أخبار - 2020.01.10

محمد إبراهيم الحصايري: إطلالة على إحدى المحطّات الدبلوماسية في كتاب المرحوم الأستاذ الباهي الادغم "الزعامة الهادئة: ذكريات وشهادات وخواطر"

إطلالة على إحدى المحطّات الدبلوماسية في كتاب المرحوم الأستاذ الباهي الادغم "الزعامة الهادئة: ذكريات وشهادات وخواطر"

عندما أقبلت على مطالعة هذا الكتاب الضخم (750 صفحة من القطع الكبير)، كتاب "الزعامة الهادئة: ذكريات وشهادات وخواطر" للمرحوم الأستاذ الباهي شدّني إليه شدّا، لأنه ثري ثراء حقيقا بالإعجاب، بالمعلومات والمعطيات عن فترتيْ الكفاح الوطني وبناء الدولة المستقلة، وكم نحن بحاجة إلى القراءة عن هاتين الفترتين في هذا الزمن الرديء الذي اختلط فيه الحق بالباطل، والصدق بالكذب، والصواب بالخطإ.

ولست أدري ماذا كان الباهي الأدغم سيقول عن هذا الزمن لو كان حيا يرزق ويشهد ما نشهد أعاجيب وغرائب وهو القائل عن الزمان الذي كتب فيه كتابه: "ومن آفات هذا الزمان أن نرى الوجه الحقيقي للتاريخ الحديث يتوارى تحت ستار النسيان والتشويه حتى كاد يتعذّر الميز بين الصحيح والمزيّف من روايات الأحداث المتداولة" (ص 32/33).

ومن فصول الكتاب الهامّة وفي نفس الوقت المشوّقة التي اخترت الوقوف عندها في هذا المقال الذي هو في الأصل مداخلة ساهمت بها في تقديم الكتاب خلال اللقاء الذي انعقد يوم السبت 22 ديسمبر 2019 بدار الكتب الوطنية، الفصل المتعلق بما يمكن أن نسميه "محطة الأردن".

ففي أوائل شهر سبتمبر 1970، اشتدت الأزمة بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية بعد أن تم تحويل ثلاث طائرات أمريكية وبريطانية وسويسرية إلى مطار الزرقاء الأردني ثم وقع نسفها بعد إخلائها من الركاب بينما فشلت عملية تحويل طائرة العال الإسرائيلية.  وقد طالت المفاوضات بين الفلسطينيين والدول الغربية وإسرائيل، جماعة وفرادى، حول تحرير المحتجزين الذين كان من بينهم يهود وإسرائيليون، فاغتنم الملك حسين الفرصة بعد أن اتهم المقاومة الفلسطينية بإطلاق النار على موكبه الرسمي يوم غرة سبتمبر للردّ بهجوم من الجيش الأردني على المقاومة الفلسطينية المتمركزة في عمّان من 15 الى 17 سبتمبر. (ص 588).

وقد قام وفد فلسطيني بزيارة إلى تونس ليقدّم للحكومة التونسية "صورة عن الأحداث الفلسطينية" وهي، كما يقول الباهي الأدغم، "صورة قاتمة وشنيعة في الوقت ذاته لأن الحكومة الأردنية قرّرت آنذاك التخلّص من الفلسطينيين فهاجمتهم بالمدفعية واستخدمت ازاءهم جميع وسائل التقتيل والإبادة: كما تم الاعتداء على النسوة بالذبح" (ص 588).

وعلى إثر ذلك بادر الباهي الأدغم، بعد التشاور مع الرئيس الحبيب بورقيبة الذي كان مريضا، بجمع الديوان السياسي للتداول فيما يمكن لتونس أن تقوم به للمساعدة على وقف الاقتتال بين الأشقاء.

وخلال هذا الاجتماع طرحت فكرة عقد قمة عربية عاجلة، غير أن حالة الرئيس الحبيب بورقيبة الصحية لم تكن تسمح له باستضافتها ورئاستها، ولذلك تم الاتفاق على عقدها في القاهرة، وقد طلب الرئيس من الباهي الأدغم الاتصال بالرئيس جمال عبد الناصر "ليبلغه بأن الرئيس الحبيب بورقيبة يلح عليه كل الالحاح كي يقبل عقد القمة في القاهرة".

