أخبار - 2020.03.01

أمن المنطقـة العربيّــة رهيــن تـأسيس منظومة أمنـيّـة عـربيـّـة فاعلة

أمن المنطقـة العربيّــة رهيــن تـأسيس منظومة أمنـيّـة عـربيـّـة  فاعلة

تناولنا في العدد الأخير من مجلّة »ليدرز« العربية موضوع فضاءات الحوار الأمني مع الغرب واستنتجنا أنّ هذه الفضاءات لا تحقّق الأمن والاستقرار في جنوب وشرق المتوسّط وأنّ هناك ضرورة ملحّة لإقامة منظومة أمنيّة عربيّة فاعلة تستأنس فيها دولنا بتجارب الغير وتستخلص فيها العبرة من أخطاء الماضي. وقد يستغرب البعض هذا الاستنتاج بالنّظر إلى وجود جامعة للدّول العربيّة تجتمع هيئاتها ولجانها بانتظام وتتّخذ القرارات في مسائل حيويّة تهمّ أمن المنطقة واستقرارها ووجود أطر إقليميّة عريقة داخل هذا الفضاء مثل مجلس تعاون دول الخليج واتّحاد المغرب العربي الموكول لهما صيانة العلاقات بين الدّول الأعضاء والعمل على استقرارها وتطوّرها.

نحن لا ننكر أنّ هذه المؤسّسات والأطر قائمة ولها نشاط متواصل تعكسه البيانات والرّفوف المليئة بالقرارات واللّوائح لكنّ المواطن العربي يعتمد في حكمه السّلبي على هذه المؤسّسات على الأوضاع المتردّية في كامل المنطقة من جرّاء الحروب والنّزاعات المستفحلة بين الأشقّاء والتخلّف الاقتصادي والاجتماعي وتدخّل القوى الأجنبيّة بقوّة في الشّؤون العربيّة وارتهان القرار العربي لإرادتها.

أسس النّظام الإقليمي العربي وبذور الفشل

تعتبر جامعة الدّول العربيّة أساس النّظام الإقليمي العربي ويعدّ ميثاقها الرّكيزة التي ينبني عليها عمل هذه المؤسّسة. ومن المهمّ التّذكير بأنّ الجامعة هي جهـــاز حكــومي مشترك لا يملك سلطة فوق وطنيّة وتنبع إرادته السياسيّة من إرادة الأعضاء وهو ما يفرض الأخذ بقاعدة الإجماع في اتّخاذ القرارات. وقد عانت الجامعة دوما من جدليّة ثنائيّة القطريّة والقوميّة في عملها ممّا جعلها جهازا هشّا ومشلولا. وبالطّبع فقد انعكس ذلك على فعاليّة النّظام الإقليمي العربي.

على أنّ مرجعيّة العمل العربي المشترك غنيّة بالاتّفاقيات والقرارات ويمكن القول بأنّ رصيد الجامعة من هذه الوثائق الأساسيّة المتنوّعة لا يضاهيه مثيل في العالم النّامي. فقد أقرّت اتفاقيّة الدّفاع المشترك والتّعاون الاقتصادي في 1950 وأنشأت بموجبها مجلس الدّفاع العربي المشترك المخوّل له إصدار قرارات ملزمة بأغلبيّة الثلثين واعتمدت اتّفاقيّة تسهيل التّبادل التّجاري وتنظيم تجارة العبور سنة 1953 واتّفاقيّة الوحدة الاقتصاديّة العربيّة والسّوق العربيّة المشتركة في 1957 واتّفاقيّة إنشاء منطقة التجارة العربيّة الحرّة التي دخلت حيّز التّنفيذ في 2005 إلاّ أنّ بعضها ألغي بحكم الظروف التي مرّت بها المنطقة العربيّة على غرار اتفاقيّة الدّفاع المشترك وبعضها الآخر لم يفعّل بما فيه الكفاية.

فقد مرّ النّظام الإقليمي العربي منذ نشأته بمراحل عدّة وشهد أحداثا مأساويّة ازدادت خطورتها كلّ مرّة، فإلى جانب طور صعود حركة الدّفع القومي العربي في الخمسينات والستينات وما عرفته من جموح ومواجهتها من قبل محور مواز يتمسّك بالكيان القطري الوطني مُني النّظام الإقليمي العربي بهزّات عنيفة تمثّلت في حرب اليمن ما بين 1962 و1965 وما مثّلته من صراع إديولوجي تدخّل فيه الأشقاء المجاورون، والحرب الاستباقيّة التي شنّتها إسرائيل في جوان 1967 على دول الطوق والتي ألحقت الدّمار ببنيتها العسكريّة وأدّت إلى احتلال جزء من أراضيها إلى جانب الضّفة الغربيّة لنهر الأردن والقدس الشرقيّة.

