محمد النفطي - هدية رمزية للسيد رئيس الجمهورية : تطبيقة فارابية لاختيار رئيس الحكومة
أهديك من أدب السياسة ما به ::: كانت ملوك الفرس قبلك تولع
لا أننـــي أدرى بهــــــــــــا لكنـــــها ::: ذكرى تحض المؤمنين وتنفــع(*)
بضع أيام فقط تفصلنا عن اختيار الرئيس. اختيار الشخصية الأقدر لرياسة الحكومة التونسية. اقترحت الأحزاب تسعة عشر مرشحا وهو ما يعسر عمل الرئيس إذا ما اعتبرنا أن الوقت يداهمه ولا يسمح له بدراسة كل الملفات الشخصية بطريقة شاملة واختيار الأقدر في غضون السويعات المتبقية من المهلة الزمنية الدستورية. ولعل هذه الهدية المقترحة تساعد في عملية التمحيص إذ هي عملية وعلمية ومنبثقة من التراث الحضاري الاسلامي وعمل بها الغربيون وأثبتت جدواها إلى يومنا هذا.
وارتأيت تقديم هذه التطبيقة التي وردت في كتاب أحد كبار المفكرين المسلمين الفرس على اتباع مناهج أجدادنا وآباءنا وأحزابنا الحديثة من العرب لأننا أبعد الأمم عن السياسة كما يقول ابن خلدون ولا يحصل لنا الملك إلا بالقهر. "و العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين... والعرب أبعد الأمم عن السياسة والسبب في ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم ...فصعب انقياد بعضهم لبعض ...ورئيسهم محتاج اليهم غالبا للعصبية التي بها المدافعة... وسياسة الملك والسلطان تقتضي أن يكون السائس وازعا بالقهر وإلا لم تستقم سياسته."
فالهدية التي أقدمها هي تطبيقة وردت في كتاب " أراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها" لأبي نصر محمد الفارابي المكنى بالمعلم الثاني والذي ترجم ودرس أعمال الفلاسفة الإغريق وتناول بشكل خاص أعمال المعلم الأول أرسطو. واعتنى الأوروبيون بكتاباته بشكل واسع وترجموها وطوروها ولكن العرب عزفوا عن دراسته لأنه إيراني أو أفغاني أو تركماني وليس من الجزيرة وليس قرشيا.
جاء في مؤلفه وبالتحديد ما كتبه عن خصال الرئيس في المدينة الفاضلة أنه لا يمكن اختيار الرئيس الأقدر إلا إذا اجتمعت فيه أثنتا عشرة خصلة قد فطر عليها ويمكن لنا أن نجمعها ثم نصنفها حسب ارتباطها بالخصوصيات الآدمية الجسمانية والفكرية والمعنوية.
الجسمانية: "ويشترط في الرئيس أن يكون تام الاعضاء". ويمكن لنا أن نختزل ما جاء في الكتاب أن الرئيس يكون في صحة جيدة ويتمتع ببنية جسمانية قوية تسمح له بالقيام بالأعمال التي تتناسب مع مهامه. وهذه خصلة يمكن مراقبتها بسهولة فائقة إذا ما تم عرض المترشح على المراقبة الطبية. وعلى سبيل المثال فإن المترشح لرياسة الولاية المتحدة الآمريكية يعرض على الفحص الطبي والاختبار الرياضي من ركض وحركات. ولكن ذلك بعيد عن تصورنا.
الفكرية: ويقول الفارابي أن الرئيس يجب أن يكون "جيد الفهم والتصور لكل ما يقال له وجيد الحفظ لما يفهمه ولما يراه ولما يسمعه ولما يدركه وفي الجملة لا يكاد ينساه". وأن يكون "جيد الفطنة ذكيا". وهذه الخاصيات الفكرية يمكن أيضا مراقبتها ومعرفتها وتقييمها بواسطة الاختبار النفساني السيكوتقني ولا يتطلب الأمر إلا دقائق معدودات للإختبار ولمعرفة النتيجة. وهذه الخصال أساسية للمترشح لهذا المنصب الذي تتطلبه إدارة النقاشات في مجلس الوزراء والمشاركة في ملتقيات مع رؤساء بلدان أخرى أو منظمات عالمية يشارك فيها للدفاع عن مصالح تونس. وحتى الذكاء يمكن تقييمه في بضع دقائق لمعرفة المعدل الذكائي (QI).
أما مجموعة الخصال المعنوية وهي أهمها على الإطلاق لأنه يصعب ملكتها لمن لم يحصل عليها في صغره وشبابه حيث من شب على شئ شاب عليه. ويصعب بالتالي تقييمها. يطلب من الرئيس "الصدق ونفور الكذب" والمخاتلة وهو أمر صعب على السياسي لكن يطلب منه التحلي بنسبة منها على الأقل. ويستحسن أن يكون الرئيس "كبير النفس وتكبر نفسه عن كل ما يشين من الامور... يتعالى عن الرذيلة والطمع ويكون محبا للكرامة". ويكون "محبا للعدل وأهله ومبغضا للجور والظلم وأهلهما". وآخر الخصال أن يكون "قوي العزيمة جسورا ومقداما غير خائف ولا ضعيف النفس". ومثل بقية الخصال فإن المعنوية يمكن تقييمها من طرف الأخصائيين النفسانيين أثناء الحوار. والحوار لا يتطلب وقتا طويلا لمعرفة شخصية المترشح وشجاعته وكبر نفسه إضافة لما تعرفه عنه العامة والخاصة.
ولم يتحدث الفارابي عن الخصال المهنية بتاتا. والسبب حسب رأيي هو واضح وضوح الشمس لأن الرئيس لا ينفذ بل يحلل بسرعة ويقرر بسرعة. وبالتالي فإن ذريعة الأحزاب حول المرشح الخبير في الاقتصاد تبدو بعيدة عن الصحة.
وفي النهاية إذا أردنا انتخال هذه المسألة فإن التطبيقة الفارابية شاملة ويمكن العمل بها لأتها طريقة علمية. وهي تطبيقة تدرس في الكلية العسكرية التونسية وفي جميع الكليات الأجنبية
في مادة الإتيك العسكرية (Ethique Militaire). ولكنها في نظر الكثير ما هي إلأ أضغاث أحلام.
وتلك هي هديتي لمن أراد أن ينتفع بها. وكل التوفيق للسيد الرئيس في اختياره.
محمد النفطي
(*) الصيرفي (شاعر لمتونة في مدح علي بن يوسف بن تاشفين)
- اكتب تعليق
- تعليق
مقال جيد