وقد وافق الرئيس جمال عبد الناصر على استضافة القمة، وقام بالاتصال بعدد من القادة العرب (العقيد معمر القذافي والاخوة الكويتيين والملك فيصل) بينما تكفل الباهي الأدغم بالاتصال بكل من الملك الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين (ص 589).

وبالفعل انعقدت القمة من 22 الى 27 سبتمبر 1970 لكن في غياب الملك حسين لأسباب أمنية داخلية وياسر عرفات لأنه كان مختفيا ومحاصرا في أحد الجبال حول عمان (ص 590).

وقد قررت القمة، في مرحلة أولى، ايفاد لجنة (تكوّنت من جعفر النميري رئيس السودان، والشيخ سعد العبد الله الذي أصبح فيما بعد ولي عهد أمير الكويت والفريق محمد الصادق رئيس أركان الجيش المصري إضافة الى رئيس وزراء تونس طبعا)، إلى الأردن لمحاولة وقف إطلاق النار بإقناع الطرفين، وتهدئة الأجواء بعد إعلام الحكومة الأردنية والحصول على موافقتها.

وقد تحولت اللجنة إلى عمّان وتمكنت من تهريب ياسر عرفات إلى القاهرة بعد إقناعه بشقّ الأنفس وبضغط شديد من جميع الأطراف بضرورة الخروج.

يقول الباهي الأدغم عن هذه العملية التي شبهها بـ"تمثيلية كبرى على أعلى مستوى من الخطورة": "وعند اقتراب ليل 25 سبتمبر هيّأنا طائرة كويتية وكنّا أنا والجنرال محمد الصادق وجعفر النميري قد ركبنا مصفّحة ومعنا عرفات يرتدي "سفساري" (رداء المرأة بالمصطلح الشعبي التونسي) ويحمل بين يديه نزار الطفل الرضيع ابن الدبلوماسي في السفارة التونسية عبد الحميد مخلوف وكان السفساري أيضا لزوجته وكان الطفل يبكي وعرفات يضمه إلى صدره على أنه "حرمة" تحمل رضيعها. وقد كنّا بصدد إجلاء عائلات الدبلوماسيين العرب، وعند الخروج أراد احد الجنود البدو أن يتثبّت من هويّة تلك المرأة وابنها فصرخ في وجهه العكبوشي "مالك تنظر إلى الحريم؟" فابتعد متحرّجا" (ص 592).

ويستخلص قائلا: "وبعدما أقلعت الطائرة الكويتية وفارقت الأجواء الأردنية أزال عرفات السفساري وتنفستُ الصعداء. هكذا وقعت العملية حرفيا فالقصة تونسية بحتة وإخراجها تونسي والرداء الذي تخفّى فيه عرفات تونسي والطفل الرضيع تونسي وقد شارك فيها إخواننا العرب وخاطروا بأنفسهم" (ص 592).

وعلى إثر هذه العملية قَدِمَ الملك حسين إلى القاهرة حيث حضر بقية أشغال القمة العربية العاجلة التي أسفرت عن "اتفاقية القاهرة" التي تضمنت 14 بندا والتي تضع حدا للاقتتال بين الفلسطينيين والجيش الأردني وتنشئ لجنة عليا عربية للمتابعة تتكون من ثلاثة أشخاص هم: الباهي الأدغم، رئيسا، وذلك بترشيح من الرئيس جمال عبد الناصر (احتفظ الى الآن بالبرقية التي أرسلها في حينها إلى الرئيس بورقيبة حول هذا الموضوع وقد طبعت في مجموعة تسمى وثائق عبد الناصر)، وعبد الله بكر وهو محام بارز معروف ممثلا للفلسطينيين ولكنه لا ينتمي إلى أي فصيل، والراضي العبد الله  ممثلا للملك الأردني وهو رجل معتدل للغاية وقع عليه الاختيار لأنه قريب من الفلسطينيين ثم تخلّى لفائدة رياض المفلح الذي لم تكن له نفس الرصانة واللباقة والدبلوماسية (ص 593).