ومع تراجع حركة الدّفع القومي أمام السطوة الإسرائيليّة تعزّز المحور القُطري وتصاعدت تيارات الإسلام السياسي في السبعينات مستغلّة سخاء الدّول النّفطيّة وتواطؤ الدّول الغربيّة وحدث أكبر شرخ في وحدة الصفّ العربي بعقد مصر لمعاهدة سلام منفرد مع إسرائيل في 1979 أدّت إلى تخلّي الدّول العربيّة نهائيّا عن نهج الحرب مع إسرائيل لتحرير فلسطين.

وقد أضافت الحرب التي شنّها الرئيس العراقي الرّاحل صدّام حسين على إيران في 1980 تداعيات جديدة تمثّلت في استهجان العديد من الدّول وخاصّة منها دول المحور القومي العربي لهذه المغامرة الخطيرة التي كانت خطأ استراتيجيّا فادحا استنزف دون طائل مقدّرات المنطقة العربيّة وشغلها عن اهتماماتها الأساسيّة، كما أطلق العنان لإسرائيل كي تتمادى في تنفيذ مخطّطاتها ضدّ الشعب الفلسطيني.

وشكّل غزو الكويت من قبل العراق في أوت 1990 ثاني أكبر شرخ في النّظام الإقليمي العربي إذ سعى الرئيس صدّام حسين بقوّة السّلاح إلى إلغاء وجود دولة عربيّة قائمة ممّا زرع بذور الفتنة في المنطقة وأدّى إلى تداعيات خطيرة أهمّها شنّ حرب كاسحة ضدّه في مناسبتين دمّرت بنيته الأساسيّة والعسكريّة وأذّلت شعبه وعزّزت الحضور العسكري الغربي في المنطقة ممّا حوّلها إلى حقل مفتوح للتدخّل الأجنبي المباشر وغير المباشر.

هذا التّسلسل المأساوي لم يكن فحسب من فعل القوى المهيمنة على المنطقة التي لا تريد الخير للعالم العربي بل مهّدت له السياسات المتهوّرة والخرقاء التي انتهجتها بعض القيادات العربيّة التسلّطيّة المنفردة بالرّأي.

ومع أفول نجم القوميّة العربيّة ازداد مدّ الإسلام السياسي بمختلف مكوّناته المعتدلة والمتطرّفة على الساحة العربيّة مستغلاّ الدّعم المالي السّخي من مصادر حكوميّة وأهليّة محافظة معروفة يسكنها خوف دفين من رياح التحرّر السياسي والاجتماعي وقد أدّى ذلك إلى بروز تنظيمات راديكاليّة تكفيريّة استقطبت آلاف المتطوّعين وأعلنت الجهاد في العراق ضدّ المحتلّ الأجنبي ثمّ انتشرت في الفضاء العربي وخارجه بحجّة مقارعة الغرب والدّفاع عن الإسلام المهدّد في فضائه الذّاتي.

وسيظلّ الهجوم الإرهابي على التراب الأمريكي في 11 سبتمبر 2001 المنسوب إلى تنظيم القاعدة علامة فارقة في تاريخ العلاقات مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة إذ سارع البعض باستغلاله لإلصاق تهمة الإرهاب بالعرب والمسلمين ولا أدلّ على ذلك من بروز تيّارات يمينيّة متطرّفة في الغرب ترفع شعارات معادية للإسلام والمسلمين. وقد تفاقم هذا الوضع بعد ظهور  «داعش» في أواسط العشريّة الحالية حيث هزّ هذا التنظيم العالم بممارساته الوحشيّة في حقّ العرب والأجانب على حدّ سواء.

