أخبار - 2020.03.14

عبد الحفيظ الهرڤام: هل تدقّ ساعة الإصلاحات الكبرى؟

عبد الحفيظ الهرڤام: هل تدقّ ساعة الإصلاحات الكبرى؟

يوم 23 مارس 2018، صدح يوسف الشاهد قائلا في جلسة حوار في مجلس نوّاب الشعب: «وقفت الزنقة للهارب وحان وقت الحسم»، في إشارة إلى تأخّر الإصلاحات الهيكلية الكبرى في عديد الملفّات والتي بدونها يعسر حلّ مشكل المالية العمومية، وهي تهمّ بالخصوص الصناديق الاجتماعية ومنظومة الدعم والمؤسّسات العمومية، منبّها إلى أنّ البلاد لم تعد تحتمل كلفة عدم الإصلاح التي هي أغلى بكثير من كلفة الإصلاح نفسه.

رحلت حكومة يوسف الشاهد لتحلّ محلّها في موفّى فيفري الماضي حكومة إلياس الفخفاخ دون أن يحصل تقدّم يذكر  بشأن هذه الملفّات الحارقة، باستثناء تنقيح قانون التقاعد في القطاع العمومي، وذلك لأسباب عديدة، لعلّ من أهمّها غياب الإرادة المشتركة في معالجتها بأقصى سرعة ممكنة ووفق مقاربة يتّفق عليها جميع الأطراف وانغماس فاعلين  في الساحة السياسية في لعبة المناورات والمناكفات، خدمة لمصالح ضيّقة، وانخراط البعض في عملية تعطيل كلّ عملية إصلاح جدّية بتعلّات عدّة، بدل تركيز الاهتمام على قضايا البلاد الجوهريّة.

ما من شكّ في أنّ كلفة عدم الإصلاح قد ازدادت منذ ذلك الحين، ولعلّ التدقيق في المالية العمومية الذي تعهّد إلياس الفخفاخ بإجرائه وبكشف نتائجه للتونسيين سيوفّر مؤشّرات تساعد على تحديد حجم هذه الكلفة.

كنّا ننتظر في حقيقة الأمر من حاكم القصبة الجديد، وهو يعرض الخطوط العريضة لعمل الحكومة  خلال جلسة منح الثقة في مجلس نوّاب الشعب، خطّة واضحة المعالم بخصوص هذه الإصلاحات الهيكلية الكبرى غير أنّه اكتفى بإشارات عامّة في هذا الصدد، لا تزيد على ما ورد ذكره في الوثيقة التي أمضت عليها الأحزاب والكتل البرلمانية الداعمة للحكومة. فما عساه أن يفعل وقد وُلدت حكومته بدون برنامج بعد أن  تغلّب هاجس تفادي سيناريو حلّ البرلمان على كلّ الاعتبارات الأخرى؟!

وإلى حين إعداد البرنامج المفصّل الذي التزم الفخفاخ بعرضه بعد بضعة أشهر على المجلس النيابي، لنا أن نتساءل:  أيّ برنامج ولأيّ إصلاحات ستتقدّم به الحكومة لصندوق النقد الدولي الذي يبقى التعامل معه خيارا لا محيد عنه، على حدّ تعبير الفخفاخ ، من أجل نيل الأقساط المتبقّية من برنامج القرض الممدّد المبرم معه؟

كيف السبيل إلى إصلاح الإدارة وتطوير أدائها؟ ألم يحن الوقت لاتّخاذ إجراءات جريئة قصد رفع نسبة التأطير فيها، من ضمنها اعتماد نظام  تأجير يحفِّز أفضل الكفاءات على الالتحاق بها؟ وهل من استعداد لتسريح أعداد من الأعوان والموظّفين لتخفيف العبء عن الوظيفة العمومية والمنشآت التابعة للدولة وبالتالي التخفيض من كتلة الأجور، مع منح المسرّحين تعويضات مجزية تمكّنهم من بعث مشاريع من شأنها توفير المزيد من مواطن الشغل للعاطلين عن العمل، وذلك في إطار برنامج يوضع بالاتّفاق مع الاتّحاد العام التونسي للشغل؟ إلى متى سيظلّ ملفّ المنشآت والمؤسّسات العمومية معلّقا وهي التي تشكو صعوبات وتتفاقم خسائرها المتراكمة يوما بعد يوم ممّا يزيد في إثقال ميزانية الدولة؟ ألا تكمن أفضل مقاربة لهذا الملفّ الشائك، كما اقتُرح في السابق، في درس وضعيات المنشآت والمؤسّسات المائة وأربع حالة بحالة لضبط الصيغ الكفيلة بإصلاحها وتطوير حوكمتها، سواء من خلال تدخّل الدولة للحفاظ على تلك التي تكتسي طابعا استراتيجيا أو عن طريق التفويت في عدد منها للخواصّ مع الحرص على تحديد أوجه صرف عائدات الخوصصة، بكامل  الشفافيّة، حتّى ولو اقتضى الأمر سنّ قانون في الغرض، أو كذلك بفسح المجال للعمّال لامتلاك رأس مال البعض الآخر من هذه المنشآت والمؤسّسات. ومن المفروغ منه أنّ فضّ هذا الملفّ يتطلّب موافقة مختلف الأطراف الاجتماعية ، ولاسيّما المنظّمة الشغيلة التي ظلّت إلى حدّ الآن تعارض أيّة عملية خوصصة.

وعلاوة على معالجة هذه الملفّات، ينتظر من حكومة الفخفاخ انتهاج رؤية مجدّدة بشأن مسائل لا تقلّ عنها  أهميّة، ومنها بالخصوص النهوض بالمرفق العمومي في قطاعات حيويّة كالصحّة والتعليم والنقل وتطوير نظام التأمين على المرض ومراجعة منظومة الدعم وتحسين الأوضاع المعيشية لضعاف الحال والمهمشين وإصلاح النظام الجبائي من حيث تحسين طرق الاستخلاص والحدّ من الضغط الضريبي دفعا للاستثمار ومقاومة التهرّب في هذا المجال، فضلا عن إعادة النظر في هيكلة الأسعار بما يعود بالنفع على المؤسّسة الاقتصادية وعلى القدرة الشرائيّة للمواطن.

لقد أهدرت تونس وقتا ثمينا في السجالات العقيمة والخلافات الهامشية، ولم يعد هناك بدّ اليوم من استحثاث الخطى على طريق الإصلاح لتجنّب تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتي زادها تعقيدا استمرار التهديدات الإرهابيّة وانتشار فيروس كورونا مع تداعياته  المحتملة على قطاعات هامّة مثل السياحة والتصدير. إلّا أنّ انتهاج هذا المسلك يتطّلب أوّلا وبالذات تضامنا وتناغما داخل فريق حكومي غير متجانس سياسيا، ثمّ دعما قويّا من مجلس نوّاب الشعب لكلّ توجّه إصلاحي من الحكومة، بالإضافة إلى اجتناب المزايدات الشعبويّة التي من شانها أن تحدّ من قدرة البلاد على مواجهة مختلف التحديّات الماثلة أمامها. فهل تدقّ ساعة الإصلاحات الكبرى مع حلول الحكومة الجديدة أم أنّ دار لقمان ستبقى على حالها ممّا يعني مزيد التراجع والانحدار؟

عبد الحفيظ الهرڤام

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.