غسان سلامة : الهدنة في ليبيا لا تعدو إلا أن تكون هدنة اسمية
أكد الممثل الخاص لألمين العام لألمم المتحدة، غسان سالامة في احاطته المقدمة إلى مجلس الأمن من الكنغو الى نيورك يوم الاربعاء 30 كانون الثاني/ يناير أن الهدنة في ليبيا لا تعدو إلا أن تكون هدنة اسمية فقد ازداد تبادل الضربات المدفعية بشكل كبير في طرابلس في األيام األخيرة، مع ما رافق ذلك من زيادة في عدد الضحايا المدنيين بسبب استخدام القصف العشوائي. ومنذ 6 كانون الثاني/ يناير، تحققنا من وقوع 21 ضحية على الاقل ) وثالاثة جرحى( جراء حوادث ذات صلة بالنزاع في طرابلس وما حولها. وفي اليومين األخيرين وحدهما، لقي أربعة أطفال - جميعهم دون سن الثانية عشرة - حتفهم جراء القصف على منطقة الهضبة في طرابلس، حيث توفي طفلان في موقع الهجوم بينما توفي الآخران في العناية المركزة؛ آخرهم توفي بعد ظهر أمس.
النص الكامل
من دواعي سروري أن أنضم إليكم من برازافيل حيث حضرت القمة الثامنة لرؤساء دول اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الإفريقي حول ليبيا والتي استضافها فخامة رئيس جمهورية الكونغو، ساسو نغيسو، حيث أكدت مجددا في مداخلتي على الشراكة القوية بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في عملنا معا سعيا لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا.
أطلعكم الأمين العام في 21 كانون الثاني/ يناير على مخرجات مؤتمر برلين والأهم من ذلك على الجهود الجماعية التي لا يزال يتعين علينا بذلها لحل النزاع الليبي بالطرق السلمية. وسأطلعكم بإيجاز على ما حدث منذ إحاطة الأمين العام.
عندما بدأنا المشاورات التحضيرية لمؤتمر برلين في أيلول/ سبتمبر 2019 في ذروة الحرب، لم يراودنا أدنى شك بأن هناك تحديات ستواجه المهمة التي أمامنا. وكنا نعلم أيضا أنه يتعين علينا أن نحشد كل الجهود للحيلولة دون انزلاق ليبيا في دوامة الفوضى والحرب الأهلية. وهنا أود أن أعرب عن امتناني للمستشارة ميركل وجمهورية ألمانيا الاتحادية على العمل معنا بلا كلل في الأشهر التي سبقت اجتماع القادة في 19 كانون الثاني/يناير.
في مؤتمر برلين، اتفق ممثلو البلدان المعنية والمنظمات الإقليمية، التي أذكى بعضها النزاع بشكل مباشر أو غير مباشر، على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا والالتزام بحظر التسليح الذي تفرضه الأمم المتحدة.
ويتطرق البيان الختامي لمؤتمر برلين المكون من 55 نقطة بشكل شامل إلى مجمل المسائل التي تشكل أساس المشكلة الليبية. وما يدعم هذا البيان الخطة التنفيذية التفصيلية للبعثة والتي تشكل الأساس الذي سيقوم عليه عمل البعثة في الفترة المقبلة. كان مؤتمر برلين جهدا جادا لمحاولة توحيد مجتمع دولي متنافر، وبعث الأمل لدى الشعب الليبي المنهك بأن المشاركين في القمة يوفرون مظلة دولية تحميهم، إذ إن هذه المظلة سوف تتيح الفرصة لليبيين لاستعادة قدر من سيادتهم المسلوبة والتوحد لرسم خطاهم المستقبلية.