إنّ الإرهاب لا ينتمي إلى دين أو عرق أو فئة معينة والتاريخ المعاصر عرف حركات إرهابيّة في كافة أرجاء العالم لكن لم يحدث يوما أن نُعِت عرق أو شعب أو دين بأنّه إرهابي إلاّ أنّنا نشاهد اليوم مصادرة نضال الشعب الفلسطيني بذريعة الإرهاب. ولعلّ خطّة السّلام الأمريكيّة الجديدة في الشرق الأوسط أو ما يعرف بـ»صفقة القرن» تجسّد هذا المنحى الخطير الذي توظّف فيه عوامل خارجة تماما عن القانون الدّولي والشرعيّة الأمميّة أساسها الحقد على الإسلام والمسلمين والعنصريّة واستضعاف العرب.

الثّورات العربيّة إقرار بفشل النّظام الإقليمي العربي

عرفت مسيرة عقود طويلة منذ نشأة جامعة الدّول العربيّة وقيام النّظام الإقليمي العربي انزلاقا متواصلا نحو الأسوإ وتخلّلتها أزمات وصراعات ونكبات مذلّة كرّست واقعا عربيّا يتميّز رغم بعض الاستثناءات القليلة بنظمه السياسيّة التسلطيّة وبأوضاعه الاقتصاديّة والاجتماعيّة العصيبة وبسوء التدبير وكثرة الفساد وغياب الشّفافيّة وكبت الحريّات ومنع التعدّديّة السياسيّة وكلّها علامات لترهّل النّظام العربي وارتهانه لمناويل تنمويّة متخلّفة وغير مجدية.

هذا الواقع المرير فسح المجال للثّورات العربيّة التي انطلقت من تونس في مطلع سنة 2011 وامتدّت إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا في مرحلتها الأولى. ولئن كان القاسم المشترك لهذه الثورات هو غضب الشعوب العربيّة المحرومة وخاصّة الفئات الشبابيّة في صفوفها التي تعاني من البطالة والتهميش إلاّ أنّ مآلاتها لم تكن واحدة. فقد نجحت في تونس التي أسعفها اعتدالها ورصيدها الإصلاحي التنويري وتعلّقها بالحداثة فيما تمكّن النّظام القديم من العودة إلى الحكم في مصر، أمّا البلدان الأخرى التي شملتها الثّورات الشعبيّة فقد غرقت في صراعات دمويّة ساهمت في تأجيجها وتواصلها دول عربيّة بعينها طبقا لمصالحها الآنيّة الضيّقة إلى جانب التدخّل الخارجي الذي لم تناهضه قطّ جامعة الدّول العربيّة تسليما بعجزها عن فضّ النّزاعات الداخليّة لدى أعضائها.

تردّي جلّ الثّورات العربيّة في مأزق الصّراعات العنيفة يعطي الانطباع بأنّها فشلت أو في طريقها إلى الفشل لكن ما حدث في السودان وما يحدث حاليّا في العراق والجزائر ولبنان يدلّ على أنّ الحراك الذي انطلق في 2011 متواصل ويخضع لجدليّة منطقيّة تجعل من واقع الشّعوب العربيّة البائس محرّكا قويّا يدفع بها إلى الانتفاض ضدّ المكبّلات العديدة التي تحرمها من حقّها في الحرية والكرامة والحكم الرّشيد.

هذه الصّراعات المركّبة وإن خضعت للاستقطاب والتوظيف من قبل قوى داخليّة وخارجيّة تعمل على تنفيذ أجنداتها الخاصّة إلاّ أنّها تؤشّر إلى احتضار النّظام العربي المتهالك الذي يكبت الحريّات ويرفض الديمقراطيّة والحداثة وإلى دخول طور جديد يكسّر حاجز الخوف عند الشّعوب العربيّة ويؤسّس على المدى البعيد لقيام نظام إقليمي عربي عادل وناجز.

لكنّ استفاقة الشعوب العربيّة المتأخّرة تواجه بالرّفض من قبل فلول النّظام القديم التي لا ترغب في التّغيير ولا تتورّع من السّعي لإفشاله بكافّة الطرق وهو ما ساهم في تعقيد الصّراعات في ليبيا وسوريا واليمن وجعل الحلول مرتهنة بإرادة الدّول الكبرى والقوى الإقليميّة التي تدخّلت بثقلها في ظلّ انقسام وتخاذل المجموعة العربيّة. وفي غياب الحلول العسكريّة لهذه الصّراعات على الأقلّ في ليبيا واليمن فإنّ الحلول السياسيّة ستخضع لمجموعة من العوامل أهمّها إيجاد الوصفة السحريّة لإرضاء أطراف النّزاع المختلفة والقوى المساندة لها داخل المنطقة العربيّة وخارجها. وقد تكون الحلول على حساب وحدة التّراب الوطني وقد تكون لها أبعاد سلبيّة من منظور الأمن القومي العربي والتّوازنات الإقليميّة، وفي أسوإ الحالات ستبقى مناطق النّزاع بؤر عدم استقرار ونقاط جلب للتنظيمات الإرهابيّة وشبكات التّهريب.

