مختار اللواتي: إن سهونا أو نسينا فإن التاريخ لاينسى
تحذيرٌ قبل بدء القراءة. هذا المقال طويل نسبيا، فمن يبحث عن تدوينة قصيرة أنصحه بعدم المجازفة بالشروع في قراءته ثم تركه في منتصف الطريق.
إشارة بعد ذلك إلى أن يوم الأول من مارس 2020 كان الذكرة الثانية والأربعين ليوم الجلسة الإبتدائية في محاكمة نقابيي إذاعة صفاقس وبقية نقابيي جهة صفاقس اللذين تم إيقافهم بعد يوم الخميس 26 جانفي1978 ، يوم الإضراب العام الذي أصبخ يُعرف بيوم الخميس الأسود !.
قبلتُ منذ أيام قليلة دعوةً من إذاعة صفاقس لأنزل ضيفا على أحد برامجها بواسطة إحدى مذيعاتها الشابات من الجيل الجديد الذي أخذ فرصته للبرهنة على جدارته في العمل في ميدان الإعلام عموما، والعمل الإذاعي منه بوجه خاص، هي الزميلة شريفة الشريف. أما البرنامج فيحمل عنوانا "عمري مانسيت"، في إشارة إلى طابعه الذاتي والحنيني، بما إنه ينبش في ماضي الضيف بمحطاته المختلفة ليسترجع ذكرياته عنها. وقد علمتُ ذلك، دون تفصيلٍ أكثر من مضيفتي، باعتباري لم أعد مواكبا للبرامج، إذاعية كانت أو تلفزيونية.
أولا تجدرالإشادة بكل الزميلات والزملاء الذين لاقيتهم عند زيارة دار الإذاعة على حفاوة استقبالهم لي.
عند بداية البرنامج، ومن خلال العرض التقديمي لعناوين مجمل محاور الحديث خلاله، خشيت في داخلي من أن كثرتها قد تؤدي إلى إغماط بعضها حقه في العرض الذي يليق به. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، خشيت أيضا أن لاأقدرعلى الإتيان على كل المواضيع بما تستحق من استحضارٍ وشرح في الحيز الزمني للبرنامج وهو، خمس وخمسون دقيقة، بما فيها التقديم الإفتتاحي في الأول والعرض الإجمالي لعناوين محطات الحديث عن حياتي، الشخصية والمهنية والنضالية النقابية، وبعض مقاطع الأغاني، وإن كانت الزميلة شريفة قد اضطرت لاجتزائها بشكل يكاد يكون مجحفا من أجل السيطرة على المساح الزمني. تماما مثل مداخلات الضيوف، إجتهادا منها لتضمن تنفيذ كل ماخططت له. أو على الأقل أغلبه. وقد كنت أشعر بمعاناتها وأجهد النفس أن أختصر الحديث قدر ماأستطيع. فسقطَتْ هكذا مواضيع مهمة لم تنل حظها من العرض، وخاصة من إبراز ما حمَلتْهُ في وقتها من عِبرٍ وقيم، مهنيا وأخلاقيا، قد تفيد الشباب الصاعد.
لكن المحور الذي تحسرت على عدم إيفائه حظه من التفصيل اللازم، هو محور النضال النقابي، وخاصة ملحمة 25 و26 جانفي 1978 بجهة صفاقس، وكيف كان لنقابة إذاعة صفاقس دور بارز في إفشال مخطط كان يستهدف جَر الشغالين إلى الشارع حتى يقوم مندسون بأعمال شغب تُنسَب بعدها للاتحاد العام التونسي للشغل. هكذا ظُلِمت هذه المحطة ولم تأخذ الحيز اللازم من الوقت للتذكير بحيثياتها وبنتائجها. والمظلوم أكثر، هم الزملاء الذين هبوا للمشاركة في الإضراب العام بيوميه(على أساس أن يوم 25 جانفي كان إضرابا عاما أيضا، ولكن بكامل جهة صفاقس فقط إحتجاجا على اعتقال عبد الرزاق غربال الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل عندما كان في العاصمة يشارك في اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد). وأعضاء الهيئة النقابية الذين وقفوا إلى جانبي وأسهموا معي في إنجاح الإضراب. فتحملنا معاً تبعات ذلك النضال، طردا من الشغل وسجنا وتشريدا.