انعقدت القمة على خلفية الهدنة التي دعا إليها الرئيسان بوتين وأردوغان في 8 كانون الثاني/ يناير وقبلها طرفا النزاع. وعقب بدء الهدنة في 12 كانون الثاني/ يناير، كان ثمة انخفاض مبدئي في مستوى العنف أعطى سكان طرابلس الكبرى مهلة هم بأم س الحاجة إليها ليلتقطوا أنفاسهم من معاناة الحرب. لكن مع التطورات الأخيرة على أرض الواقع، يؤسفني أن أبلغكم أن هذه الهدنة لا تعدو إلا أن تكون هدنة اسمية. فقد ازداد تبادل الضربات المدفعية بشكل كبير في طرابلس في الأيام الأخيرة، مع ما رافق ذلك من زيادة في عدد الضحايا المدنيين بسبب استخدام القصف العشوائي. ومنذ 6 كانون الثاني/ يناير، تحققنا من وقوع 21 ضحية على الأقل ) 18 قتيلا وثلاثة جرحى( جراء حوادث ذات صلة بالنزاع في طرابلس وما حولها. وفي اليومين الأخيرين وحدهما، لقي أربعة أطفال - جميعهم دون سن الثانية عشرة - حتفهم جراء القصف على منطقة الهضبة في طرابلس، حيث توفي طفلان في موقع الهجوم بينما توفي الآخران في العناية المركزة؛ آخرهم توفي بعد ظهر أمس.
ونشهد أيضا اقتتالا ضاريا خارج طرابلس. ففي 26 كانون الثاني/ يناير، ش ن الجيش الوطني الليبي هجوما على قوات حكومة الوفاق الوطني في منطقة أبو غرين جنوب مصراتة، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة أسفرت عن عشرات الضحايا في كلا الجانبين. ورافق هذه الاشتباكات ضربات بطائرات حربية نفدها الجيش الوطني الليبي وضربات بطائرات مسي رة نفدها الجانبان. وبينما أتحدث إليكم الآن، لا تزال معركة أبو غرين مستمرة.
وفي 8 كانون الثاني/ يناير، قام الجيش الوطني الليبي بتوسيع منطقة حظر الطيران المعلنة من جانب واحد لتشمل مطار معيتيقة. وفي 22 كانون الثاني/ يناير، زاد الجيش الوطني الليبي من توسيع نطاق منطقة الحظر الجوي جنوبا باتجاه غريان وترهونة وهدد بإسقاط أية طائرة عسكرية أو مدنية تقترب من مطار معيتيقة. ومنذ ذلك الوقت، تم قصف مطار معيتيقة ثلاث مرات، ما أسفر عن وقوع إصابات بين المدنيين وإلحاق أضرار بالمنشآت التابعة لهذا المطار المدني ووقف الحركة الجوية مؤقتا . وفي 28 كانون الثاني/ يناير، أفيد بأن القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني أسقطت طائرة مسي رة تابعة للجيش الوطني الليبي بالقرب من مصراتة. ومنذ 12 كانون الثاني/ يناير، سجلت البعثة أكثر من 110 حالة خرق للهدنة حسبما أفادت التقارير.
كما يعتريني قلق عميق إزاء التعزيزات العسكرية التي يتلقاها الجانبان، مما ينذر بوقوع نزاع أوسع نطاق ا يضر بالمنطقة بر م تها. فقد تواصل تلقي الطرفين المتحاربين لعدد ضخم من المعدات المتقدمة والمقاتلين والمستشارين من جهات خارجية راعية، وذلك في انتهاك صارخ لحظر التسليح وكذلك للتعهدات التي قدمها ممثلو هذه البلدان في برلين. وقد عزز الجيش الوطني الليبي قواته على طول الخطوط الأمامية في طرابلس بالأسلحة والمعدات وعناصر المشاة بما في ذلك المقاتلين الأجانب. وفي الوقت ذاته، كانت هناك زيادة ملحوظة في رحلات الشحن الجوي الثقيلة - عدة رحلات في اليوم - إلى مطار بنينا وقاعدة الخادم الجوية شرق ليبيا لتوصيل المعدات العسكرية إلى الجيش الوطني الليبي. بالأمس، كانت هناك ثلاثة قوارب في طرابلس ومصراتة لتوصيل أسلحة جديدة. وبالأمس أي ضا، هبطت رحلتان للشحن في قاعدة الخادم الجوية في الشرق. بالطبع، طرابلس في الغرب.
