أخبار - 2020.02.10

تونس أفقر دولة إفريقية الكذبة التي صدّقها الجميع

تونس أفقر دولة إفريقية الكذبة التي صدّقها الجميع

الفقر في تونس حقيقة ماثلة للعيان، والواقع أبلغ في وصفها والتحدث عنها من كل التقارير، ورغم ذلك يجدر التنبيه إلى أن مختلف وسائل الإعلام التونسية قد انساقت في الآونة الأخيرة وراء خبر يتعلق بتصنيف تونس من قبل البنك الدولي كواحدة من أفقر الدول في إفريقيا، وهو خبر كاذب لا أساس له من الصحة.

تم تداول الخبر في جلّ المواقع بهذه الصيغة: «صُنّفت تونس كواحدة من أفقر الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا وفق تقرير أعدّه البنك الدولي حمل عنوان «تسريع الحدّ من الفقر في افريقيا لسنة 2019 »، ووفق التقرير نفسه فإن نصف مليون تونسي يعيشون على 4 دنانير فقط يوميا...الخ». وقد ظهر أولا في نوفمبر 2019 في موقع «آخر خبر أونلاين» استنادا إلى تقرير صادر عن البنك الدولي عنوانه «حل معضلة الفقر»، ويورد المقال رابطا الكترونيا لا يحيل إلى تقرير بل إلى موقع للبيانات المفتوحة يتضمن عدة مؤشرات إحصائية حول الفقر والتنمية في مختلف دول العالم. ثم عاد الخبر للظهور في موقع قناة التاسعة يوم 1 فيفري، وانتشر بسرعة في كل المواقع الإخبارية مع بعض التصرف لا سيما في مستوى العناوين، فلم تعد تونس واحدة من أفقر الدول بل أصبحت أفقر دولة افريقية (!)، ونشرت مواقع أخرى مقالات تحليلية عنه، وتطور الأمر إلى نقاش مع وزير الشؤون الاجتماعية في برنامج تلفزي حول عدد الفقراء الحقيقي في تونس وما إذا كانت منهجية الوزارة تتفقمع منهجية البنك الدولي، علما أننا لا نجد للموضوع أثرا في غير المواقع التونسية باستثناء موقع شبكة أبوظبي الذي نشره بنفس الصيغة بتوقيع مراسلته في تونس!

تؤكد كل الجهات التي تداولت الخبر حينئذ على أن مصدره تقرير دوري للبنك الدولي مع تضارب كبير في العنوان. وهذا صحيح فقد صدر تقرير في نهايات العام 2019 تحت عنوان «إنهاء الفقر، والاستثمار في الفرص» وهو تقرير سنوي مخصص لاستعراض المجهودات التي يبذلها البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية المعروفان اختصارا باسم «البنك الدولي» لتحقيق هدفين أساسين: أولهما إنهاء الفقر المدقع بحلول العام 2030 بتخفيض نسبة سكان العالم الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولارا للفرد في اليوم، أما الهدف الثاني فتعزيز الرخاء المشترك برفع مستوى الدخل لنسبة الأربعين في المائة الأشدّ فقرا من السكان في كل بلد.

التقرير يقع في خمس وتسعين صفحة من الحجم المتوسط، ويستعرض التمويلات المقدمة من مجموعة البنك الدولي إلى الدول الشريكة، ويعني ذلك بكل بساطة أنه لا يصنف الدول، ولا يرتبها في جداول ولا يمثل جهة مرجعية في هذا الصدد على غرار المنظمات الأممية أو المنظمات غير الربحية المستقلة كالمنظمة العالمية للشفافية والمنتدى الاقتصادي العالمي.