وبغضّ النظر عن الأحداث والتطورات التي عرفتها المهمّة التي اضطلعت بها هذه اللجنة، وعن تفاصيل الصعوبات التي اعترضتها سواء على مستوى طرفي النزاع، أو على الصعيدين العربي وخاصة التونسي، فإنني وإنما أريد التوقّف عند أمرين اثنين أوّلهما هو مبررات اختيار الباهي الادغم رئيسا للجنة، وثانيهما هو ما أسميه ذيول أو تبعات الدور الذي اضطلع به في إطارها، على مسيرته السياسية...

واعتقادي أن اختيار الباهي الأدغم لعضوية اللجنة الأولى ولرئاسة لجنة المتابعة لم يكن من باب الصدفة، وإنما كان مبنيّا على عدة اعتبارات نجد اصداءها مبثوثة في ثنايا الكتاب وفي فصوله المختلفة.

ان هذا الاختيار يرجع كما يمكن استخلاصه من الكتاب إلى الأسباب الكبرى التالية:

1/ ما يتمتّع به الباهي الأدغم من روح عربية، ومن غيرة على حقوق العرب ومصالحهم، وهو ما تجلّى في العديد من المواقف التي اتّخذها من القضايا العربية.
يقول الأستاذ أحمد المستيري في الكلمة الافتتاحية التي تصدّرت الكتاب تحت عنوان "الباهي الأدغم: الزعيم الصامت": "لقد كان المرحوم الباهي الأدغم (سي الباهي) وطنيا مخلصا لوطنه، وفيّا لرفاق دربه، معتدلا حكيما في مواقفه، سواء أثناء الكفاح التحريري المرير أو في فترة بناء دولة الاستقلال، أصيلا في اختياراته وتوجهاته، متجذرا في هويته الوطنية التونسية العربية الإسلامية متفتحا على كل الحضارات والثقافات، متعلّقا بفكرة وحدة المغرب العربي، ومدافعا عنها الى آخر رمق في حياته. وكان سي الباهي رجل دولة مقتدرا جادا صادقا في القول مخلصا في العمل" (ص 11).

ويتجلى تجذّره في هويّته العربية الإسلامية في مطلع الكتاب عندما تحدث في "الفصل الأوّل: بداية الوعي" باعتزاز واضح عن أصله ومنشئه، كما أدرج فيه جملة من المواقف التي تؤكد اعتزازه بانتمائه العربي الإسلامي، وذلك على غرار الموقف من مصطفى كمال اتاتورك الذي قال إنه كان يتمتع بشعبيّة واسعة في تونس لأنه اشتهر بمشاركته في حرب طرابلس ضد "الطليان"، وقد تراجعت تلك الشعبية عندما "صدرت منه بعض التصرّفات المتطرّفة على إثر إبطال الخلافة العثمانية من إلغاء للحروف العربية، واعتماد الحروف اللاتينية في الكتابة واضطهاد الأئمة ورجال الدين بتركيا وفرض اللائكيّة بالقوة" (ص 43).

ولما كانت بضدّها تتمايز الأشياء، فإننا نجد في طيّات الكتاب العديد من المحاورات مع كبار المسؤولين التونسيين الذين كانوا على عكس الباهي الأدغم لا يخفون "تبرّمهم" بكل ما هو عربي.

ولذلك كله لم يكن من الغريب أن يقع التفكير في ترشيحه للأمانة العامة لجامعة الدول العربية عندما انتقلت الجامعة إلى تونس، وكذلك للأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد كان يمكن أن يفوز بإحدى الأمانتين لولا اعتراض "القصر" على ذلك.

2/ خبرته الدبلوماسية الواسعة التي اكتسبها بفضل التجارب الميدانية التي عاشها على امتداد مسيرته كمناضل أولا، وكرجل دولة ثانيا، حيث أنه قام بالعديد من المهام ومثّل الحركة الوطنية في العديد من المحافل والدول وخاصة في نيويورك حيث قضّى ثلاث سنوات للتعريف بالقضية الوطنية في منظمة الأمم المتحدة (انظر الفصل العاشر: أمريكا 1952/1955 السنوات الحاسمة).