واعترافا لهم جميعا بالجميل، من كانوا ساعتَها أعضاءَ في الهيئة النقابية التي كنتُ كاتبَها العام، أومن كانوا منخرطين فقط من موظفي وعمال الإذاعة، لِما آمنوا به من قيم العدل والحرية والإنصاف والذود عن سيادة الوطن التي مافتئتُ ورفقائي منذ تأسيس النقابة في الإذاعة، ننشرها في لقاءاتنا واجتماعاتنا الدورية، كان لزاما أن نذكرهم بخير. وهو أضعف الإيمان.
فإذاعة صفاقس التي كانت تَعُد بالكاد عامها، مائة وعشرة موظفين وموظفات. قد دفعت أعلى ضريبةوأبهض ثمن، عقابا على "تنطعها" على النظام القائم حينها والذي يَعتبر الإذاعة ملكَه وليست إذاعةً عمومية. مثلما تواصل الحال في النظان الذي تلاه. فمصطلح الإعلام العمومي ذاتُه مازال وقتها لم يظهر للنور بعد، وكان حبيسَ لقاءاتنا التوعوية، وأحدَ عناوين نضالاتنا في جمعية الصحافيين التونسيين التي كنت رئيسَ لجنة الإتصال لها في صفاقس، وفي نقابات الإذاعة والتلفزة التونسية، بما فيها نقابة إذاعة صفاقس.
لقد تم منذ السابع والعشرين من جانفي 1978، أي مباشرة بعد إضراب اليومين، العام،إيقافُ نحو سبعة وعشرين موظفا وموظفة بإذاعة صفاقس، من كل الإختصاصات، عن العمل. أي مايقارب ربع العدد الإجمالي لموظفيها. حوالي العشرة منهم تم إرجاعهم إلى الشغل عندما تعطل نسق العمل في مختلف أقسام ومصالح الإذاعة، وذلك بعد نحو شهر ونصف من المضايقات. أذكر منهم الزملاء الهادي العكروت عضو الهيئة النقابية رحمه الله، ومحمود بنجماعة متعه الله بالصحة، وعبد القادر محجوب أطال الله عمره، والتيجاني بوعتور رحمه الله، وأنور السميري عضو الهيئة النقابية، رحمه الله وجعل الجنة مثواه، ومبروك التريكي ومحمد الهادي ومختار العقربي، أعضاء الهيئة النقابية، متعهم الله جميعا بالصحة. مع خصم فترة الإيقاف عن العمل من أجورهم وتسجيل توبيخ في ملفاتهم الإدارية. أما بقية الموقوفين عن العمل فقد تقرر طردهم نهائيا بتعلة إنهم وقتيون وليسوا مرسمين ولا حق لهم على المؤسسة. وهم الزميلات والزملاء، محمد البهلول الصحفي بقسم الأخبار رحمه الله وجعل الجنة مثواه، وحبيبة ذياب اللواتي وسعاد بن زينة حابة، مذيعتان منشطتان، ومنجي وجمال اللجمي وتوفيق المكي وفتحي الحمامي ونور الدين بن عبد الله من الفرقة الموسيقية.
