مختار اللواتي: تَخَلَّقوا.. تتخلق الحياةُ السياسية والاجتماعية

يعيش الفضاء الأزرق منذ الساعات الماضية، احتقانا جليا في أوساط كثير من المدونين والمبحرين عبر هذا الفضاء الفايسبوكي عموما، ومرده تلك الأنباء الرائجة عن اعتزام النائب مبروك كورشيد عرضَ مشروع مبادرة تشريعية، عَنونَها على مايبدو "من أجل أخلقة الحياة السياسية والاجتماعية" على مجلس نواب الشعب. هدفُ هذه المبادرة، في ضوء ما تسرب من طياتها، هو معاقبة "مقترفي الجرائم الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي". وهو عنوان فضفاض تختفي في خباياه وتفاصيله كل شياطين العالم! وقد شرع السيد خورشيد، بعدُ، في جمع توقيعات أعضاء مجلس النواب، المتفقين معه في طرحه والمشاطرين له تخوفاته، للحصول على عددها الواجب والكافي كي يتسنى عرضها على مكتب المجلس وقبول النظر فيها ومناقشتها في جلسة عامة.

وإسهاما في النقاش الدائر على صفحات التواصل الاجتماعي بهذا الشأن، والذي اتسم غالبه بالغضب وبالاستغراب من السعي إلى عرض ومناقشة مثل هذا النوع من المبادرات التشريعية التي تؤذن، يراها عديد المدونين والمبحرين، للعودة إلى مربع الاستبداد وتكميم الأفواه، كتبتُ التعليق التالي:

الأحكام السجنية ليست الحلّ

الأحكام السجنية ليست هي الحلّ لكثير من التجاوزات والمخالفات عند ثبوت حصولها والاتفاق على تحديدها. بل إنها قد تكون دافعا إلى التحايل واختلاق مختلف الحيل لمواصلتها.

أنا شخصيا ضد السب وهتك الأعراض في المطلق. ولكنني مع النقد ومع التعبير عن الرأي ومع التشهير بالسلوك المشين والتصرف الأرعن مهما كان صاحبه أو صاحبته،مهما كانت مسؤوليته أو مسؤوليتها في الدولة.

فما دامت للدولة أجهزة وآليات رقابة على وسائط التواصل الاجتماعي وتحديدا الفايسبوك، وهذا ليس سرا ولا يحتاج إلى دليل أو تأكيد، فبإمكانها عن طريق تلك الآليات توجيه تنبيه إلى كل من يقوم بالسب أو بتقديم معلومة غير صحيحة.. ولتبدأ بمتبوئين مناصب ومسؤوليات عليا في الدولة ويتاقاضون مرتبات عالية من خزينتها التي يمول جزءها الأكبر المواطنون. ففي تدوينات وتصريحات عدد منهم ما يندى له الجبين. فمن جلسات مجلس نواب الشعب وفي بحر هذا الشهر فقط يمكن جمع الكثير من الكلمات النابية ومن التصرفات المشينة. أما إن التفتنا إلى أرشيف السنوات الماضية فسنزكم أنوفنا بروائح نتنة كثيرة، في مجلس النواب والمجلس التأسيسي قبله، ولدى العديد من المسؤولين في مفاصل مختلفة للدولة.. دون أن نتحدث عن الأكاذيب المفضوحة والمسجلة على أصحابها.

الدولة بكل سلطاتها يجب أن تكون القدوة

كفوا أولا عن التنابز، وعن االتلاعب بالحقيقة، لتكونوا قدوة لمواطنيكم.. صحيح هناك فوضى ومخاطر تسبح في هذا الفضاء. ولكن مبعثها شبكات أنتم لا بد على دراية بها تقوم بنشر الأكاذيب والتلاعب بالرأي العام، وأنتم قادرون على التصدي لها. أما عن المواطنين والمدونين منهم بالذات فقد أصبح الفايسبوك متنفسهم الوحيد للتعبير والنقد والاقتراح. فقط إسمعوهم وناقشوهم. 

منتدى الديمقراطية المفتوح وفضاء النقاش الحر

وهنا أقترح بعث منتدى افتراضي يُفتَح لمختلف المدونين والمثقفين وكل من يرغب في تقديم اقتراح أو عرض نقد. مع تقسيم المواضيع على عدد أيام العمل في الأسبوع. على سبيل المثال، مجلس النواب يخصص له يوم. ورئاسة الحكومة يوم ورئاسة الجمهورية يوم والسلطة القضائية يوم والإعلام يوم. على أن تدوم كل حصة في كل يوم ساعتين. وتلتزم الدولة بعدم منع أي مشارك من التعبير. ويلتزم كل متدخل بعدم اللجوء إلى السب والكلمات النابية في كلامه، سواء كان من جانب السلطة أو المواطن. وتُختم كل حصة بخوصلة أهم الاقتراحات، لعرضها في الحصة الموالية، وبعد التصديق عليها من المشاركين، تحال إلى الجهة الراجع إليها موضوع النقاش. على أن تتعهد السلط المعنية في الدولة على اختلافها، بالتفاعل الإيجابي معها. 

خيار سيء وخطير

أما اللجوء إلى تشريع عقوبات، وبالسجن، لكل من يرى فيه المسؤول، أيا كان موقعه، خروجا عن الأخلاق، فهو إجراء يدل على عجز، إن لم يكن على منزع لتكميم الأفواه بتعلة التأديب.. بل ليس غريبا أن يكون استكمالا لحلقة مفقودة في مخطط الهيمنة بالكامل على مفاصل الدولة والمجتمع من طرف الملتحفين بالدين لتسريب مشروعهم السياسي بعدما افتضح خيار الإرهاب!

مختار اللواتي