجون المتاحف بمفهومها الحائطي الجامد والمغترب عن النّبض الحيوي والمتطوّر للحياة.
في الحمّامات وعلى امتداد يومي 21 و22 فيفري الماضي، التأمت حلقات التّفكير والتّحليل والمجالسة احتفاء بنجا المهداوي الذي لم يتح لجمهور الفنّ التّشكيلي وحتّى لبعض المريدين أن يتعرّفوا على محطّات الملحمة التي صاغ هذا الفنان أطوارها وخاض معاركها في الدّاخل كما في الخارج ليوضّح أنّه ليس بفنّان الخطّ وأنّه آل على نفسه أن يجعل من الحرف مخبرا لصياغة مدوّنته الجماليّة الخصوصيّة ويضعها على محكّ التّجارب الكونيّة.
المنتدى سيتواصل ويسلّط الضّوء، في أواخر شهر أفريل، على تجربة أخرى وفي مجال فنّيّ آخر هو المسرح وهي مسيرة الفنّان المسرحي الفاضل الجزيري..

فوزية بالحاج المزّي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.