أما السبعة المتبقون فقد أوقفتهم أجهزة الأمن وعرضتهم على البحث وقدمتهم للمحاكمة بتهم متنوعة، لعل أبرزها التحريض على الإضراب وبعث إذاعة بدون رخصة ! ثم الزج بهم في السجن. وهم عبد الرزاق بوستة مساعد الكاتب العام للنقابة والصحفي بقسم الأخبار رحمه الله وجعل الجنة مثواه. وعبد القادر السلامي المخرج الإذاعي الشهير رحمه الله وجعل الجنة مثواه، وعبد المجيد شعبان، الصحفي الإذاعي القدير في قسم الأخبار، وجميل عز الدين الفني الماهر بالمصلحة التقنية رحمه الله، ومنصف الغمقي الموظف الإداري ساعتها. وقد كان، جميل عز الدين ومنصف الغمقي، أصغر المجموعة سنا. حيث لم يتجاوزا العشرين ربيعا. ولم يمض وقت طويل على انتمائهما لإذاعة صفاقس. وزهير قوبعة فني بالمصلحة التقنية متعه الله بالصحة، والأستاذة النقابية، التركي، غاب عني إسمها الأول، وهي إبنة الشيخ الفاضل عبد السلام التركي مدقق اللغة العربية في إذاعة صفاقس، وأنا، مختار اللواتي، الكاتب العام للنقابة وعضو الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل وقتها، وكاتب هذه الكلمات. وقد عُرضتُ، علاوة على الأحكام التي طالتني مع بقية الزملاء،على حاكم التحقيق في العاصمة، بتهمة صياغة الكلمة التي ألقاها عبد الرزاق غربال الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، رحمه الله، في المجلس الوطني للاتحاد العام في العاشر من جانفي 1978 ، والذي كنت من المشاركين الفاعلين في أشغاله، وهي الكلمة التي رجحت كفةَ النقابيين التقدميين الشباب الداعين إلى فك الإرتباط بالحزب الحاكم تكريسا لاستقلالية المنظمة الشغيلة، وبالتالي إلى استقالة القيادات والكوادر النقابية من هياكل الحزب الإشتراكي الدستوري وقتها، على كل المستويات. وهو ماتحقق فعلا وأعلن عنه الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل،الزعيم الحبيب عاشور في قراره التاريخي في نفس المجلس الوطني ذاك. مع إعلان مبدإ الإضراب العام التاريخي الشهير الذي تحدد لاحقا ليوم 26 جانفي. وقد انطلقت من يومها حملة شعواء، أشد من سابقاتها، ضد المنظمة الشغيلة وقياداتها. كما نشرت جريدة "العمل" الناطقة بلسان الحزب الحاكم آنذاك نص تلك الكلمة التي تبناها المجلس الوطني بالإجماع. ومما أذكره أن حاكم التحقيق قد أعلمني أنه إذا ثبت أنني من كَتب الكلمة، فإن حكم الإعدام هو ماينتظرني في الغالب. ولكنه في نهاية البحث لم يُصدر أمرا بإيقافي على ذمة هذه القضية. غير إن إيقافي تم بعد ذلك في صفاقس مع بقية زملائي في النقابة، مسؤولين كانوا أو منخرطين، لحساب قضية ما عثرِف بالتحريض على الإضراب والمشاركة فيه، وبعث إذاعة بدون رخصة !!أما عن تلك الكلمة فقد كانت فعلا من صياغتي بعد تجميع تقارير اللجان التي انبثقت عن الهيئة الإدارية والفروع الجامعية لحوصلة مطالب الشغالين في سلسلة إجتماعاتهم العامة التي انتظمت طيلة صائفة وخريف 1977 اللذيْن اتسما بسخونةٍ قصوى بين نظام الحكم والمنظمة الشغيلة. وقد تخللت تلك الفترة إضرابات وتحركات إحتجاجية، أوقف وحوكم أثناءها المناضل مصطفى بلحاج الذي التقيناه بعد ذلك في السجن. وكان مثالا لرباطة الجأش وخير أنيس لنا في تلك الظروف العصيبة.
