أخبار - 2020.01.11

الحـرب الباشيـة الحسـينـية في تونس (1728-1756)

الحـرب الباشيـة الحسـينـية في تونس (1728-1756)

على امتداد تاريخها ومنذ نشأة جهاز الدولة بها في العصور القديمة، لم تشهد البلاد التونسية حربا أشرس وأطول وأكثر دموية وتأثيرا من تلك التي عرفتها في منتصف القرن 18م بين حسين بن علي وأبنائه ومناصريه من جهة، وابن أخيه علي باشا وابنه يونس وأنصاره من جهة ثانية. لقد حوّلت هذه الحرب التي اندلعت بسبب الصراع على الحكم البلاد إلى ساحة وغى على امتداد حوالي ثلاثين سنة (بين 1728 و1756) بتقطّعات. غير أنّ تأثيراتها كانت عديدة وعميقة، تواصلت لعقود، بل لقرون وذلك إلى غاية نشأة الدولة الوطنية الحديثة مطلع الاستقلال.

ظروف اعتلاء حسين بن علي الحكم

في سنة 1702 تمكّن أمير جند البايات المراديّين وآغا الصبايحية  إبراهيم الشريف من قتل  آخر البايات المراديّين،مراد باي الثالث (1698-1702). كما قضى على كافة أبناء حمّودة باشا المرادي وأحفاده منهيا بذلك فترة حكم المراديّين بتونس منذ سنة 1631. لذا أعلنه جند الصبايحية بايا، ثمّ عُيّن باشا على تونس من قبل السلطان العثماني على البلاد واستأثر لنفسه بجميع الخطط ونُودي له بـ: « الباشا إبراهيم الشريف باي داي». ورغم وصوله إلى أعلى منصب سياسي على رأس الإيّالة التونسية، فإنّه فشل في كسب ثقة الناس نظرًا لتواصل أعمال الشغب والاضطرابات التي اندلعت منذ رحيل مراد الثالث. لذلك اتّجه سكّان الحاضرة إلى اختيار حاكم جديد منهم يمثّلهم... فاتّفق أهل الحل والعقد وأعيان البلاد والجنود على مبايعة حسين بن علي، بايا على البلاد يوم 12 جويلية 1705 بديوان المدافعية أمام القصبة فقبلها مكرها وتجدّدت البيعة العامة والرسمية له يوم15  جويلية 1705 ليؤسّس بذلك العرش الحسيني. وقد تحدث أحمد بن أبي الضياف في كتابه «إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهــد الأمان». عنه قائلا: «... وكانت ولاية هذا الباي شرعية، لأّنّه لم يطلبها، ولا سفك لغرضه دماء المسلمين في طلبها...». وكان والده علي المنحدر من جزيرة كنديا (الكريت اليوم) بعد ضمّها إلى الدولة العثمانية سنة1669 وقد تطوّع في الجيش الانكشاري في العهد المرادي. وقد عمل بالكاف وبها تزوّج من امرأتين، إحداهما من قبيلة الشنانفة والأخرى من قبيلة شارن (حفصيّة الشامية)، فأنجب من الأولى ابنه محمّد ومن الثانية حسين الذي ولد سنة 1675. وقد اقتفى الولدان خطى والدهما في الخدمة العسكرية إلى أن نجح حسين في إعلان النظام الحسيني الذي سيحكم تونس طيلـة 252 سنة (من 15 جويلية 1705، إلى حين إعـلان المجلس الوطني التأسيــسي النظام الجمهــوري في 25 جويلية 1957).

