محمد إبراهيم الحصايري: رحم الله السلطان قابوس...سلطان العقل والحكمة
"إن هذا الرجل بفكره العقلاني الرصين، وحديثه المنطقي الهادئ، ورؤيته الواقعية الحصيفة للأمور، يختلف عمّن حوله من القادة، وهو أقرب إلى العقلية المغاربية منه إلى غيرها": ذلك هو الانطباع الذي خرجت به عن السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، تغمده الله بواسع رحمته، من لقاءين مطوّلين مع جلالته أتيح لي أن أحضرهما رفقة وزير الشؤون الخارجية، الأول خلال التسعينات من القرن الماضي، والثاني في مطلع سنة 2004 في إطار التحضير للقمة العربية السادسة عشر بتونس.
وبالفعل فإن السلطان قابوس كان رجلا متميزا بسياستيه الداخلية والخارجية اللتين نهضتا ببلاده وبوأتاها مكانة أثيرة جديرة بالتقدير على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وهناك إجماع على أن السياسة الداخلية التي اختار انتهاجها أحدثت نقلة نوعية في السلطنة، وضمنت لها الأمن والاستقرار، وحققت لها درجة عالية من النمو والرخاء، لا تخطئها العين عند زيارة عاصمتها، مسقط التي تجمع بين الجمال والنظافة والتناسق المعماري الرائع.
كما إن هناك إجماعا على أن سياسته الخارجية الذكية التي أرساها على مبادئ راسخة من الحكمة والتوازن والحياد، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والنأي بالنفس عن الصراعات والتنافس العبثي على الزعامة، مكّنته من الحفاظ على علاقات ودية مع مختلف دول العالم، لا سيما وأنه كان حريصا، كلما كانت الظروف مواتية، على بذل ما بوسعه من جهود، لكن في طي الكتمان وبعيدا عن البهرج الإعلامي، من أجل الاسهام في حل الأزمات والخلافات القائمة في المنطقة سلميا وعن طريق الحوار الصبور والتفاوض المثابر.
ويكفي في هذا الصدد أن نشير الى الدور الذي اضطلع به، في مرحلة ما،من أجل نزع فتيل التوتّر الذي كان ينذر بالويلات بشأن الملف النووي الإيراني، وهو ما ساعد على التوصل آنذاك إلى الاتفاق الذي أبرم سنة 2015 بين إيران وبين مجموعة الدول الست بشأن هذا الملف الشائك الذي عاد اليوم إلى واجهة الأحداث لأن الرئيس الأمريكي "غريب الأطوار" دونالد ترامبنقضه كما نقض العديد من الاتفاقات الدولية الأخرى،ونكص عن تعهدات بلاده بموجبه كما نكص عن التزاماتها العديدة في العديد من المجالات...
فالله نسأل أن يرحمه رحمة واسعة وأن يطيّب ثراه،وأن يلهم خلفه السلطان هيثم بن طارق مواصلة إعلاء ما شيّد، وتعزيز ما أنجز داخليا وخارجيا، وأحسب أنه قادر على ذلك وهو الذي ترأس "لجنة الرؤى المستقبلية" التي تولت التخطيط لمستقبل السلطنةحتى سنة 2040...
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق