أخبار - 2020.01.20

بوجمعة الرميلي: أي تناول سليم للمسألة الليبية؟

بوجمعة الرميلي: أي تناول سليم للمسألة الليبية؟

كيف يمكن أن نفيد إخوتنا في ليبيا بالرأي الذي يمكن أن يخدمهم كمجموعة وطنية وكشعب؟ كيف يمكن أن نتفادى إسقاط رغائبنا وميولاتنا الذاتية على واقعهم الخصوصي؟ لا يشك أحد في صعوبة الوضع الليبي وفي استعصائه على الحلحلة رغم كل محاولات الإخوة في ليبيا. وبدون شك أن ذلك يترجم إلى حد ما تعقيد فهم موازين القوى. لكن من مخاطر التحليل بموازين القوى أن كل طرف يقرأها من وجهة نظره. أي لا أحد مستعد للقراءة الموضوعية لتلك الموازين لأنها في تصوره غير جامدة وهو يعتقد أو يوهم بالاعتقاد، نفسه والغير، بأنه قادر على تغييرها وحتى حسمها. وهنا مكمن الداء. لأن الحل في هذه الحالات التي تستعصي عن الحل يتركب من جزءين. الجزء الأول الاعتراف المتبادل بتوزيع ما لموازين القوى يكون أقرب ما يمكن للواقع لكنه ليس حقيقة تلك الموازين نظرا لاستحالة التوصلللاتفاق حول مثل تلك الحقيقة إن وجدت أصلا. أي بعبارة أخرى القبول بنتائج التفاوض مهما بدت غير منصفة لهذا الطرف أو ذاك. لأن الأهم يمكن في الجزء الثاني من الحل المتمثل في المراهنة على ديناميكية ما بعد الاتفاق الأولي، الذي يقتصر علىالحلحلة للخروج من الجمود المطلق والمدمر للجميع. ومن الواضح أن الديناميكية الموالية لا يمكن أن تكون إلا "ليس في صالح حفتر وإنما في صالح تمشي حفتر" الذي بالإمكان تحويله لصالح ليبيا بكل مكوناتها وبدون أي إقصاء، وذلك لعدة أسباب. الأول لأن حفتر انتهج المأسسة ببعث جيش له كل نواميس الجيش النظامي الذي بإمكانه التحول إلى أحد أعمدة مؤسسات الدولة المقبلة. ثانيا حفتر ابتعد عن الأدلجة الإسلاموية المدمرة التي خلفت الخراب في العراق وسوريا واليمن والصومال وبصدد تحطيم المكاسب الضعيفة لبلدان الساحل الافريقي. كما ان حفتر اختار الشعار الذي لا يمكن أن ينازعه فيه أحد وهو شعار "القضاء على المجموعات الإرهابية خالصة الأجر المتنقلة من ساحة قتال إلى الأخرى".

وقد يكون حفتر اضطر إلى تحالفات إقليمية مع مصر والسعودية والإمارت ودولية مع روسيا. لكن المهم أنه لم يدعو إلى حماية وتدخل مباشر من دولة أجنبية كتركيا كما فعل الطرف المقابل. أي أنه رغم كل شيء يتمتع بحد أدنى من الاستقلالية بما من شأنه أن يحمي استقلال ليبيا. وإذا فضلنا الخيار "الحفتري" في إطار هذه التمشي فليس ذلك من باب الانحياز والتمجيد ل"الماريشال عمار" او لصاحب "النداءات الأربعة بدق ساعة الصفر" وإنما لأن تمشي حفتر هو الأقرب من الحل الوطني الليبي. كما أن الخيار المطلوب لا بد أن ينبني على رفض منطق الحسم بالحرب وبالقضاء على الطرف المقابل وإنما ينبني على إدماج كل الليبيين في الحل لأن خلاف ذلك عدم. وإذا كان مثل هذا التصور يجد صعوبات مهولة للنفاذ لعقل راشد الغنوشي الذي يتحرك بمنطق "انصر إخوانك ظالمين أو مظلومين" فإن الدبلوماسية التونسية متمسكة بمبدأ جامد وغير منتج المتمثل في "احترام القانون الدولي وعدم التدخل في الشأن الداخلي". هذا تفكير مبسط إن لم نقل بسيط يسد، كل أبواب التفاعل المنتج وكل سعي من أجل حلحلة الجامد ولا يفيد لا ليبيا ولا تونس في شيء. يقولون أن ذلك هو المبدأ البورقيبي في الدبلوماسية. وهذا خطأ. لنأخذ مثلا المبدأ البورقيبي المسمى "خذ وطالب"، الذي طبقه في تونس ونجح واقترحه عل الفلسطينيين فرفضوه وندموا. هناك فهم مبتذل لهذا المبدأ بمعنى "اقبل بما تيسر وانتظر البقية"، بينما المقصود هو "حقك قائم وستناله وإذا لم تقدر على نيله بالكامل وفي مرة واحدة من الوهلة الأولى فتناوله بمبدأ المراحل التي لا تعني أي تفريط وإنما التدرج في استرجاع الحق". أي أنه لا بد من الإقرار بأن دبلوماسيتنا الآن معطلة من ناحية التصور وهو ما يفسر جمودها. لكن ليست الدبلوماسية وحدها هي المعطلة فكريا ومنهجيا لكن هذا موضوع آخر.

بوجمعة الرميلي





 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.