توريث الحكم سبب البليّة

لم يكن لمؤسّس الدولة الحسينة في بداية عهده بالحكم سنة 1705 أولاد من الذكور، لذا تبنّى ابن أخيه علي باشا الذي نشأ في كفالته. ولمّا بلغ من العمر 17 عاما استعان به وأولاه مهمّة السّفر بالمحال فأبلى البلاء الحسن. ولهذه الخطة أهميّة قصوى إذ يلقّب صاحبها بـ « باي الأمحال «ويكلّف باستخلاص الجباية داخل البلاد. وطيلة حكم الأسرة الحسينية كان صاحب هذه الخطّة هو آليا «وليّ العهد». غير أنّ كل المعطيات قد انقلبت رأسا على عقب بعد زواجه بفتاة جنويّة مسيحية على غاية من الجمـال وتدعى «حسنـاءُ جنـوة» «ماريا دومينيـكا دوريا «Maria Domenica Doria» وهــي ابـنـة «اتّــوري دوريـا Ettore Doria» والي حصن طبرقة الجنوي، وقد وقعت في أســر أحد القراصنة الذي أهداها للباي فأسلمت بعد عام من اصطفائها وأنجبت له ولدان: ابنه البكر محمّد الرشيد (سنة 1710) فعليّ (سنة 1712)، فاعتقها وسمّاها «آمنة»، ثمّ أطلق عليها اسم «منّانة « وأنجبت له محمود ومصطفى... ومع اشتداد عود ابنه البكر محمّد الرشيد قدّمه والده سنة 1724 للسّفر بالمحلّة «... ومحبّة الولد طبيعية في البشر، وله أسوة بمن تقدّمه من الملوك...» كما يقول ابن أبي الضياف.

ولتجنّب غضب ابن أخيه علي، استجلب له حسين بن علي منصب الباشا من اسطنبول وأخرجه من قصر باردو وأمره بالإقامة في دار رمضان باي... غير أنّ علي باشا سرعان ما استصغر خطّته الجديدة و قرّر الخروج على عمّه وتوجّه مع خاصّته إلى جبال وسلات (المساندة لكلّ ثائر أو متمرّد على الدولة) وتحصّن بها فاِلتحم به جمع كبير من العربان الساخطين على سياسة عمّه.

أسباب أخرى

رغم عديد الإصلاحات الهامّة التي قام بها حسين بن علي منذ 1705 ونالت استحسان غالبية السكان وفي مقدمتها تحالفه مع أعيان وشيوخ القبائل المخزنية بإدماجهم في دواليب الدولة وتشريكهم في استغلال خيرات البلاد وتقريبه القبائل المخزنية من السلطة والرفَع من شأن رؤسائها والحدّ من نفوذ المؤسّسات التركية واعتماده بالخصوص على الأهالي على حساب الأتراك وتقويته لمكانة الفرق العسكرية المحلية في جيشه... إلى أن صار يخيّل له بأنّ المملكة... بمثابة الحصير الذي طواه و جلس تحته... (على حدّ قول صاحب الإتحاف)، فإنّ الأعراب رأوا كونه أسرف في اِتّباع سياسة جبائية مجحفة وثقيلة استهدفت احتكار فوائض الإنتاج عبر نظام المُشْتَرَى (نظام يتمثل في اقتطاع إجباريّ لجانب من المحصول بأسعار تفاضليّة متدنيّة يتولى البايليك بيعها مسبقا للتجار الأجانب محقّقا بذلك أرباحا هامّة)، حرمت المنتجين من جزء هام من إنتاجهم. يضاف إلى ذلك فرضه العديد من الضرائب على الرعية خاصّة على حساب المجموعات الريفية وقمعه لبعض القبائل والمجموعات الرافضة للضرائب الجديدة وخاصّة سكان الجبال وفي مقدّمتهم سكّان جبل وسلات...

انقسام «الأمّة» إلى حسينية وباشية

أمام كلّ هذه التطوّرات انقسم سكّان المملكة إلى صفّين: صفّ حسيني وهم الذين وقفوا في صفّ الملك حسين باي الأول. وقد ضمّ هذا الصفّ سكان كلّ من: القيروان وصفاقس وسوسة والمنستير والمهدية والقلعة الكبرى وأكثر قبائل دريد وجلاص وأولاد سعيد والهمامّة... وصفّ باشيّ تألّف من: المناصرين لعلي باشا الأول و المساندين لثورته على عمّه. وهم: سكان جبل وسلات و قبائل ماجر و الفراشيش وأولاد عيّار وورتان والمثاليث وأولاد عون و كعوب والسواسي وسكان مساكن وجمّال والقلعة الصغـرى وأكـودة و زاويـة سوسة وبقيّة قرى الساحـــل... وغيرهم.