وعلى العموم، فإنّ صعود القوى الإقليميّة المتمثّلة في تركيا وإيران وإسرائيل وعودة روسيا بقوّة إلى سوريا ومنطقة البحر الأبيض المتوسّط وما تحدثه من هاجس لدى الغرب والولايات المتّحدة الأمريكيّة بالذّات، سيشكّلان على المدى القصير والمتوسط تحدّيا سياسيّا وأمنيّا وسيزيدان من حدّة النّزاعات الفئويّة والعرقيّة والدينيّة ويؤجّجان التّنافس على خيرات المنطقة التي ستبقى مسرحا للصّراع مادامت الدّول العربيّة منقسمة على نفسها ونظامها الإقليمي مجمّدا.

تحقيق الأمن قاسم مشترك بين دول المنطقة

أمام خطر انهيار النّظام الإقليمي العربي نهائيّا بمفعول الصّراعات وظاهرة عدم الاستقرار وتردّي الأوضاع وتنامي تيّار المطلبيّة الشعبيّة أو ما يعرف بـ«الحراك السياسي» تجد الدّول العربيّة نفسها في مفترق طرق يفرض عليها التوقّف جماعيّا لتدارس الأوضاع التي تردّت فيها ولا يتعلّق الأمر بالضرورة بالدّعوة إلى تفعيل الآليات العديدة التي يتيحها ميثاق جامعة الدّول العربيّة في مجالات الدّفاع والأمن المشترك والتوقّي من النّزاعات وفضّها وهي دعوة تردّدت مرارا وتكرارا عبر السّنين وكانت للأسف الشّديد بمثابة «صيحة في واد».

كما أنّه لا طائل من وراء الدّعوة إلى ترميم جامعة الدّول العربيّة للحيلولة دون انهيارها. فقد اقترن اسمها عبر السّنين بالفشل في معالجة القضايا العربيّة وفي السّعي إلى تحقيق أمن شعوب المنطقة واستقرارها وتقدّمها وينطبق الأمر كذلك على التجمّعين الإقليميين- مجلس تعاون دول الخليج واتحاد المغرب العربي- اللذين فشلا ولو بدرجات متفاوتة في تحقيق الحدّ الأدنى من الاندماج وعجزا عن فضّ النّزاعات القائمة بين أعضائهما.

وإنّنا نشهد اليوم مقابل التحدّيات والأخطار المتزايدة التي تترصّد المنطقة العربيّة من الدّاخل والخارج تآكلا متواصلا في اللحمة بين الأقطار العربيّة وتضخّما صارخا للواعز القطري الذي يضعف المؤسّسات المشتركة ويقوّض عملها.

ولم تأخذ دولنا العبرة من جوارها الأوروبي الذي تحدّى مآسي تاريخه القريب واختلافاته اللغويّة والعرقيّة وتنوّع مصالح دوله وأسّس اتحادا عتيدا تفوّض فيه البلدان الأعضاء جزءا من سيادتها في عديد المجالات إلى هيئات الاتحاد دون التقليل من هيبتها ومكانتها كدول مستقلّة.

لا توجد وصفة سحريّة لخروج المنطقة العربيّة من واقعها الأليم إلاّ أنّ حافة الهاوية التي وصلت إليها تفرض على دولها استنباط الطرق الكفيلة بالسيطرة على تناقضاتها الداخليّة وصراعاتها السياسيّة الضيّقة ونبذ سلوك التدخّل في الشؤون الداخليّة لبعضها البعض والاستقواء بالتحالفات الخارجيّة وتكريس جهودها لرفع التحدّيات وأوّلها الإرهاب المستشري في ربوع المنطقة وتحقيق طموحات شعوبها في التنمية والرّفاه. ويعدّ السّعي إلى إقامة علاقات سليمة وجيّدة مع الجوار المباشر من أوكد الاستحقاقات التي تساهم في بناء الثّقة وإشاعة مناخ الأمن والاستقرار. ولعلّ العلاقات مع إيران وتركيا في أسوإ حالاتها اليوم ولا يجدي إلقاء المسؤوليّة على طرف دون آخر.

وفي ظلّ الخيبات المتلاحقة على كافة الأصعدة، لا مناص للدّول العربيّة مجتمعة من أن تطرح بجدّية موضوع تجديد النّظام الإقليمي العربي بدءا بالتّفكير في إرساء منظومة أمنيّة فاعلة تضبط قواعد وسلوكيات متّفق عليها وتكون ملزمة للجميع.

وبما أنّ المؤسّسات المذكورة أعلاه لم تعد تفي بالغرض الذي قامت من أجله وقد يصعب ترميمها، يكون من المفيد الاستئناس بتجارب الغير في مجال إرساء النّظم الأمنيّة. ويتبادر للذّهن تجربة الفضاء الأوروبي في أوج الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي التي أفضت إلى الانفراج بينهما والمقصود هنا هو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا المعروف بمؤتمر هلسنكي الذي انطلقت أشغاله في 3 جويلية 1973 وتوّجت في 1 أوت 1975 بإبرام اتّفاق بين 35 دولة ضمّت أوروبا الغربيّة والاتّحاد السوفياتي والولايات المتحدة وكندا. وقد شكّل المؤتمر فضاء لمفاوضات قارّة هدفها إقامة تعاون بين أطراف متنافرة يؤدّي إلى فضّ النّزاعات بالطرق السلميّة ويقوّي رصيد الثّقة بينها. وقد تضمّن جدول أعماله مسائل حيويّة تتعلّق باحترام السّيادة وعدم التدخّل في الشؤون الدّاخليّة وفضّ النّزاعات بالطّرق السلميّة وعدم استعمال القوّة وغيرها من المبادئ المدرجة بميثاق الأمم المتّحدة إلى جانب احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسيّة.

ما يهمّنا في هذا المؤتمر الذي حضرت أشغاله المتعلّقة بالفضاء المتوسّطي مجموعة من الدّول العربيّة المتوسّطية من بينها تونس والجزائر والمغرب ومصر ... هو الآليات التي أقرّها المؤتمرون من الجانبين وخاصّة منها نظام إجراءات الثّقة ومدوّنة سلوك تحكم العلاقات ومشروع معاهدة لإنشاء نظام أوروبي لفضّ النّزاعات بالطّرق السلميّة وفوق كلّ شيء الإقرار بأنّ الأمن الأوروبي غير قابل للتجزئة وأنّ مصلحة الجميع تقتضي التمسّك بالتعاون المشترك في هذا المجال.

قد يكون المثال الأوروبي هذا غير ملائم للأوضاع العربيّة ولا يتماشى مع الظّرف الذي تعيشه دولنا إلاّ أنّ الاستشهاد به له ما يبرّره ومن واجبنا أخذ العبرة من هذا المؤتمر الذي كان المشاركون فيه على أعتاب حرب نوويّة مدمّرة لكنّهم استطاعوا بقوّة الإرادة والعزيمة فضّ نزاعاتهم وأسّسوا لظهور منظّمة الأمن والتّعاون في أوروبا التي تعدّ الآن الحَكَم في الخلافات الأمنيّة بين الدّول الأوروبيّة والفاعل الأساسي في تجارب الانتقال الدّيمقراطي في القارّة.

فهل ننسج على منوال جوارنا الأوروبي بالدّعوة إلى مؤتمر للأمن والتّعاون في العالم العربي يجمع قياداته للتّباحث في أسباب ومسبّبات عجز النّظام العربي عن إيجاد الحلول لقضاياه المصيريّة والخروج برؤية واضحة تلزم الجميع؟ 
يمكن لتونس بصفتها الرئيس الدّوري الحالي لمجلس الجامعة أن تطرح هذا المقترح وتحشد له الدّعم مبدئيّا في جوارنا المباشر في ظلّ التطوّرات الأخيرة على السّاحة الليبيّة والرّغبة التي تتقاسمها مع الشّقيقة الجزائر في إيجاد حلول عربيّة-عربيّة للنّزاعات في المنطقة تضع حدّا للتدخّلات الخارجيّة في شؤونها.

محمد لسير
رئيس «المنتدى الدّبلوماسي»

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.