وفي الوقت ذاته، تم نقل لمقاتلين أجانب بالآلاف مؤيدين لحكومة الوفاق الوطني جوا إلى طرابلس ونشرهم في مواقع متقدمة إلى جانب القوات الليبية. وخلال هذه الفترة، قامت قوات حكومة الوفاق الوطني، بدعم من إحدى الجهات خارجية المساندة، بنصب منظومات دفاع جوي متقدمة في جميع أنحاء المنطقة الغربية. وبعبارة صريحة، نظام "هاوك المضاد" للطائرات. مؤخرا وفي يوم الثلاثاء بالتحديد، لوحظ وجود أصول بحرية أجنبية - بما في ذلك سفن حربية - قبالة سواحل طرابلس، بالإضافة إلى عدد من سفن الشحن.
جميع هذه المناورات لإعادة تجهيز الطرفين تهدد بإشعال حريق جديد وأكثر خطورة، وتأتي في انتهاك لمؤتمر برلين نصا وروح ا . إنني أحث الأطراف والجهات الأجنبية الراعية التابعة لها على الكف عن هذا المسلك المتهور وتجديد التزامهم المعلن بالعمل على وقف إطلاق النار.
السيد الرئيس،
كما ورد في إحاطة الأمين العام في 21 كانون الثاني/يناير، تلقينا في 19 كانون الثاني/يناير من كلا الطرفين القائمة الكاملة لممثليهما العسكريين الذين سيحضرون محادثات اللجنة العسكرية المشتركة بجنيف. حيث تشكل هذه المحادثات الركيزة التي يقوم عليها المسار العسكري ويجب الشروع فيها في أقرب وقت ممكن. كنت آمل أن أتمكن من تقديم إحاطتي اليوم من جنيف فيما تكون هذه المحادثات قد بدأت يوم الثلاثاء. إن ممثلي حكومة الوفاق الوطني مستعدون للانخراط في هذا المسعى وقد التقيت شخصيا بهم في تونس يوم الإثنين لرسم معالم الإطار الخاص بالمحادثات المزمع تنظيمها. أما وفد الجيش الوطني الليبي فلم يتمكن حتى الآن من تأكيد مشاركته رغم أنني من المقرر أن ألتقي بالجنرال حفتر في الرجمة في غضون يومين من الآن للضغط من أجل إرسال فريقه دون تأخير، إذ يتحتم أن تلتئم اللجنة العسكرية المشتركة برعاية الأمم المتحدة لترجمة الهدنة – أو ما تبقى منها - إلى وقف لإطلاق النار ومناقشة طرق وضع آلية لمراقبة وقف إطلاق النار التي أدرك أنها مثار اهتمام هذا المجلس. كما ستسعى اللجنة إلى التوصل إلى اتفاق بشأن ترتيبات أمنية طويلة الأمد بما يعالج على نحو مباشر التظلمات التي عبر عنها الجانبان. إن دعمكم الجماعي وانخراطكم في هذا المسار أمرٌ حيوي.
ويُعد توطيد الهدنة أمر ا حاسم ا لنجاح جهودنا المتزامنة والمتوازية من أجل بدء المسار السياسي الليبي بما يمكن الأطراف من مناقشة الترتيبات المؤسسية الانتقالية. ومع ذلك، فإن عملية اختيار الممثلين الليبيين لهذا المسار لم تكتمل بعد. ففي 10 كانون الثاني/يناير، طلبت من رئيسي المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب البدء في عملية اختيار ممثلي المجلسين للمشاركة في المسار السياسي الليبي على أساس كل دائرة من الدوائر الانتخابية الثلاثة عشرة. وقد عرضتُ دعم البعثة لضمان أن تكون هذه العملية شاملة للجميع وشفافة وعادلة وديمقراطية. وفي 19 كانون الثاني/يناير، أكمل المجلس الأعلى للدولة اختيار ممثليه الثلاثة عشر. لقد أعاقت الانقسامات السياسية العميقة داخل مجلس النواب عملية اختيار ممثليه في المسار السياسي الليبي. وبالأمس، شُ رع بدعم من البعثة في عملية اختيار الممثلين الثلاثة عشر على أساس تمثيل الدوائر الانتخابية. ويسرني أن أبلغكم أن ثلاث دوائر بمجلس النواب انتخبت ممثليها في المحادثات السياسية بحضور ممثلين عن البعثة كشهود على العملية، لتبعث جهود الأمس برسالة إيجابية من البرلمان إلى الشعب الليبي ينبغي تشجيعها وتكرارها في العشر الدوائر الانتخابية الأخرى. وتقف البعثة على أهبة الاستعداد لمساعدة بقية الدوائر الانتخابية على استكمال هذه العملية.