أطوار متقلّبة

انتصار أولي للصفّ الحسيني: تمكّن صفّ الشرعيّة الحسينيّة الحاكمة في البداية من هزم علي باشا ومن معه سنة 1729، لكنّه تمكّن من الفرار إلى الحامّة التي كانت من القائمين بدعواه ومنها إلى الصحراء ثمّ بلاد الزاب إلى حين وصوله للجزائر العاصمة حيث استنجد بحكامها الأتراك، الذين كانوا ينظرون إلى النظام القائم في تونس بعين الريبة. وقد قبلوا مساندته وترجيح الكفّة لفائدته سنة 1735 مقابل التزامه بدفع تعويض مالي هامّ لمصاريف الحملة وفرض وصايتهم على تونس .ولمّا بلغ لعلـم حسين بن علي خبر خروج المحلّة من الجزائر، جمع عساكره وخرج من تونس في محلّة ضمّت أبناءه الأمراء علي ومحمد ومحمود يدعمهم صبايحية الترك والأوجاق وسائر دريد والمرازقة... ونصبت خيام محلّة حسين باي بمنطقة سمنجة قرب واد مجردة، فيما نصّبت خيام محلّة علي باشا المدعومة من الأعراب والطرابلسية على الضفة الغربية للواد. وفي ليلة 4 أوت 1735 باغتت قوات علي باشا حسين باي بالهجوم على قواته التّي هزمت وأجبر الباي على الانسحاب إلى مدينة القيروان وهو مصاب في فخذه. أمّا ابنه علي فقد التجأ في البداية إلى العاصمة ليطمئن على عائلته قبل أن يلتحق بوالده وإخوته في القيروان. و بعد أن تأكّد سكان العاصمة من هزيمة حسين باي، قرّروا مبايعة علي باشا حاكما جديدا على البـلاد و ذلك يوم 5 أوت 1735. وبعـد أن علــم الباشـا بذلك أرسل ابنه يونس باي إلى تونس التي دخلها يـوم 7 سبتمبـر 1735 ثمّ لحق به والـده في اليوم الموالي حيــــث جلس على العـرش بالقصبة وأخذ البيعة من عامّة الناس فكانت نهـاية حكم حسين بن علي.

كما التحقت محلّة الجزائر بعلي باشا بالحاضرة وبدأت في نهب المدينة وتخريبها فصدّهم عدد من سكّانها وقتل الكثير منهم. ولم يتمكّن يونس باي من السيطرة على الوضع إلاّ بافتكاك سلاح كل من يدخل المدينة وأصبحت البلاد تحت وصاية دايات الجزائر.

وفي سنة 1736 قام يونس باي بمحاصرة القيروان لمدة 11 شهرا لكنه فشل في السيطرة عليها، ليعيد الكرّة مرة أخرى في السنة الموالية لكنه فشل. وفي نوفمبر 1739 توجّهت محلّة يونس باي إلى القيروان وخيّمت في المكان المعروف اليوم بذراع التمّار (شمال المدينة) وحاصر القيروان كما ورد في الإتحاف: «... نزل بدار الأمان من شرقيها وتترّس لرميها بالمدفع والبونبه وعطّل مدافعها عن إصابة عسكره. كما عطّل أهلها عن تسنّم السور للمدافعة وثلم سورها إلى أن دخلها يوم 13 ماي 1740. فلاذ الناس بمقامات الصالحين وخرج الباي حسين من الباب الغربي، على فرس شقراء معروفة بالسبق في لمّة من خواصّه. فأدركته خيل يونس باي ورميت فسقط به وقعد بمكانه لا يدنو منه أحد، إلى أن أقبل يونس فترجّل واخترط سيفه وتقدم له، فقال له حسين بن علي: أتخضّب شيبي بدمي يا يونس وقد طهّرت (ختنت) أباك في حجـري؟ فردّ عليه بجوابه الشهير: «المُلْكُ عقيم يا سيّدي وباشر قتله بنفسه». وقـد قال في هذا المشهد شاعر الدولة الباشية أبو عبد الله الورغي (1713– 1776):

« أبو الحـزم قتّال السلاطين يـونس ***ويــونـــس ليث للأسود أكول
سيجمعهــــم في قبضـة ويجــــزّهم *** كما جُزّ من أصل النبات فسيل»

