أخبار - 2020.01.01

مدينـة تونـس حاضـرة عـربـية مـتـوســطـية

مدينـة تونـس حاضـرة عـربـية مـتـوســطـية

كثيرة هي الكتب والأطروحات الجامعية والبحوث العلمية التي أَلَّفْت عن مدينة تونس غير أنّها لم تتناول خصائصَها الجغرافية والتاريخية والحضارية عبر مختلف العصور بشمولية مثل تلك التي يتميّز بها الكتاب الصادر مؤخّرا بعنوان «مدينة تونس حاضرة عربية متوسطية» باللغتين الفرنسية والعربية، ببادرة من وكالة إحياء التراث والتنمية وبحرص من وزير الشؤون الثقافية وذلك بمناسبة الاحتفاء بمدينة تونس عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2019 والاحتفال بالذكرى الأربعين لتسجيلها من قبل اليونسكو على قائمة التراث العالمي.

الكتاب تأليف جماعي ضخم يقع في أكثر من 500 صفحة من الحجم الكبير، صمّمه وأنجزه الدكتور عبد العزيز الدولاتلي بدعم من ميشال تيراس وبمساهمة من فوزي محفوظ وسلوى درغوث وقد شارك في كتابة نصوصه الإثنين وأربعين إثنان وثلاثون كاتبا من بين جامعيين وباحثين ومثقّفين متخصّصين في التاريخ والحضارة والجغرافيا والهندسة المعمارية والطبّ والفنون والآداب والإنسانيات. وقد جاء في طبعة أنيقة، زاخرة بالصور الجميلة المنتقاة بعناية فائقة والمشفوعة بالشروح اللازمة لمضمون كلّ مقال.

وتتوزّع نصوص الكتاب على ثمانية أبواب وهي:

  • المعطى الجغرافي
  • استكشاف المركز التاريخي: المدينة الوسيطة والمدينة الأوروبية 
  • بزوغ عاصمة: التاريخ والنموّ الحضري 
  • مجتمع مدينة تونس من الأصول إلى القرن التاسع عشر
  • النظام التربوي والصوفية وطرقها
  • الفكر السياسي والحياة الأدبية
  • الفنّ المعماري: المعالم الكبرى والأساليب المعمارية
  • الرقي الحضاري: الشواهد الفنيّة.

يدعو المؤلَّف القارئ إلى عبور الفضاء والزمان كما لو كان في متحف مفتوح ليستكشف محطّات كبرى من تاريخ مدينة تونس ويتبيّن تعدّد وثراء أنماطها المعمارية، العربية الإسلامية منها والأوروبية والمتوسطية، وتنوّع مرافقها وليتابع كذلك مختلف الاتجاهات الدينية والتحوّلات الاجتماعية والحركات الفكرية والأدبية والإبداعات الفنية التي شهدتها ربوعها من حرف وصناعات تقليدية وموسيقى وفنون تشكيلية مع ما كان يطبع الحياة اليومية لسكّانها من عادات وتقاليد على مرّ العصور، فيتعرّف إلى رجال ونساء عظام أثّروا في عصرهم، ويقف في نهاية المطاف، من خلال التفاعل ببن الأحداث والأعلام في كلّ مكان من العاصمة بمدينتها الوسطى وأرباضها وأحيائها، على حيوية تراثها وتأصّله في جذور مزدوجة، عربية ومتوسّطية.

يشير ميشال تيراس أستاذ التاريخ والآثار المتوسطية ورئيس المجمع المتوسّطي الذي أشاد بالمنهجية المتفرّدة التي اعتمدت في إعداد الكتاب إلى أنّ هذا التأليف يميط اللثام عن تاريخ معقّد ويمنح القارئ «مفاتيح استكشاف يحاول ألّا يهمل أيّ مفاجأة من المفاجآت التي يحفل بها عالم مدينة تونس».

كما يعتبر في التوطئة أنّ هذا العمل الجماعي هو «عبارة عن مشكاة متلألئة تشعّ بصور تؤكّد أنّه ينبغي أن ينظر إلى تونس اليوم بمنظار البعد الزمني الطويل وغيره من الأبعاد المتعدّدة». وهو في نظره أيضا «كتاب يقرأ كرواية لمغامرة، يعرض على أنظار قارئه متحفا حيّا يقود كلّ واحد منّا نحو اكتشافات متتالية حلّلت بعمق وإسهاب».

يعدّ صدور هذا الكتاب بحقّ حدثا ثقافيا وعلميّا إذ أتى ليسدّ بعد طول انتظار فراغا في السجّل الببليوغرافي عن مدينة تونس إذ لم يكن يتوفّر في السابق مؤلَّف جامع يسلّط، بهذا القدر الكبير من الشمولية، الأضواء على تاريخ عاصمة البلاد التونسية عبر العصور ويبرز تراثها الحضاري الموسوم بالثراء والتنوّع.

الكتاب تحفة فنيّة في مستوى جمال مدينة تونس وبهاء معالمها وعمق إرثها التاريخي ووثيقة مرجعية في غاية الأهميّة، لعلّه من أهمّ ما يمكن أن يحتفظ به المرء في مكتبته ومن أفضل ما يُقدّم هدّيةً لها وقع حسن في نفس كلّ من يتقبّلها.

ع.ه

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.