أخبار - 2020.03.29

محمّد البدوي: من أجل إعــلام ثقافي يعصمنا مـن الصخـب والرداءة

من أجــل إعــلام ثقافي يعصمنـــا مـن الصــخـب والرداءة

بعد تطور وسائل الإعلام في العقود الأخيرة، وانتشار أجهزة التواصل في كل البيئات انحسر الاهتمام بالصحافة الورقية وصارت مادّتها الإخبارية متأخّرة في الزمن، والأكيد أنّ النسخ الإلكترونية أكثر مواكبة للساحة ولإيقاع الأحداث صغيرة كانت أم كبيرة، لذا انسحبت من السوق بعض الدوريات وانحسرت نسبة السحب، حتى صار المواطن لا يفكر في جريدته اليومية والأسبوعية، بل يتابع أخبارها على شاشة الهاتف. وفي هذا المناخ غابت أو كادت الصفحات والملاحق الثقافية التي كانت تؤثّث المشهد الثقافي وتواكب الحركات الأدبية والثقافية في تونس على امتداد عقود عديدة، وقد كانت الدوريات تتنافس في استقطاب الأقلام وتوفير فضاء تتألّق فيه النصوص الجديدة والمقالات النقدية والحوارات الشيّقة.

واليوم اختلط الحابل بالنابل في الصفحات الافتراضية إلى درجة أنّه صار منفّرا، وكان لا بدّ من دورية فيها من الجدّية والحسّ الوطني والهاجس الفكري الحديث بعيدا عن التجاذبات السياسوية والخواء الذي يتهدّد المشهد وطنيا وعربيا فكانت مجلّة «ليدرز العربية» الغاية والسبيل إلى تحقيق الكيان. ورغم تنوّع المواضيع وكثافة التحاليل السياسية، فقد نالت الثقافة حظّا محترما يجعلنا نظفر مع كلّ عدد جديد بجملة من المقالات والأخبار تطفئ ظمأ القارئ وجوعه إلى مادّة دسمة تبني الفكر وتساهم في بناء مجتمع يقدّر الفكر وأعلامه.

وما شدّني إلى «ليدرز العربية» هو الحضور الجليل لأسماء لها تاريخ محترم في الساحة الأدبية والثقافية والسياسية، وقد تمرّس أصحابها بالعمل الإداري والديبلوماسي بعيدا عن كلّ ادعاء أو نرجسية مريضة. وما يجعل القارئ  يرتاح إلى ما تقدّمه إضافة إلى محتواها وشكلها هو البُعد عن الالتزام الحزبي لأيّة جهة كانت في اليمين أو في اليسار، والالتزام الوحيد البارز هو الوفاء للوطن واحترام القارئ.

إنّ المادّة الثقافية في «ليدرز العربية» تبعث على الارتياح لأنّك تجد مع كلّ عدد جديد مادّة دسمة توفّر للقارئ المتعة والفائدة، فتظل بعد كلّ عدد تنتظر العدد الذي يليه وأنت في شوق إلى افتتاحية عبد الحفيظ الهرقام، وإلى كتابات رشيد خشانة ومحمد إبراهيم الحصايري واحميدة النيفر وعبد العزيز قاسم وعامر بوعزّة، ومنجي الزيدي وعادل الأحمر...إلخ وإضافة إلى مختلف الملفّات الثقافية التي طرحتها المجلّة، فالجانب الإشهاري للكتب يبدو بسيطا وجذّابا يدفع إلى البحث عن هذه العناوين والاستفادة منها.

إنّ جملة الأعداد التي صدرت إلى اليوم جديرة بأن تكون مدوّنة لأصحاب الرأي والقرار، ووحدها الأيّام كفيلة بإنصاف هذه المجلة وأصحابها. وإذا سبق لعامر بوعزّة أن نشر جملة من مقالات له في كتاب «نظرية الموز» (دار البدوي للنشر) فمن حقّ القارئ على المجلّة وكتّابها أن يجمعوا مقالاتهم في كتب فردية أو جماعية تحقّق انتشارا وتواصلا يفوق انتشار المجلة المرتبط بدورية في الزمن، فتتوفّر للقارئ  المختصّ والعادي مادة دسمة تُبقي على حبل التواصل وإن فات موعد توزيع كل عدد.

إنّ ما حقّقته «ليدرز العربية» في السنوات القليلة من تجميع عدد من الطاقات الوطنية والأقلام الجادّة، وإن تناءت المسافات الجغرافية بينها، وكوّنت عائلة فكرية قائمة على الفكر الحديث واحترام حقّ الاختلاف ويجمعها حبّ الوطن بعيدا عن الطموحات الانتهازية، وقد قادت هذه الممارسة إلى إرساء عمل جبّار ورصيد دسم جدير بالتقدير والتنويه يمثل جزءا من ذاكرة البلاد الثقافية تجب المحافظة عليه وتطويره ليبقى علامة مميّزة لهذه المرحلة والمراحل القادمة. وأنت تتصفّح في كلّ مرّة عددا جديدا من هذه المجلة لا تستطيع إلا أن تنحني تقديرا لهذا الفريق العامل في صمت بعيدا عن الصخب الإعلامي والتهريج الذي صار ميزة للعديد من قنواتنا المرئية والمسموعة حتّى صرنا نجد الراحة في العودة إلى المكتوب، و«ليدرز العربية» خير عنوان يعصمنا من صخب هذه الأيّام ويوفّر لنا ثقافة جادّة وفكرا مستنيرا.

محمّد البدوي
جامعي  ورئيس سابق لاتحاد الكتاب التونسيين

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.