أخبار - 2020.01.19

عادل الأحمر: عمـل ثورتو وروّح...

عادل الأحمر: عمـل ثورتو  وروّح...

عندما يقترب موعد الاحتفال بذكرة ثورة سبعطاش - أربعطاش، يغيب عن الأنظار صديقي العيّاش، لكي لا نذكّره بكذبته الكبيرة، وقد ادعى أنّه كان في طليعة مسيرة، سبقت سقوط الرئيس الأسبق بأيّام، وأنّه هتف مع المتظاهرين: «الشعب يريد إسقاط النظام»... لكن من يوم أن اكتشف أمره ( )، بقي هذا الموضوع يقضّ مضجعه، وما انفكّ شعور بالذنب يلاحقه.

لكن قبل ذلك، وليعوّض العيّاش ما فات، دخل حلبة الثورة من باب الاعتصامات، فكان حاضرا في «القصبة واحد» و«القصبة اثنين»، بل كان من بين «الثوّار» المتشدّدين، مطالبا بتغيير الحكومة، وشطب الحزب الحاكم السابق بجرّة بلومة، ووضع دستور للبلاد جديد، وانتخاب مجلس تأسيسي عتيد.

وقد فاجأنا في ذلك الحين، انقلاب العيّاش من مواطن مسكين، إلى ثوري لا يضعف ولا يلين، يدعـم الاحتجـاجات ويرفــع صوته بالشعارات، وهو الذي كان عاجزا في السياسة عن تلصيق زوز كلمات. كما أصبح لا يأبه لرأي غيره، ولا يستمع إلا لنفسه، فرأيه هو عين الصواب، ومن خالفه مخادع كذّاب، أو زلم من الأزلام، لا يحقّ له حتّى الكلام.

وقد وجد العياش في «ديڤاج» كلمة سحرية يظهر مفعولها في الحين، تماما مثل مصباح علاء الدين، فبمجرّد النطق بها  تخلو المكاتب الفخمة من المسؤولين، والشركات من الرؤساء المديرين العامين. لذلك مارس العيّاش بعد 14 جانفي لعبة «الديقاج»، وهاج بها وماج، فنطق مع غيره من «الثوّار» بتلك الكلمة السحرية، ثم انتقل إلى تطبيقاتها العملية، وصفّى في تلك الجولة «الديڤاجية»،عديدا من الحسابات القديمة، كلّ ذلك باسم «الثورة العظيمة»، والتطلّع إلى حياة كريمة.

لكن ثورة العيّاش الحقيقية، كانت على مستوى العقليّة، وما تبع ذلك من غريب السلوكات، عندما تحجّج بالثورة ليقفز فوق القانون والترتيبات. فبعد 14 جانفي لم يعد العيّاش، وهو في سيّارته، معترفا بالضوء الأحمر ولا بالأولويّة، وأصبح بذلك قريبا من الطلاب المنتفضين في عهد الثورة الثقافية الصينية، لما قرّروا أنّ اللون الأحمر، وهو لون الثورة الشيوعية، لا يمكن أن يوقف مسيرة الشعب في السيّارات والحافلات والدراجات النارية. وبدلا من قانون المرور تبنّى العيّاش قانون الغاب في تحديد الأولوية، فأصبح يفتكّ الأسبقية لمن دونه من السيّارات الصغيرة، ويسلّم فيها ذاعنا لأصحاب الأحجام الكبيرة... والسيّارات مثل الناس أحجام: عمالقة وأقزام!

كما ألغى العيّاش من قاموسه رخصة البناء، ولعب فيها كما شاء، فاستغلّ غياب أعوان الترتيبات، ليضيف إلى السور ياجورات، ويبني طابقا إضافيا دون إذن البلدية والجار، وزاد عليه ستوديو في الجنينة وراء الدار. ويقول العيّاش مبرّرا هذه التصرفات: «ولماذا تريدون منّي أن أحرم نفسي من هذه الإضافات، وقد شهدت بعيني تهافت الجيران على التوسّع المعماري في كلّ الاتجاهات، وبناء الأكشاك حتّى على الطروطوارات؟». وعندما أذكّر العيّاش بمآثره الثورية، وهو الذي فاتته  قاطرة الثورة الحقيقية، يقول لي بكل أريحية: «نعم، أعترف أنني، كيف برشة توانسة، ركبت ترينو الثورة إمخّر شوية، لكنّي وقّفت الفيلم وهبطت في أول محطّة كي تحلّت العينين... واسأل علّي ركبوا الثورة بعدي، ولتوه ماهمش هابطين».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.