أخبار - 2019.12.29

الصحبي الوهايبي: كتـاب الشّتائم

الصحبي الوهايبي: كتـاب الشّتائم

كُنتُ أحسب السّبّ والشّتيمة فنًّا عصيّا على أهل السّياسة في المبتدئين والدّخلاء منهم، ففيه تَوْرية وتلميح وإيحاء؛ حتّى رسخ ما كنت أحسب لمّا سمعتُ النّائبة المحترمة المهذّبة تنادي زميلها: «يا كلب!»؛ وهي سبّة فجّة، لا تنمّ إلاّ عن ضيق صدروأفق؛ وغير خافٍ، كلّما ضاق الأفق، ضاق الصّدر؛ وكلّما ضاق الصّدر، ضاق الأفق؛والأفق خَطٌّ وهميّ، يتراجع إلى الوراء، كلّما تقدّمتَ نحوه؛ لذلك، لا تصدّق أهل السّياسة حين يقولون:»سيتحسّن وضع البلاد في أفق سنة 2020... وللسّبّة وجْهٌ وقفاً؛ أو صوتٌ ورَجْعٌ؛ فأمّا الصّوت، فما يسمعه سائر الخلق من إنس وجان وحيوان: «يا كلب!»؛ وأمّا الرّجع، فلا يسمعه إلاّ خاصّة الخاصّة... ويقول بعض علماء النّفس إنّ جزءًا من قشرة المخّ يتحكّم في ردّة الفعل، ويُلجم اللّسان عن التّصريح بعبارات فجّة بذيئة؛ غير أنّه يحدث أحيانا، في حالات الصّدمة النّفسيّة أو الجسديّة العنيفة، أن ينكسر صمّام الأمان ذاك، فاسحا المجال لعدوان لفظيّ غريزيّ، يخفّف من ألم الصّدمة...هناك في المخّ، إذًا، نظام يدير الإساءة اللّفظيّة؛ والامتناع عن التّعبير اللّفظيّ العنيف يعارض دورة النّظام تلك، على حساب معاناة عاطفيّة حقيقيّة ومؤلمة. ذلك أنّ كبح جماح اللّفظ السّيّء يتطلّب كثيرا من الدّربة والمراس والتّضحية؛ وأمّا النّاس العاديون، الذين لا يقدرون على ذلك، مثل السّيـــــدة النّائبة؛ فليس لهم من خــلاص، إلاّ بالسّبّ والشّتيمة...ويحدث أحيانا، أن يأتي بعضهم إلى الدّنيا، دون صـــمّام، أو دون قشرة مخّ، أو حتّى دون مخّ أصلا... وفي كلّ الحالات، لا يرسلُ شتيمةً، مـــن كان لا يقبل أن يسمـعَ رَجْـعَ صداها؛ ولا يبلـعُ جــوزة هند، من لم يكن واثقا من تصـريفها.... والثّقة بالنّفس مَرْتَبَةٌ لا يدركها إلاّ عالم أو... جاهل جهول...

******

دخل الطّالب قاعة الامتحان، واثقا، مُوقنا من نجاحه بتفوّق وامتياز، وكيف لا؟ وهو العالم، العليم بالحيوان في برِّه وبحره وجوِّه؛ فلمّا قرأ الموضوع، أسقط في يده، وخاب أمله، وأيقن من فشله؛ فقد كان على الورقة صُوَرٌ لسيقان طيور بلا رأس، وكان المطلوب أن يسمّيَ تلك الطّيور معتمدا شكل السّيقان، ففكّر وخمّن، فلمّا أعيته الحيلة دفع بالورقة فارغة بيضاء إلى أستاذه وهو غاضب، يُرعد ويُزبد، فقال له الأستاذ: «صِفْر واعتبر نفسك من الآن في زمرة الرّاسبين لسوء سلوكك» ثمّ تفطّن إلى أنّ الطّالب لم يدوّن اسمه على الورقة، فلحق به يسأل: «ما اسمك يا ولد؟» فشمّر الطّالب سرواله حدّ الرّكبتين وقال: «هل تستطيع يا أستاذ أن تستشفّ اسمي من شكل رجلي؟». نصيحة للمقبلين على مناظرات وزارة الدّاخليّة وامتحاناتها: «راجعوا السّيقان، ولا تراجعوا الرّؤوس!... ولا تنتظــروا صيـاح الدّيك، حــتّى تدركــوا أنّ النّهــار انبلــج. حتّى لو لم يكن هنــــاك ديك يؤذّن للفجر، فإنّ النّهار سيطلع!»...

******

أحاط الفتية بأمّهم التي تحتضر؛ ففتحت المرأة عينيها وأومأت لابنها البكر، وهمست: «أريد المسؤول عن الحزب الحاكم؛ أَحضِرْه بسرعة»؛ فقال لها ابنها وهو يجاهد كي لا يرفع صوته الغاضب: «لماذا يا أمّي؟ بعد هذا العمر الطّويل في المعارضة، تريدينه في بيتك؟»؛ وألحّت الأمّ: «هذه رغبة امرأة تحتضــر. أحضره حــــالاّ يا ولدي»... الأبناء الذين تحلّقوا حول أمّهم اندهشوا لرغبتها وهي المرأة الصّلبة المعارضة التي لا تلين؛ ولكنّهم أذعنوا لمشيئتها، وجاء ممثّل الحزب الحاكم في المدينة، يسعى؛ ففتحت الأمّ عينيها، على تعب، وقالت: «أريد أن أنخرط في حزبكم الآن، حالاّ!»؛ وسجّلَ الرّجل اسمها في دفتره وسلّمها بطاقة انخراطها وهو في غاية السّعادة، يقول في سرّه: «أخيرا أذعنتْ هذه المرأة. أخيرا كَسَرْتُ شوكتَها». وعندما انصرف وخَلتِ المرأة إلى أبنائها، قالت لهم بصوتها المكدود: «الآن أستطيع أن أموت! هاهو الحزب الحاكم ينقص واحدا من منخرطيه. هذه واحدة منهم تموت. أنّهم ينقصون واحدا. الآن أستطيع أن أغمض عينيّ»...

الصحبي الوهايبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.