فيما يتعلق بالمسار الثالث الاقتصادي، وعقب اجتماعهم الأول في 6 كانون الثاني/يناير، يعكف الخبراء الليبيون الممثلون للمؤسسات الوطنية الرئيسية وكذا مختلف القطاعات الاقتصادية على صياغة اختصاصات لجنة الخبراء الاقتصادية الليبية. وقد وجهنا دعوات للاجتماع الاقتصادي الثاني الذي من المزمع أن يلتئم في 9 شباط/فبراير بالقاهرة وتلقينا استجابة مفعمة بالحماس من المشاركين. وفي 7 كانون الثاني/يناير، استضافت البعثة اجتماع ا ثاني ا لحوار المسار الثاني بين فرعي مصرف ليبيا المركزي لوضع خارطة طريق تفضي في نهاية المطاف إلى توحيد الفرعين. ويظل استكمال المراجعة الدولية لفرعي مصرف ليبيا المركزي أمرا بالغ الأهمية لإثبات الشفافية وإيجاد الظروف الملائمة التي تفضي إلى التوحيد. ففي حين قطعنا أشواطا معتبرة ويحدونا الأمل في الشروع قريب ا في عملية المراجعة إلا أن هذا المسعى لم يخلُ من التحديات و نُعول على الدعم القوي من مجلس الأمن للمضي قدم ا في هذا المسار.
سوف تشرع لجنة المتابعة الدولية لمؤتمر برلين في الأسابيع المقبلة في تشكيل أربع لجان فرعية تركز في عملها على المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية والقانون الإنساني الدولي/ القانون الدولي لحقوق الإنسان. وتضمن هذه الآليات استمرار العمل المضني الذي اضطلعنا به قبل مؤتمر برلين، كما تكفل مساءلة أولئك الذين يعيقون العملية سواء داخل ليبيا أو خارجها.
السيد الرئيس،
أصبح الاقتصاد في ليبيا غير مستقر بشكل متزايد بسبب النزاع، إذ يؤدي التشظي المؤسسي وعدم القدرة على وضع سياسة اقتصادية موحدة إلى تفاقم التحديات القائمة وخلق تحديات جديدة. ففي 18 كانون الثاني/يناير، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط حالة القوة القاهرة على صادرات النفط من الموانئ في شرق ليبيا في أعقاب الاحتجاجات المحلية ضد الموانئ. وفي 20 كانون الثاني/يناير، وسعت المؤسسة الوطنية للنفط من نطاق حالة القوة القاهرة لتشمل جميع الموانئ البرية وذلك عقب الضغوط التي مارستها القوات المتحالفة مع الجيش الوطني الليبي لإيقاف الإنتاج في حقول الشرارة والحمادة والفيل النفطية. وسيتم خفض إنتاج النفط قريبا إلى 72000 برميل يوميا فقط من مواقع الانتاج البحرية في ليبيا. وهذا الإغلاق يؤدي إلى خسائر في الإيرادات الوطنية تقدر بحوالي 55 مليون دولار أمريكي يوميا ، فيما بلغت تراكمات العائدات المفقودة نتيجة الحصار أكثر من 622 مليون دولار حتى اليوم. عندما أقول 72,000 برميل يوميا، يجب مقارنة ذلك بالوضع الذي كان عليه قبل أسبوعين، حيث كان الإنتاج يقارب 1,300,000 برميل يوميا.