الظاهر أن حاكم التحقيق كان متعاطفا مع موقف المنظمة الشغيلة، فلم يصدر قرارا بإيقافي. تماما مثل شق من الأمنيين، وخاصة في جهة صفاقس. حيث لم يمارسوا التعذيب ضد النقابيين الموقوفين. بل هددوا بالإضراب لَما تم تعزيزهم بوفد من العاصمة، يقوده باحث، أقرب إلى عملاق منه إلى بشر عادي، يحمل لقب"الشابي" ونسيت إسمه الأول، قام بصفعي وسبي وإهانتي عند إعادة بحثي. حيث لم يصدق إدعائي بأنني لا أعرف بقية أعضاء اللجنة الاقتصادية التي كنت مقررها، وإن الكلمة هي محصلة مطالب النقابيين، وهو ماكان تظاهر حاكم التحقيق في العاصمة بتصديقه. أو هو قد صدقه فعلا... وعندما طلب لي الباحث الوافد من العاصمة "الفلقة" وأمر أحد رجال البوليس السياسي هو رؤوف قطاط على ما أذكر، بإحضارها، وامرني بخلع ثيابي. رؤوف قطاط، كان يبدي لنا من حسن المعاملة ما يجعلك تخاله مناضلا نقابيا متخفيا في دور بوليس. ساعتها أضربوا عن العمل، ولم يمتثلوا لأمرالعملاق. وتمت دعوتي، بدلا عن ذلك، إلى العودة إلى زنزانة الإيقاف. وفي المساء، تم استدعائي إلى مكتب رئيس الفرقة الطاهر صفر حيث وجدت الجميع في اجتماع، ومن بينهم الباحث العملاق. وكانت المفاجأة. !فمن حفلة التعذيب التي كنت أهيء النفس لها، وجدت ترحابا من السيد صفر الذي قدم لي إعتذاره واعتذار الفرقة، هكذا، وتقديره واحترامه للصحافة وللصحافيين والمثقفين، هكذا أيضا، أمام دهشتي وذهولي. وأكد أنهم سيكتفون بما جاء في بحثي الأول الذي كان أجراه لي الباحث فتحي غربال رحمه الله، وقوامه إن كلمة جهة صفاقس في المجلس الوطني ليست عملا شخصيا. وإن "إذاعة صوت حشاد"، ماهي إلى جهاز تسجيل ومضخم صوت لتقديم نتائج ونِسَب الإضراب العام في الجهات وتقديم أغان وطنية لشد انتباه النقابيين وتنبيههم إلى عدم الإنزلاق وراء دعوات مندسين للخروج إلى الشارع، لِما تخفيه من مؤامرة لتوريط المنظمة الشغيلة في أعمال شغب وغيرها هي بريئة منها، لتبرير مجزرة جديدة. خاصة وقد تم فعلاوبنجاح تفادي الكارثة وتقديم الدليل أن ما جرى في العاصمة وفي جهات أخرى كان مدبرا له لتشويه المنظمة الشغيلة وتبرير تدحل الجيش وإطلاق النار على المتظاهرين حيث سقط المئات شهداء يومها، عدى الجرحى.. أما عن صياغة تلك الكلمة فكنت فعلا أنا من كتبها. وقد كنت دعوت كاتم السر في الهيئة النقابية لإذاعة صفاقس، والأقرب إلي، المناضل عبد الرزاق بوست رحمه الله، إلى مكتبٍ في مقر الإتحادالجهوي أغلقته علينا ، وأمليت عليه كامل الكلمة بينما كان يقوم برقنها على الآلة الكاتبة آنذاك. أما عن المحتوى، فكان تنديدا بسياسة الإنفتاح التي سلكها الوزير الأول الهادي نويرة منذ بداية السبعينات رحمه الله، وخاصة بقانون أفريل 1972 الذي شجع المؤسسات الإقتصادية الأجنبية، وخاصة في مجال النسيج، على الإنتصاب في تونس. فلحق من جرائه كثير من المظالم للعملة فيها، مثل الأجور البخسة، والتشغيل العشوائي بالإحتيال على القانون وهضم حقوق العاملات والعمال في الترسيم والترقية وغيرها. فضلا عن مالحق الصناعة المحلية من أضرار. وقد تم وصف النظام بالعمالة للأجنبي في تلك الكلمة، وتم التهديد بالعصيان المدني كذلك.إن تساءلتم كيف علمت السلط والجهات المنية بأنني من كتب كلمة جهة صفاقس الشهيرة إلى المجلس الوطني لاتحاد الشغل،أجيب بان احد المحامين لما جاء لزيارتي في السجن قبل جلسة الإستئناف، أطلعني على تقرير البوليس السياسي السري، كان يحمل إسم الهادي ناجي، مذكور فيه أن عضوا في الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل، وذكر إسمه، هو من أبلغه ان محرر الكلمة هو مختار اللواتي !
تزامنت محاكمتنا مع محاكمة أعضاء من المكتب التنفيذي ومن الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل ومن فروعه الجامعية. ومنهم الأخوة محمد شعبان ومحمد التريكي ومنجي الناصري الذي عُرض هو الآخر، وفي نفس التوقيت واليوم، على نفس حاكم التحقيق الذي بحثني في العاصمة. وقد تناول التحقيق مع منجي قضية ادعاء قيام النقابيين بنصب "براميل ماء نار وأكداس حجارة فوق سطح مقر الإتحاد تهيئا للإعتداء على رجال الأمن". هكذا !وقد فند المنجي هذا الإدعاء في بحثه وأكد بطلانه. كما كان من ضمن المحاكَمين عثمان الكراي من نقابة القيمين. وعدد آخر من أعضاء الفروع الجامعية، أذكر من بينهم الشاب القراطي.