وأرسل يونس رأس حسين بن علي إلى أبيه علي باشا الذي بكى وأنكر فعل ابنه ووُضعت الرأس ببطحاء القصبة حتى يتأكّد النّاس من زوال مُلك الباي السابق ثمّ دفنه بتربته المعروفة بتربة القاسمين بالجامع الجديد. أمّا أبناه محمّد الرشيد وعلي فقد تمكّنا من الهروب للجزائر طلبا للنجدة، فيما نجح محمود الموجود بسوسة حينها من امتطاء مركب أرسله له شقيقاه إلى بيت المنستير والتوجّه إلى مالطة فمرسيليا حيث كرّمه حكامها ليلتحق بالجزائر حيث سيظلّ الإخوة الثلاثة هناك طيلة فترة حكم علي باشا (بين 1735 و1756).

استرجاع ابنَا حسين بن علي لعرش والدهما

في سنة 1755 طالب الأميران المنفيان اختياريا في الجزائر العاصمة محمّد الرشيد وعلي باي من باي الجزائر بابا علي بوسباع  مساعدتهما على استعادة عرش والدهما الشرعي المسلوب. وقد قبل باي الجزائر طلبهما وأوكل مهمة ذلك إلى باي قسطنطينة، حسن زرق عيونو. سلك الجيش الجزائري طريقه نحو تونس بقيادة باي قسنطينة يرافقه محمد رشيد وعلي باي. وبعد حصار دام ثلاثة عشر يوما اجتاز قلعة الكاف. وبعد إخضاع باجة تحرك الجيش نحو تونس العاصمة التي استولى عليها في 31 أوت 1756 بعد حصار دام شهرين تخلّلته عمليّات نهب من قبل الجنود الجزائريّن والميليشيات التونسية الموالية لهم.

وفي 22 سبتمبر 1756 قُتل علي باي مخنوقا على يدي ممــاليك «روامة» -أي أوروبيّين-. وفي الوقت الذي دعا فيه باي قسنطينة قواته إلى العودة، آثر محمّد الرشيد الاختفاء في حصن باردو. أمّا شقيقه علي باي فقد توجّه إلى صفاقس لتجهيز قوات من الحلفاء السابقين لوالده، قائدا جربة وصفاقس. وبعد أن استنفر محمّد الرشيد شقيقه الذي قدم من صفاقس مع قوات نظامية متكونة في معظمها من فرسان القبائل، نجح علي باي في هزم المتمرّدين واستعادة السلطة الشرعية لأخيه وإجبار الجيش الجزائري على مغادرة تونس العاصمة مقابل غرامة مالية ثقيلة وأتاوة سنوية رمزية تتضمّن شحنتين من زيت الزيتون لإنارة مساجد الجزائر العاصمة (حسب نصّ المعاهدة)... وهكذا أمكن لابني حسين بن علي: محمّد الرشيد باي (حكم من 02 سبتمبر 1756 إلى غاية 12 فيفري 1759)، ثم من بعده شقيقه علي باي (حكم بين 12 فيفري 1759 و 26 ماي 1782)، استعادة عرش والدهما كما تنبّأ بذلك أحد المجذوبين في ضريح سيدي عبد الوهاب سنة 1708. وقد تواصل حكم أبناء حسين بن علي وأحفاده إلى حين إعلان النظام الجمهوري يوم 25 جويلية 1957.

نهاية مأساوية لأفراد العائلة الحسينية

حســــب دراسة حديثة أنجزتها الأستاذة «ماري تيراز بوهــاجيار» Marie-Thérèse Buhagiar، غادرت «ماريا دوريا» أو منّانة تونس برضا زوجها منذ اندلاع الفتنة لدواع غير معلومة وعادت إلى مسقط رأسها جنوة، بينما بقي أخوها مصطفى جنويز مع صهره في تونس، بوصفه قائدا للمدفعية. وانتهى بها المطاف، بعد أن رفض والدها قبولها في البيت، إلى دخول أحد الأديرة. وقد امتدّ بها العمر إلى سنة 1789، أي أنّها عاشت قرابة القرن حسب الوثائق التي كشفت عنها. وقد آثرت العيش داخل دير حوالي 54 سنة زاهدة منعزلة مسخّرة حياتها للصلاة والعبادة، علّها تكفر - حسب اعتقادها - عن الذّنب الذي اقترفته بالارتداد عن دينها بعد أن قضّت عشرين سنة في حريم باي تونس، في وقت كان أبناها محمّد الرشيد ومن بعده علي باي ثم حفيدها حمودة باشا يحكمون البلاد التونسية. والطريف أنّ ابنها علي كان قد تزوّج أيام منفاه في الجزائر جارية علجيّة أطلق عليها اسم «محبوبة» التي أنجب منها فتاة سماها «آمنة» أو «منانة» على اسم والدته، أي جدّتها.