لقد تجاوزت المديونية الوطنية الليبية الآن 100 مليار دينار وهي في ارتفاع مستمر. كما يتزايد الإنفاق على المرتبات مع زيادة الحمل من السلطات المتنافسة على كشوف المرتبات المتضخمة أصلا. ويستمر تزايد الإعانات الحكومية، الخفية والمعلنة على حد سواء، في مقابل تردي جودة الخدمات، فيما يسهم تخفيض التعريفات الجمركية والضرائب في تضييق قاعدة إيرادات ليبيا مما يجعل البلاد تعتمد اعتمادا كليا على صادرات النفط -المتوقفة في الوقت الراهن- وعلى رسوم صرف العملات الأجنبية. وتجد البنوك التجارية صعوبة متزايدة في العمل تحت إشراف مصرفين مركزيين متنافسين، بحيث أصبح الآن عددٌ من البنوك التجارية، لا سيما في شرق البلاد، إما غير قادر على إجراء التعاملات أو سيصل قريبا إلى هذه النقطة. وفي حين تواصل البعثة العمل على إيجاد تدابير انتقالية ليبقى الاقتصاد واقف ا على قدميه، فإن معالجة الوضع بشكل كامل تتطلب حلا سياسيا يفسح المجال أمام إصلاح اقتصادي وإصلاح مؤسسي جوهري.
السيد الرئيس،
لا تزال الأوضاع الإنسانية مثار قلق عميق فقد أُجبر ما يربو على 149 ألف شخص على مغادرة منازلهم في منطقة طرابلس منذ اندلاع النزاع في نيسان/أبريل الماضي. وحتى تاريخ 22 كانون الثاني/يناير، لا تزال نحو 120 مدرسة في عين زارة وأبو سليم في طرابلس مغلقة بعد إعادة فتح عدد من المدارس عقب الهدنة مما يتسبب في حرمان ما لا يقل عن 70 ألف طفل من حقهم الاساسي في التعليم. ولحقت أضرار بدرجات متفاوتة بما مجموعه 26 مرفق ا للرعاية الصحية بسبب قربها من مواقع الاشتباكات، ويشمل ذلك 12 مرفق ا للرعاية الصحية تم اغلاقها وأربعة مرافق أخرى لا تزال معرضة بدرجة كبيرة لخطر الاغلاق.
وفي أول اسبوعين من عام 2020 ، تمت إعادة ما لا يقل عن 953 مهاجر ا ، بينهم 136 امرأة و 85 طفلا ، إلى ليبيا حيث تم إنزال معظمهم في طرابلس وأخذوا جميع ا إلى مراكز الاحتجاز حيث يتعرضون على نحو متكرر لسوء المعاملة والانتهاكات والتجاوزات الخطيرة لحقوق الانسان. ويشكل هؤلاء المهاجرون العائدون جزءا مما يزيد على 1000 مهاجر غادروا ليبيا عن طريق البحر منذ 1 كانون الثاني/يناير مدفوعين جزئيا بأكثر الاشتباكات حدة شهدتها طرابلس منذ بدء الاعمال العدائية قبل تسعة أشهر. إن الزيادة في أعداد المهاجرين المغادرين تبعث على القلق الشديد نظرا لمحدودية القدرة في البحث والإنقاذ في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وفي 27 كانون الثاني/يناير، أصدرت البعثة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقري ا مشتركا حول الغارة الجوية الذي استهدفت في 2 تموز/يوليو مركز احتجاز تاجوراء داعية إلى المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي واتخاذ اجراءات عاجلة للحيلولة دون تكرار وقوع حوادث مماثلة . يؤسفني أن [أعلم] أنه وفق الآخر الأخبار، فقد أوقفت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنشطتها في مرفق التجمع والمغادرة الذي أنشأته لأن السلامة غير مضمونة، بسبب بعض الأنشطة التدريبية التي تتم بالقرب من المركز.
كما يساورني القلق إزاء تقارير موثوقة عن وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في سرت، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي من جانب المجموعات المسلحة وذلك منذ أن سيطر الجيش الوطني الليبي على المدينة في 6 كانون الثاني/ يناير. وهناك تقارير تفيد بإجبار الأسر على الفرار، بعضها بسبب ولائها لحكومة الوفاق الوطني وأخرى بسبب صلات تربطها بعناصر النظام السابق. وقد تلقت البعثة تقارير موثوقة عن إطلاق سراح مئات السجناء من أربع مدن وبلدات على الأقل في غرب ليبيا، بما في ذلك طرابلس والخُمس، في مخالفة للقانون الليبي وذلك للقتال نيابة عن حكومة الوفاق الوطني مقابل وعود بمنحهم حريتهم بعد انتهاء النزاع. كما تلقينا تقارير عن عمليات تنفيذ عمليات إعدام بإجراءات موجزة وعمليات قتل انتقامية في طرابلس وفي المناطق القريبة من ترهونة والتي تسيطر عليها قوات موالية للجيش الوطني الليبي.
