أخبار - 2020.02.16

رشيد خشانة: حكـومة الفـخفـاخ, كوكتيل قابـل للتفجير

 رشيد خشانة: حكـومة الفـخفـاخ, كوكتيل قابـل للتفجير

مع انتهاء الأجل القانوني لتشكيل الحكومة يبدو أنّه تمّ تفادي السيناريو الأسوأ، المتمثّل في العودة إلى صندوق الاقتراع مجدّدا. ولأنّ معظم الأحزاب تخشى هذا السيناريو ليقينها من أنّ العقاب، هذه المرّة، سيكون أقسى من عقاب انتخابات أكتوبر الماضي، ارتخت حبال التجاذب في الأيام الأخيرة، وبات كلّ طرف يسعى إلى إبعاد تهمة التعطيل عنه. بل سمعنا من صار يردّد أنّه سيصوّت للحكــــومة، حتّى لو لم يكن ممثلا فيها.

أغلبيات على الورق

منذ يوم 9 أكتوبر الماضي تمّ الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، وعُرفت مسبّقا موازين الأحزاب، وخاصّة الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة. مع ذلك أنفقنا أربعة أشهر طويلة، في تشكيل أغلبيات هشّة، على الورق، مع ما صاحبها من تجاذبات ومناكفات واشتراطات واشتراطات مضادّة... اعتمادا على المرونة التي تمنحها فصول الدستور. زمنٌ باهظٌ استهلكته قيادات الأحزاب في مشاورات تشكيل الحكومة، بينما كانت البلاد أحوج ما تكون لمجابهة تحدّيات كبيرة، وإنهاء الانتظارية، التي شلّت الكثير من الوزارات والمؤسّسات العمومية، إن لم نقل كلّها. وكم يتمنّى المرءُ لو احتسبنا الكلفة المالية لتشكيل الحكومة الأولى والحكومة الثانية، لكي نُدرك أنّ سيف الزمن يقطع حبال اقتصادنا وإداراتنا في غفلة منّا...

قد يستدلّ البعض بالمقادير الزمنية التي يستغرقها تكوين الحكومات في البلدان الديمقراطية، لكنّ هؤلاء ينسون أنّنا لسنا إيطاليا أو بلجيكا. وعلى كلّ حال فالتكوين الحكومي، عندهم، يتأسّس على برامج وخطط، وليس على مفاوضات لتقاسم جلد الثور. ولا يستطيع أحد أنّ يُنكر أن نبض الشارع في بلادنا كان يميل، بشكل واضح، إلى القرف والضجر من الأخبار المُكررة عن خروج زيد من المفاوضات وعودة عمرو إلى مائدة الحوار... والثابت أن هذا الشعور بالقرف والغضب لدى الرأي العام، كان أحد العناصر المؤثرة في تشكيل الحكومة في الآجال الدستورية، وغلق الباب تماما أمام احتمال العودة إلى صناديق الاقتراع، لما قد تحمل تلك العودة من مفاجآت.

محوران

إلى جانب طغيان التنازع على اقتسام الحقائب الوزارية، أطلّ التغوُل برأسه مُجدّدا خلال المشاورات، بما أكّد أنّ حزب «النهضة» يستهدف الظفر بالرئاستين: باردو والقصبة. وإذا كان رئيس الجمهورية قد كلّف شخصية من خارج «النهضة» بتشكيل الحكومة، فذلك لم يُثنها عن محاولة المسك بالخيــوط، عبر ثـلاثة محاور، أوّلها المطالبة بإعطاء الحقائب بناء على الوزن البرلماني لكلّ حزب، ممّا يعني أن تكون هي الحزب الأوّل في الحكومة. والمحور الثاني هو السعي إلى إخضاع رئيس الحكومة نفسه، ومن هذا المنطلق فتحت معركة معه لا مُبرّر لها، لحمله على التراجع عما أعلنه من استبعاد حزب «قلب تونس» من حكومته. والثالث هو تسليف هذا الموقف لـ»قلب تونس» كوديعة في انتظار استردادها في الوقت المناسب، ذلك أنّ مـوقف الدفـاع عن «قلب تونس» لم يكن حبّا فيه، بعدما كانت «النهضة» نفسها تُصنّفه في خانة الثورة المضادّة، وتنعته بأبشع النعوت، وإنّما هو نوع من السلفة.

وصل الخلاف على هذه المسألة إلى مدى بعيد، برفض الفخفاخ التشاور مع رئيس «قلب تونس»، لكنّه اضطرّ إلى التراجع في الأخير، مع المحافظة على ماء الوجه، بعد الاتفاق على ألاّ ينضمّ «قلب تونس» إلى الحكومة. ويُعطينا هذا التجاذب صورة عما قد نراه من مواقف في العلاقة بين رئيس الحكومة والحزب الأوّل في مجلس النواب، الذي لن يكتفي بالمساحات التي سيحصل عليها وزراؤه، وإنّما سيمدُّ ساقيه إلى مساحات أخرى. وبتعبير آخر فإنّ الحزب الذي مازال ظل في الحكم منذ 2011 إلى اليوم، يسعى إلى أن يكون له نظر على الحكومة بأسرها، بالرغم من أنّ رئيس الجمهورية هو الذي اختار رئيسها، وليس الحزب الأوّل.