أمّا ابن عمهما وخصمهما علي باشا، فقد مات كما سبق ذكره مخنوقا وعُرضت جثته في القصبة ليراها الناس قبل دفنها في التربة، كما فعل برأس عمّه حسين باي قبل 16 سنة. كما قتل معه ابنه محمّد وأخوه مراد و حفيده نعمان، وغيرهم كثر.

نتائج وخيمة ومخلّفات كارثية

كانت الحرب الحسينية- الباشية فتنة ومحنة في ذات الوقت، «شاب منها الوليد» كما جاء في عجز بيت الشاعر أبي عبد الله الورغي. لقد خرّبت الحرب المدن والقرى وأهلكت الحرث والنسل وعطّلت الحرف والتجارة والمبادلات داخل الإيّالة وخارجها... وأسالت أنهارا من الدماء وفرّقت بين الأهالي، وبَنَتْ جبالا من الأحقاد الدفينة والتنكيل بين الشقين المتحاربين (تنكيل يونس باي بسكّان جهة الساحل...)، لم تهدأ سواكنها إلا بعد عقود.

كما عمّقت الحرب الأهلية الانقسام أو الصّفُوفيّة في كامل أنحاء المملكة بين صفّ موال للسلطة «حسيني / مخزني / موال...» وآخر معارض لها «باشي / متمرّد / منشقّ...». وسيتواصل هذا الاصطفاف لعقود مع انتفاضة بن غذاهم بين 1864 و1867 وإثر دخول الاستعمار البلاد في ماي 1881...كما كرّست الحرب تدخّل دايات الجزائر في الشأن السياسي التونسي بارتباط مصير حكام البلاد بمصير محكوميهم الأتراك وكذلك عسكريا بتدخل الجيش الجزائري في أربع مناسبات: 1705 و1735 و1746 و1756... وهي تدخّلات اتسمت بفضاعتها الشديدة، مخلّفة شعورا بالغبطة والمرارة في نفوس البايات ورعاياهم على حدّ سواء.

ولم تستعد الدولة عافيتها إلاّ أثناء حكـم علي بـاي بـــن حسين (1759 - 1782) ثمّ ابنه حمّودة باشا (1782 - 1814)، الذي اعتبرت فترته بالعصر الذهبي للدولة الحسينية، حيث تمكّن مع وزيره يوسف صاحب الطابع من وضع حدّ نهائي لتدخّل باي قسنطينة في معركة وادي صراط (قرب مدينة الكاف (في جويلية 1807، التي هُزم فيها الجيش الجزائري وتشتّت بين قرى الكاف وأريافها ولم ينجُ من بينه إلاّ عدد قليل من الأتراك فرّوا باتجاه قسنطينة ثم الجزائر العاصمة ليكتمل استقلال البلاد سنة 1807 وتصبح تونس دولة كاملة السيادة. ونتيجة لهذا «التحرّر» بدأت عملية تعريب البلاد، بإحياء الثقافة واللغة العربيتينِ وإرساء نظام تعليمي تشرف عليه الدولة وذلك بالتوازي مع سلسلة من الإصلاحات العسكرية والدستورية قادتها نخبة متنوّرة في عهد كلّ من أحمد باشا باي (1837 - 1855) ومحمّد باي (1855 - 1859) ومحمّد الصادق باي (1859 - 1882)، لكنها للأسف لم تحل دون انتصاب الحماية الفرنسية في 12 ماي 1881 وهو حدث عدّه بعض المؤرخين بكل المقاييس محنة أخطر من الحرب الأهلية لكونها سلب البلاد استقلاليتها السياسية والعسكرية والاقتصادية !.

عادل بن يوسف

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.