ويرى الأستاذ حسين رؤوف حمزة في كلمة الختام التي جاءت تحت عنوان "سيرة الباهي الادغم ومسيرته: الزعامة الهادئة" أن مرحلة نيويورك هي مرحلة التمرّس السياسي حيث أن هذه التجربة كانت مفيدة له باعتبار أنها أضافت الكثير إلى تكوينه السياسي، ومكّنته من توسيع دائرة إشعاعه عربيا ودوليا (ص 636).

ومن المؤكد أن ما تتميز به شخصيته من هدوء ورصانة ساعده على النجاح في العديد من المهام الدبلوماسية التي كان الرئيس الحبيب بورقيبة يكلّفه بها، عملا بقول طرفة "إذا كنت في حاجة مرسلا فأرسل حكيما ولا توصه"، وبالفعل فإنّه بعد مشاركته في مفاوضات الاستقلال كنائب رئيس الحكومة وككبير المفاوضين كان له بعد الاستقلال دور هام في حلّ العديد من الأزمات المحلية كأزمتي بنزرت والجلاء الزراعي وغيرهما...

3/ العلاقة التي ربطته بالرئيس جمال عبد الناصر، حيث يقول في الفصل الثامن عشر الذي جاء تحت عنوان "أزمة سبتمبر 1970 (أيلول الأسود)": "كانت علاقتنا الشخصية طيّبة جدا وقد تحادثنا من قبل في عدة مناسبات في قمتي الإسكندرية 1964 والخرطوم 1967 وبمناسبة مهمّات أخرى في القاهرة سنة 1956 وسنة 1967 وكذلك عندما زار تونس في احتفالات جلاء بنزرت 1963" (ص 593).

ومما يدل على عمق العلاقة أن الرئيس عبد الناصر قال خلال اللقاء الذي جمع بينهما في ليبيا في جوان 1970 "لماذا لا تأتي بالعائلة وتقيم عندنا في مصر؟" وليس من المستبعد أن يكون قال هذا الكلام لأنه كان على علم بشيء مما كان يدور في تونس (ص 593).

وأما عن ذيول أو تبعات الدور الذي اضطلع به الباهي الأدغم على رأس اللجنة العربية العليا للمتابعة على مسيرته السياسية، فينبغي أن نلاحظ أن نجاح القمة العربية الطارئة التي دعت تونس الى عقدها والتي مثّل الدولة التونسية فيها  الباهي الادغم الذي ساهم في إيقاف الاقتتال بين الطرفين الأردني والفلسطيني وتمكن من إخراج ياسر عرفات من الأردن، تسبّب، على ما يبدو في انزعاج الرئيس الحبيب بورقيبة، وأثار حفيظة حاشيته وبعض أعضاء الحكومة الذين حاولوا إنهاء مهمته على رأس اللجنة العربية للمتابعة، قبل بدئها، فعلى اثر وفاة الرئيس جمال عبد الناصر المفاجئة قدم إلى القاهرة وفد يتركّب من الحبيب عاشور والفرجاني بلحاج عمار والحبيب بورقيبة الابن لحضور موكب تشييع جثمان الرئيس الراحل.

ووفقا لما يرويه الباهي الادغم فإنّ الحبيب بورقيبة الابن قال له "إن الوالد يدعوك الى الرجوع لمباشرة مهامك في تونس"، لكنه أصرّ على عدم العودة وعلى إتمام المهمة التي كلّفته بها القمة العربية، أولا لأنّ تونس وافقت على هذه المهمة، وثانيا لأن الرئيس كان في ذلك الوقت قد سمّى الهادي نويرة وزيرا أول بالنيابة، وثالثا لأنه كان اتّخذ قرار مغادرة الحكومة منذ أن قدّم استقالته للرئيس في 26 جويلية 1970 في خضمّ الأزمة الحكومية التي اندلعت قبل شهر أي في جوان 1970.

وقد تواصلت المحاولات بعد ذلك واستطاع "خصومه" في نهاية المطاف إرغامه على التخلّي عن مهمته على أاس اللجنة العربية للمتابعة حيث تم توعّده بسحب الثقة منه إن لم يتخلَّ عنها من تلقاء نفسه.

