أخبار - 2020.02.23

عادل الأحمر: حالي من حال البلاد

 عادل الأحمر: حالي من حال البلاد

كلّما كلما لقيت العيّاش في المدة الأخيرة، وسألته عن شؤونه الكبيرة أو الصغيرة، وعن أحواله وأحوال الأولاد، أجابني : «حالي من حال البلاد»، ولا يزيد على ذلك كلمة، ولا ينبس ببنت شفة، فلا ألحّ في السؤال، وأكتفي بما قال.

لكنّي في يوم من الأيام، كسرت جدار الصمت وبادرته بالاستفهام:» وما أوجه الشبه بين أحوالك وأحوال البلد ؟»، فأجاب بعد تردّد: «هي يا صاحبي كثيرة لا تعد». قلت: «طيّب، اذكر لي بعضها على الأقل، واختصر  ولا تطل، لعلي بالمثال، يتّضح لي الحال». فقال: «باهـي يا سيدي، سأبدأ بالميزانية، فأنا من هذه الناحية مثل الدولة التونسية، أعاني من اختلال التوازن بين دخلي المحدود، وبين مصاريف أسرتي التي لا تعرف أيّ حدود، ولا تفرّق بين أساسيات الحياة، وباقي الكماليات.  وهذا يضطرّني، مثل كلّ الحكومات المتعاقبة منذ سنوات، الخروج إلى الأسواق المالية، لإتمام الشهرية بقروض خارجية، وقد نفدت السيولة النقدية، قبل انتصاف الشهر بشويّة».

قلت: «ومن هم مقرضوك» وأنت رجل ليس لديك ما ترهن، ولا يوجد أحد فيك يضمن؟ قال: «في السابق  كان صاحبي البنكاجي، ما يخلينيش نلاجي، يمشّيني في الروج أو يسعفني بقرض استهلاك، ينقذني به من الهلاك، لكنّه في الأشهر الأخيرة أغلق عليّ الحنفية، بسبب  تفاقم ديوني وإيقاف القروض الاستهلاكية».  قلت: «أنت إذن مثل البلد تعاني  من المديونية؟». فأجابني: «نعم  يا ولد، وهذا هو وجه الشبه الثاني بيني وبين البلد».

قلت للعيّاش «وماذا فعلت إزاء هذه الأزمة المالية ؟»، فقال: «مثل الدولة، خرجت إلى أسواق أخرى غير تقليدية، بين موازية وهامشية، رغم أنّ «الأنتيريس» فيها من نوع الضرب تحت لوذن، وناس لا تسخف  لا تحن. وكيف الدولة حطيت راسي لشروط المقرضين، ورهنت لي عندي ع اليسار واليمين، هات بركة نوفّر قوت لولاد، كيما الدولة تدبّر شهاري العباد».

قلت لصديقي: «وهل انتهى هنا التشابه أم لا تزل القصّة طويلة؟»، فأجابني: «يا صديقي، هل تظنّ نفسك في ألف ليلة وليلة؟ استنّى شوية، وسوف تأتيك البقية». قلت: «وما البقية؟»، قال : «أنا، مثل الدولة والبلد، لديّ مشكلة بطالة، وماأدراك ما البطالة، فأولادي لثنين بعدما قراو ونجحو ما زالوا عليّ عالة ، شادين الدار، طول النهار، وزيد عليهم الليل، بعدما قطعوا ساقيهم بين مكاتب التشغيل ...وزيد على هذا ثمّة مشروع حرقة  في الدار يلزم نشد عليه العسّة، كيما تعسّ الدولة ع الهاربين م البلاد خلسة». فقلت متعجّبا: «مشروع حرقة؟»، فأجاب العيّاش: «موش قلت لك توّه مدّة، لي الطفلة الصغيرة عندها برنامج هجّة، ولا تنتظر لذلك إلاّ الحصول على «الباك»، لتقفز إلى معهد أو « فاك»، في بعض البلاد الأوروبية، وانا شاكك إلّي باش تمشي حتّى قبل، وحاسسها تحضّر في حاجة موش باهية بالكلّ».

ودون أن يترك لي العيّاش مجالا للكلام، سألني: «وهل تعرف يا صديقي أنّي أشترك مع حكومات البلد في موضوع الحزام؟»، قلت مستغربا: «الحزام؟ وما الحزام؟» قال: «حزام الحكومة، إنّه موضوع الساعة في كلّ بلدة وقرية وحومة، وأنا في هذه القضية مثل الحكومة، عدت إلى سراويلي القديمة القمقومة، فوجدت أحزمتها قد ضاقت عليّ بسبب قلّة احترامي للحميات الغذائية، التي قرّرها طبيبي ضد سمنتي الأسطورية، بحيث لم يعد لأيّ حزام مهما كبر، أن يلف بطني الذي استعرض وعبر. فكان عليّ إذن أن أبحث، مثلما يراه بعض السياسيين، على أوسع حزام، حتّى تمشي الأمور على أحسن ما يــرام».

ويضيف العيّاش: «أمّا إذا اخذت الحزام في معناه السياسي، وبعده المجازي، فأعترف لك دون إطالة في الكلام، أنّي في بيتي رئيس حكومة بلا حزام. فالأولاد و«المادام» متكتّلون ضدّي في معارضة قوية، وإني لا أستطيع شيئا ضد هذه الكتلة الحزبية، ولا يفيدني في شيء أن أكون المصدر الأوحد للميزانية، فالقرار الأخير يعود دوما للأغلبية...وتلك هي قوانين الديمقراطية».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.