يقيّم البنك الدولي ارتباطاته العالمية وفق توزيع جغرافي لاختلاف الأولويات التنموية من منطقة إلى أخرى، ففي إفريقيا جنوب الصحراء يركز على التحول الرقمي ودور المرأة في تعزيز رأس المال البشري، وفي شرق آسيا والمحيط الهندي يعتبر تشجيع القطاع الخاص أحد أبرز الأولويات، أما في الشرق الأوسط وشمال افريقيا فهو مهتم بتجديد العقد الاجتماعي.ولم تذكر تونس في التقرير إلاّ مرتين: أولا في سياق تقييم معدلات النمو في المنطقة حيث وقعت الإشارة إلى أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس أدّت إلى إبطاء أجندة الإصلاح» ص34. أما المناسبة الثانية ففي سياق الحديث عن برنامج الشمول المالي والاقتصاد الرقمي ودعم الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة بمبلغ 75 مليون دولار.

إن صناعة الكذب عبر الميديا الجديدة تستثمر خاصية مهمّة لدى المستهلكين، وهي عدم سعيهم إلى التثبت وعدم قدرتهم على الشك، فالخبر يتطور من موقع إلى آخر مثل كرة الثلج دون أن يكترث أحد بذكر المصادر الحقيقية ولا بصحة المعلومات أو انعكاساتها، فبعض المواقع أشارت إلى أن التقرير «أدرج تونس في المرتبة السّادسة بعد اليمن ومصر والعراق والأردن والمغرب» ولم تكتف مواقع أخرى بذلك بل أضافت أن «سكان منطقة الوسط الغربي هم الأكثر فقرا، حيث تتجاوز نسبة الفقر 45%، لتصل إلى 53% في معتمديات ولايتي القصرين وسيدي بوزيد كحاسي الفريد وجلمة والرقاب وبئر الحفي وماجل بالعباس وحيدرة والمزونة وسوق الجديد».

إن البنك الدولي ينبه في تقريره وفي موقعه المخصص للبيانات المفتوحة على أنه ليس مصدر المعلومات والإحصاءات التي يستخدمها بل يحصل عليها من جهات الإحصاء الرسمية في كل دولة، وهكذا فإن معدل الفقر الذي ينسب إلى تقرير البنك الدولي يمثل النسبة الرسمية التي استقتها هذه المؤسسة من المعهد الوطني للإحصاء!، ولا يستدعي الأمر مساءلة وزير الشؤون الاجتماعية حولها، فالمؤشر العددي للفقر في تونس هو فعلا في حدود 15.20% في إحصاءات العام 2015 بعد أن كان 20.50 % في سنة 2010 و25.40% في مطلع الألفية، لكن البحث عن الفرقعة الإعلامية يدفع إلى تجاهل هذا التراجع الإيجابي والتلاعب بالأرقام والمصادر لصياغة موضوعات من شأنها أن تهزّ طمأنينة الفرد وتزعزع ثقته في المستقبل.

عامر بوعزة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
1 تعليق
التعليقات
محمد بن رجب - 10-02-2020 13:40

برافو سي عامر .. والله اثلجت صدري بتصحيحك المعلومة واذا كنت طيبا ارجعت المسألة إلى تناقل الخبر دون تثبت فإن المسألة عندي اكبر انها تندرج ضمن الصراع السياسي القذر الذي تعيشه تونس هذه الايام وهو صراع بعيد نسبيا عن الإدارة التي تحاول رغم النسب العالية الفساد فيها أن تشتغل حتى لا تتعطل البلاد تماما. الصراع في تونس الان وصل درجة شاهق.نحمد الله الى حد الآن في عدم تطوره الى حرب . الكره والحقد اليوم كبيران بين المتنافسين السياسيين. الى درجة نشر اكاذيب واباطيل من كل الأنواع لارباك المواطنين ونشر الاحساس بالاحباط على أساس أن الذين يخافون من مرور أهداف الثورة واستحقاقات حيز التنفيذ لا يخدمهم كأشخاص ولا يخدم مصالحهم .ولذا هم الآن ينفقون المليارات على الإعلام والإعلاميين حت لا يتغير أي شيء بل لا بد من نشر الأكاذيب لدعم الخطة المرسومة حتى لا يتحقق اي شيء من الثورة

X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.