وبالرغم من أنه حاول أن يقنع مخاطبيه بأن هذا التخلّيَ سيضرّ بصورة تونس، فإن الحكومة أصدرت بيانا أعلنت فيه أنها قررت سحبه من اللجنة بناء على ما اعترضها من صعوبات، غير أن الباهي الأدغم أصدر، بدوره، بلاغا قال فيه: "نظرا لفقدان المساعدة من الدول العربية فيما يتعلق بالمهام الميدانية المناطة بعهدتي (فقد طلبنا معاضدة فؤاد فرعون السعودي وصبري الخولي من مصر وتبين لي أن الطيب السحباني الذي يعمل ليلا نهارا مع السفير عمامو وجد نفسه قد تخطّته الأحداث رغم ما كان يبذله من مجهودات جبارة، وكذلك فيما يخصّ الضّباط التونسيين وهذه مسؤولية ثقيلة على عاتقنا) نظرا لكل هذا فأنا أعلن التخلّي عن مهامي"... (ص604).

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أن العلاقة بين الباهي الادغم وبين الرئيس الحبيب بورقيبة ازدادت تعقّدا بعد ذلك حتى وصلت إلى حد القطيعة، ففي نوفمبر 1973 وبعد أن خصّه الرئيس أنور السادات الذي قابله إثر حرب أكتوبر بحفاوة بالغة ثارت ثائرة الرئيس الحبيب بورقيبة وقال ما قاله في احدى تصريحاته "من كلام" لا يليق برئيس دولة مدعيا أن حسن الاستقبال الذي حظي به الباهي الأدغم في مصر أمر مصطنع ولا يستحقه. والملاحظ أن الرئيس كان يخفي مثل هذه المشاعر منذ 1970 ولم يفصح عنها علنا إلا في عام 1937 وهكذا انتهت قصة أيلول وتداعياتها الداخلية والخارجية (ص 606).

وقد استمرت القطيعة ثمانية أعوام إذ لم يلتق الباهي الادغم بالرئيس الحبيب بورقيبة إلا في 11 جوان 1981 وبناء على رغبة الرئيس الذي بادره عند دخوله القاعة بالاعتذار بطريقة ذكيّة عما صدر عنه حينما سأله عن أبلغ بيت شعري للسموأل لكنه لم يستحضره فرد بورقيبة:

ذا المرء لم يدنس من اللـؤم عرضـــــــــه    فكـل رداء يرتــــــــــــديه جميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها    فليس له إلى حسن الثناء سبيل
تعيّــــــرنا أنّــــا قلـــيــــل عديـــدنـــــــــــــــــــا    فقلت لهــــــــــــــــــــا إن الكرام قليـــــــــــــــــــــــل
ومـــــــا ضرّنـــــا أنّــــا قليـــــــــــــــــل وجارنا    عــــــــــــــــــزيز، وجار الأكثرين ذليل...

ويقول الباهي الأدغم معلّقا: "وكان ذلك كافيا لإذابة جليد الخلافات وعادت العلاقة التي لم تعد تعكّرها المسؤوليات السياسية"... (ص 626/627).

رحم الله الباهي الأدغم وأثابه على ما خطه يراعه لإنارة فترة هامة من تاريخ تونس المعاصرة، وشكرا لنجله الدكتور عبد الرحمن الأدغم على بِرِّهِ بوالده وبهذا الوطن العزيز من خلال تجشّمه مشقّة جمع وإعداد وإصدار هذا الكتاب القيم الذي يجد فيه المؤرخون والباحثون وعموم القراء ما يعينهم على فهم العديد من الوقائع والمواقف، علما بأن الباهي الأدغم حرص في خاتمة التوطئة على أن يؤكد على ما يلي: "هذا ولست أدعي أني ملمّ بجميع أسرار التاريخ الحديث أو أني موضّح كل غوامضه، وفاتح كل مغالقه. كما إنه لم يخطر قطّ ببالي أنّي الناطق الوحيد بالحقيقة التاريخية دون سواها بل إن غرضي هو أن أقدم عملا أرجو أن يعين على إخراج الماضي القريب من طيّ النسيان فيبرزه للعيان في صورة شهادة حيّة، وفي قالب وثائقي يصلح مرجعا للباحثين" (ص 34). 

م.ا.ح


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.