من يمسك بالسلك الكهربائي؟

في البدء أظهر المكلّف بتشكيل الحكومة، قدرا من الاستقلالية تجاه «النهضة» ، في المشاورات التي أجراها مع مختلف الكتل، لكنّه عاد ووضع نفسه تحت سقف «التوافق». وهذا لا يقيه من الضغوط في المستقبل، فإذا ما ساءت العلاقة مع الحزب الأوّل، ليس أكيدا أنّ الحكومة ستستمرّ في الظفر بتأييد 109 نواب. وإذا حصلت على الأغلبية المطلقة لا شيء يضمنّ أن أحد أحزاب الائتلاف لا يمارس ضغوطا على الحكومة، قد تصل إلى الابتزاز، بناء على أنّ اعتراضه عليها يُسقطها. بهذا المعنى فإن كل حزب في التشكيلة الجديدة، صغيرا كان أم كبيرا، يمسك بالسلك الكهربائي، وهو قادر على إسقاط الحكومة في أية لحظة. بكلام آخر، نحن بإزاء كوكتيل قابل للتفجير، خاصّة أنّ «قلب تونس»، الذي توافق الفرقاء على أن يبقى في «المعارضة»، قادر على قلب الطاولة في أيّ وقت، إذا لم يُستجب لطلباته واشتراطاته.

يزداد الطابع الحرج لهذا الموقف مع التعارضات التي بدأت تلوح من وقت إلى آخر بين رئيس البرلمان/ رئيس «النهضة» من جهة ورئيس الدولة من جهة ثانية، بالرغم من التصريحات المُطمئنة من هنا وهناك. فإذا اتفقت القصبة وقرطاج، واختلفتا مع باردو، أو مع «مونبليزير»، فمن يكون المرجع لحسم الخلاف؟ هل هو الدستور؟ إنّه غير كاف في كثير من المواقف.

الأرجح أنّ هذا النوع من الخلافات، إن وُجد في المستقبل، سيتعلّق أساسا بالوضع الاجتماعي، الذي يُشير جلّ الخبراء إلى أنّه سيكون صعبا ودقيقا خلال هذين العامين، بسبب انسداد الآفاق. ومن المهمّ التوقّف هنا عند رقم ذي دلالة، مفاده أنّ 25 في المئة من الشبّان التونسيين (واحدٌ من كل أربعة) يحاولون الاتصال بمهرّب للبحث عن سُبُل لمغادرة البلاد، بحسب دراسة أعدّها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

مشاكل بلا حلول

ماذا ستُقدّم الحكومة الجديدة لهذا الشباب، لكي يعدل عن الهجرة ويبقى في بلده؟ أيّ مشروع أهدينا لأولئك الشبان حتّى يستعيدوا الإيمان بتونس، التي يكتفي البعض بتوشيح أحزابهم باسمها؟ الأكيد أنّ هذا الشباب يشعر بقطيعة بينه وبين النخب الحزبية التي تتصارع على المواقع، ولا يرى منها سعيا إلى إيجاد الحلول للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، التي عجزت الحكومات السابقة عن حلّها. لم نسمع مثلا، خلال مشاورات تشكيل الحكومة، مـن تعرّض لأوضاع 250 ألف هكتار من الأراضي الفـلاحية التـابعة للدولة، والسائبة تمـاما، والتي استحوذ أشرارٌ على بعضها.

ولم نسمع كذلك عن حلول لميناء رادس، الذي يتسبّب اضطراب الوضع فيه في خسارة تقدّر بـ 1200 مليون دينار بالعملة الصعبة سنويا، أي ما يعادل نصف دخلنا من السياحة، ولا عن الصفقات العمومية التي تتسبّب في هدر 2000 مليون دينار بحسب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

ومع تزايد العراك والسباب تحت قبّة قصر باردو، من الصعب أن ينكبّ مجلس نواب الشعب، بتركيبته الراهنة، على البحث عن حلول لمعضلاتنا الكبرى، وهي ذات طابع اقتصادي واجتماعي بالأساس، ويُقلع أعضاؤه عن التنابز بالألقاب. وهذا الوضع يطرح ضرورة تجديد النخبة السياسية، التي فقدت ثلاثة أرباع مصداقيتها في السنوات التسع الماضية، والتي لم يأت جيل جديد ليحلّ محلّها، أو على الأصحّ، لم يُسمح له بالحلول محلها. وتسببت حقبة بن علي في تصحّر المشهد السياسي فانقطع حبل السند، ووجدنا أنفسنا اليوم بإزاء جيل تجاوز الستين، وجيل آخر لم يجد الفرصة للتكوين في مؤسّسات مثل الاتحاد العام لطلبة تونس، الذي أعطى للبلاد مئات الإطارات من بُناة الدولة. ما أحوجنا اليوم لنُخب من نفائس ذلك المعدن.

كلّ حزب في التشكيلة الجديدة، صغيرا كان أم كبيرا، يمسك بالسلك الكهربائي، وهو قادر على إسقاط الحكومة في أية لحظة.

 رشيد خشانة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.