هـل صـارت تونــس بلـدا طاردا لكفـاءاته؟

أصبحت مسألة هجرة الكفاءات التونسية إلى الخارج، بحكم التنامي الملحوظ لهذه الظاهرة خلال السنوات العشر الأخيرة واتّخاذها أشكالا وآليات ووجهات غير مسبوقة، تثير انشغال مختلف الجهات المعنيّة بهذا الموضوع، سواء كان ذلك على الصعيد الرسمي الحكومي، أو في مستوى المؤسّسات الخاصّة والعموميّة التي تعتبر في أمسّ الحاجة إلى هذه الكفاءات والخبرات الوطنية.

ومن خلال تقرير يصدر قريبا عن مخرجات الندوة الدولية التي نظّمتها يومي 4 و5 ديسمبر الماضي جمعية الدراسات الدولية بالتعاون مع مؤسّسة فريديرتش إيبرت الألمانية لتناول هذه الظاهرة، يتّضح أنّ تونس باتت اليوم ، على الرغم من تواضع حجمها السكّاني، ثاني بلد عربي مُصَدِّر للكفاءات بعد سوريا، إذ يقدّر العدد الجملي للكفاءات المهاجرة بما يناهز 95 ألف كفاءة خلال العشر سنوات الأخيرة. وتقدّر نسبة الأطبّاء التونسيين العاملين بالخارج بربع العدد الإجمالي للأطبّاء التونسيين. أمّا عدد المهندسين المغادرين سنويا، فيقدّر بحوالي 3000 مهندس من جملة 8000 مهندس يتخرّجون من الجامعات التونسية.يضاف إلى هؤلاء حوالي 4500 أستاذ جامعي وباحث وعدد متزايد من الإطارات العليا في مجالات إدارة المؤسّسات والاقتصاد والتسويق وغيرها من القطاعات، الغالبية العظمى منهم يشتغلون حاليا في كلّ من فرنسا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وببلدان الخليج العربي.

فهل أصبحت تونس خلال السنوات الأخيرة بلدا طاردا للكفاءات؟ وما هي العوامل الموضوعية والذاتية التي تدفع بكفاءاتنا الوطنية إلى اختيار الهجرة إلى الخارج؟ وما هي النتائج السلبية الحاصلة وتلك التي يمكن توقّعها على مختلف الأصعدة من هذا النزيف؟ وهل لهجرة الكفاءات انعكاسات إيجابية يمكن رصدها في الحاضر أو توقّعها على الأمدين المتوسّط والطويل؟

وما هي احتمالات عودة هذه الكفاءات إلى تونس، وما هي الصيغ والأشكال التي يمكن أن تتّخذها هذه العودة وماذا يمكن أن ينجرّ عنها؟

هذه الأسئلة وأسئلة أخرى لا تقلّ عنها أهميّة طُرحت خلال تلك الندوة الدولية التي شاركت فيها إلى جانب الوزارات المعنيّة، عديد المنظّمات المهنيّة مثل عمادتي الأطبّاء والمهندسين وجمعيّات من المجتمع المدني مهتمّة بهذا الموضوع. كما أسهم فيها عدد من الخبراء ومن الكفاءات الوطنيّة الشابّة في الاختصاصات المعنيّة أكثر من غيرها بهذه الهجرة.