يوم دراسي ببيت الحكمة حول الفتوى
هل يمكن اعتبار فتاوى اليوم مماثلة لفتاوى الأمس؟ ما طبيعة علاقة المفتي بالسلطة السياسيّة؟ من هو المفتي؟ هل يمثّل الطبقة الحاكمة أم فئة العلماء؟ ما هي المواضيع التي يحقّ للمفتي إبداء الرأي فيها؟ هل يمكن لأحكام المفتي أن تكون ملزمة؟ هل يجوز اعتبار الفتاوى آليّة من آليات القضاء؟ ما الفرق بين المفتي والمستفتي؟ تلك هي الأسئلة التي افتتح بها الأستاذ عبد المجيد الشرفي رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" يوما دراسيا نظّمه المجمع مؤخّرا بالاشتراك مع كليّة الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.
اهتمّت جل مداخلات الجلسات العلميّة المتتاليّة بهذه الأسئلة المفتوحة والعميقة، إذ تناول الباحث العراقي حيدر حسن الأسدي إشكاليّة تأثيرات السياقات الموضوعيّة وتحكّمها في خطاب الفتوى، "فما يبدو بديهيا ومباحا لأهل الفتوى في ثقافات وأطر اجتماعيّة لا تسمح به ثقافات وظروف اجتماعيّة وسياسيّة أخرى" فالفتاوى مشروطة بسياقاتها لأنّها بنية معقّدة تتداخل فيها رهانات عقائديّة وسياسيّة وإيديولوجيّة وأخلاقيّة الخ.. يمكن توظيفها لتأصيل القيم والخلفيات العقديّة والفكريّة، وفي هذا الإطار ركّزت منسّقة اليوم الدراسي زهية جويرو في مداخلتها على خصوصية كل إدراك للشأن الديني، مبرزة الرؤية المنفتحة على تجربة الحياة في النموذج التونسي، المرتبطة في نظرها بجهود الباحثين والمهتمين بقضايا الحضارة . فالفتوى ليست منفصلة عن التجربة الوجوديّة اليوميّة بل هي متصلة بأدق تفاصيل الوقائع السياسيّة والاقتصاديّة والسياسيّة و"غالبا ما تستثمر الفتاوى سياسيا لضرب الخصوم" كما ورد في مداخلة مراد الحاجي حول فتوى الردّة والهيمنة على الفضاء العام، وتتنزّل أشكال الردّة ضمن الصراع على تأويل النصوص، ولعلّ هذا ما اختزله نيتشه في قوله "ليست هنالك حقيقة، بل هنالك تأويلات" وهو ما يتنافى مع مزاعم قناعات المفتين المسلّمين ببداهة مواقفهم . وشدّدت عديد المداخلات الأخرى على ازدهار الفتاوى في ظلّ حكم الأنظمة المستبدّة وازدهرت أكثر اليوم بفضل التكنولوجيات الاتصاليّة الجديدة، فأضحينا مجبرين على استهلاك فائض من فتاوى الميديا الاجتماعيّة والإفتاء السيبارني واحتراب الشرعيات مثلما ورد في مقاربتي محمّد السويلمي وحياة اليعقوبي . فمن الطبيعي أن تنتج الثورة الاتصاليّة آليات وإمكانات لامتناهية لمروجي فتاوى الهيمنة على الفضاء العام المسيطرة على وعي الفئات الشبابيّة أساسا، فأصبحنا أمام أجيال القرضاوي وعمرو خالد الخ.. لذلك يمكن اعتبار الأنترنات ميتافيزيقا جديدة.
- اكتب تعليق
- تعليق