كانت أيام السجن بعد إتمام المحاكمة بطوريها، الإبتدائيوالإستئنافي، تمضي مشحونة بالنشاط. فوطدنا علاقاتنا مع مساجين الحق العام اللذين قاسمناهم "شنابرهم" فاكتشفنا أوجها خفية من المجتمع، وكان أكثرنا شهرة بين المساجين، المرحوم عبد القادر السلامي، الذي قدم نفسه لهم "أبو سهيل"، ذلك البرنامج الإجتماعي ذو الشهرة الواسعة الذي كان يعده الزميل محمد الحبيب السلامي ويخرجه الزميل عبد القادر. أما جميل عز الدين فقد تولى مهمة "المكيْتبة" المتنقلة بين المساجين الراغبين في القراءة. كان يحمل حزمة الكتب بين يديه وتحت إبطيه ويطوف عليهم وقت الإستراحة في "الآرية"(باحة السجن). عبد المجيد شعبان أرسل إلى زوجته طالبا بعض أنواع من بذور الخضرقام بزرعها حذو شجرة في أحد أفنية السجن وتعهدها بالسقي. أما الصديق مصطفى بالحاج، وهو الكتوم نادر الكلام، فكان يقضي وقته في تمارين الكاراتيه.
كان كبير الحراس، عم الطاهر القفصي، رحمه الله، يكن لنا كل الإحترام والتقدير، وكان يجلب لي كل أسبوع جريدة الرأي، دون علم أحد، فآنزوي بها في بيت الراحة، في العنبر الذي أقيم فيه مع زملائي من نقابة الإذاعة، إلى جانب الموقوفين في قضايا الحق العام. اقرأها وخاصة مايتعلق فيها بأخبار النضالات العمالية، ثم أضعها في زاوية شباك المرحاض، وأشير إلى الزملاء بأن يتداولوا على قراءتها.
بعد الإنتهاء من كامل المحاكمة بفترة، وزعوا علينا مطبوعات لتعميرها من أجل التمتع بالسراح الشرطي عند انقضاء نصف مدة الحكم، إذا ما برهنا على حسن سيرة وسلوك. مثلما هو معمول به مع عيرنا من مساجين الحق العام. فرفضت تعميرها وإمضاءها، وطفت بالزملاء واتصلت بالرفاق المساجين النقابيين الآخرين، كي لايعمروها ولايمضوها. معتبرا أن إمضاءها تأكيد لأحقية النظام في عقابنا. بينما هو من أخطأ في حقنا وظلمنا. غير إن الجميع للأسف لم يقتنعوا بوجهة نظري. وقد تمتع زملائي بالسراح الشرطي، وأتممت أنا بقية محكوميتي. وأذكر إنني عندما أتممت المدة المحكوم بها، إعترضت في المدينة العتيقة واحدا من البوليس السياسي، ومايعرف ببوليس أمن الدولة، يحمل لقب غربال، غير غربال الباحث، وسألني بعد التحية، لماذا رفضت السراح الشرطي. فقلت لأن نظامكم هومن أجرم في حقنا ولسنا نحن. فسلوكنا حسن ولسنا في حاجة لإثباته حتى تفرجوا عنا بعد قضاء نصف المدة. فتبسم وقال لي حرفيا "ديما في كسوحية راسك"
هل قلت كل شيء، ولم أنس أي شيء؟ أبداً.. مازال الكثير لم يُقَل..أرأيتم كم يحتاج الموضوع من وقت ومن سعة بال للخوض فيه؟ فأرجو ان أكون بهذه الشهادة قد خففت من خيبة أمل وظن بعض العزاء والعزيزات عندما استمعوا إلي يوم الجمعة الماضي ولم يسمعوا ذكراً لقريب لهم وقد كان رافقني في أيام المحن.
مختار اللواتي
- اكتب تعليق
- تعليق