ولا يزال مصير العديد من الليبيين المختفين قسر ا مجهولا . فقد مضى أكثر من نصف عام على اعتقال عضو مجلس النواب، سهام سرقيوة، من منزلها ليلا في بنغازي. وأؤكد من جديد أن السلطات في شرق ليبيا مسؤولة عن احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهي ملزمة قانون ا بتحديد مصير السيدة سرقيوة ومكان تواجدها.
وأرحب هنا بالبيان المشترك الصادر في 17 كانون الثاني/يناير عن عدد من الدول الأعضاء، وأحث الدول الأخرى التي لها تأثير على السلطات المعنية على المطالبة بالإفراج الفوري عنها وعن جميع ضحايا الاختفاء القسري وبمحاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال.
وعلى النقيض من الاعتلال الذي أصاب البعض في الطبقة السياسية في ليبيا، فإن العديد من الليبيين الآخرين لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام انتشار استخدام خطاب الكراهية والخطاب الداعي للانقسام والهادف إلى تمزيق البلاد. أشيد هنا بناشطي المجتمع المدني وشيوخ القبائل الذين جاهروا بأصواتهم بشجاعة، خاصة في الأيام القليلة الماضية، من أجل الحفاظ على الوئام الاجتماعي بين الليبيين. وقد أثلجت صدري رؤية مجموعة من الناشطين الشباب في بنغازي يصدرون ندا ء بمناسبة رأس السنة لوقف الأعمال العدائية والعودة إلى المحادثات السياسية.
السادة أعضاء مجلس الأمن الموقرون
يحدوني أمل صادق في أن ينتهز المجلس والأطراف الليبية فرصة الزخم – زخم حقيقي - الذي أفرزته قمة برلين المنعقدة في 19 كانون الثاني/ يناير وهنا اليوم في برازافيل. إذ من الضروري إعطاء الليبيين بعض الأمل بعدم تخلي المجتمع الدولي عنهم. إن تبني هذا المجلس تحديدا لخلاصات مؤتمر برلين عبر اعتماد قرار من شأنه أن يرسل إشارة حاسمة إلى الليبيين، بل وأيضا لكل المفسدين - المحليين والدوليين على حد سواء - بشأن الجدية التي ينظر فيها المجتمع الدولي إلى هذه العملية .
بيد أنه يتوجب عل ي أن أكون صريح ا معكم في التعبير عن بالغ غضبي وخيبة أملي إزاء ما حدث منذ انعقاد مؤتمر برلين. إذ ثمة جهات مجردة من المبادئ داخل ليبيا وخارجها تنظر إلى الجهود الرامية إلى تعزيز السلام باستخفاف وتهكم فيما تُؤكد بكل إخلاص دعمها للأمم المتحدة. وفي ذات الوقت، لا تزال هذه الجهات تراهن على الحل العسكري مما يهدد بوقوع نزاع مخيف لا يُبقي ولا يذر والتسبب في مزيد من البؤس للشعب الليبي وزيادة عدد اللاجئين وخلق فراغ أمني ومزيد من الانقطاع في إمدادات الطاقة العالمية. يحدث كل ذلك في تجاهل صارخ لسيادة ليبيا وللحقوق الأساسية للشعب الليبي، وفي انتهاك صارخ للتوافق الدولي والنظام الدولي المبني على القواعد. آمل أن تتمكنوا في الأيام المقبلة من اتخاذ موقف موحد وأن تجاهروا بصوتكم لوقف هذا الاختلال العقيم. فالكثير هنا على المحك، بما في ذلك مصداقيتنا الجماعية.
شكر ا لكم
- اكتب تعليق
- تعليق