أخبار - 2019.12.04

الحبيب الجملي: حياة وتحديات

الحبيب الجملي: حياة وتحديات

يعود الحبيب الجملي الذّي وُلد في 28 مارس 1959 بمنطقة الكبارة التّي تقع على بعد 20 كلم من سيدي علي بن نصر اللّه (القيروان)، يعود إلى ذكريات الطّفولة ويُعيد رسم مساره حتّى تسميته الأخيرة في منصب رئيس الحكومة.

والده سي أحمد الشّايب الجملي، كان قد عانى من إيقافه المطوّل في السّجون الألمانيّة خلال الحرب العالميّة الثّانية عندما كان يُقاتل في صفوف الجيش الفرنسيّ. ويقول الحبيب الجملي إنّه هو الذّي حرص على إعطائيّ اسم محرّر الأمّة عندما سمّاني "الحبيب".

الحبيب الجملي هو الثّاني من بين ستّة إخوة (3 فتيان و3 فتيات) وكان مولعا بالمسرح المدرسيّ، يُقضّي يومه بين الدّروس، وكان متفوّقا فيها، وبين خشبة المسرح في مدرسته الابتدائيّة. " ولمّا كنّا نملك قطعة أرض، فقد كنت أحمل كثيرا من التّقدير والحبّ للأرض، أرض " للّا فاطمة الجمّاليّة "الملقّبة بـ " شقيقة" أمّ الزّين الجمّاليّة."

حبٌّ ينقله الحبيب الجملي يوميّا إلى أبنائه الأربعة: بنتان تتألّقان على صعيد دوليّ، وابن متخرّج من كبرى الجامعات الفرنسيّة، وصغراهم مازالت بعدُ في حضن العائلة.

وأكثر ما يحتفظ به عن طفولته هو جيران الحيّ الذّين كانوا يدفعون أبناءهم إلى ترك مقاعد الدّراسة ويجبرونهم على العمل بحثا عن لقمة العيش في حين كان والداه يحثّانه هو وإخوته وأخواته على التّفوّق الدّراسيّ. وقد تحصّل شقيقه الأكبر سي محمّد على شهادة مهندس فلاحيّ بتفوّق: "في عائلتنا ليست الفلاحة مجرّد نشاط مهنيّ، إنّها تجري مجرى الدّماء في عروقنا".

ولمّا كان الحبيب الجملي يتحلّى منذ صغر سنّه بروح المسؤوليّة فقد ضحّى من أجل عائلته وقرّر أن يختار مسلكا دراسيّا قصيرا للمساعدة على الإيفاء بنفقات العائلة. ورغم أنّ أستاذته في المعهد رفضوا قطعيّا أن يختصر تلميذهم الموهوب والمتفوّق مساره الدّراسيّ فإنّه حملهم على الاقتناع بعد أن وجّه إليهم رسالة توضيحيّة وجلس إليهم لشرح الأسباب فسمحوا له بذلك على أن يعدهم بأن يعود إلى مقاعد الدّراسة متى سمحت له الظّروف.

ووَعْدُ الحُرِّ دَيْنٌ، فها أنّ الحبيب الجملي يحرز شهادة مهندس مساعد مشفوعة بجائزة رئيس الجمهوريّة سنة 1980 ثمّ يختم بعد بضع سنوات مرحلة ثالثة في الاقتصاد الفلاحيّ.

وقد اتّخذ تكوينه بعدين اثنين: فإلى حدّ نهاية المسلك القصير اتّصل الأمر بتكوين فلاحيّ صِرف: " بعد ذلك تحوّلت إلى مسلك الهندسة في الاقتصاد الفلاحيّ: اختصاص في الفلاحة والاقتصاد والماليّة . وفي المرحلة الثّالثة درست الاقتصاد والماليّة بما وجّه تفكيري وجهة جديدة".

وإذ اكتسب تكوينا معمّقا في الفلاحة والاقتصاد والماليّة فقد اشتغل الحبيب الجمليّ في وزارة الفلاحة وفي ديوان الحبوب صلب المصالح التّجاريّة والفنيّة. ثمّ صار بعد ذلك عضوا قارّا في لجنة إعداد المخطّطات الخماسيّة للتّنمية التّي بعثتها الحكومة. "وكنت كذلك عضوا في عديد الشّركات الوطنيّة الفلاحيّة وعضوا في مجالس إدارتها لمدّة 15 عاما. وكنتُ أحمل صفتين في الوقت نفسه: فنيّة وماليّة وهو ما ساعدني كثيرا في مهامّي".

استقال الحبيب الجملي سنة 2001 من القطاع العامّ بنيّة تكوين شركة تجاريّة مرتبطة بالدّولة " كوّنتُ مؤسّسة خاصّة حقّقت لي نجاحات كثيرة ".

تمّ اختياركم سنة 2011 كاتب دولة للفلاحة في حكومة حمّادي الجبالي، فكيف وقع ذلك؟

في 2011 كنتُ في مكتبي ذات يوم أحد، عندما زارني زميل دراسة ليُعلمني بأنّ حمادي الجبالي ذكر اسمي أثناء التّفكير في تشكيل الحكومة الجديدة، وهو أمر فاجأني. وقد فكّر حمّادي الجبالي في شخصي لأنّ بعض ثقاته أشار عليه بذلك. ولكن كان لي في ذلك الوقت التزام أخلاقيّ إزاء المجموعة التّي أشتغل معها. وبعد تفكير وتشاور صلب العائلة التقيت حمّادي الجبالي الذّي أطلعني على استراتيجيّته الحكوميّة . فقد كان يُريد حكومة تضمّ في الآن نفسه تكنوقراط وسياسيّين. وقبلتُ آخر الأمر أن أشارك بوصفي من التّكنوقراط في بناء بلدي، وتمّت تسميتي كاتب دولة للفلاحة.

ما هي الذّكريات التّي تحملونها عن انتمائكم إلى الحكومة؟

كنتُ الوحيد الذّي أتمّ عهدته، فلم يُنهِ بقيّة كتّاب الدّولة المشوار، وعندما دخلتُ الحكومة في خطّة كاتب دولة كان كثير من كبار المسؤولين محلّ رفض من السّياسيّين، فمرحلة ما بعد الثّورة شهدت إعراضا عن رجال السّياسة. بعد ثلاثة أشهر من العمل فهم النّاس أنّني جئت إلى الوزارة لأخدم بلدي لأنّني لم أكن أُعالج إلّا الملفّات التّقنيّة وكنتُ منكبّا على عديد الوضعيّات، وكان لي أمل عريض في قدرتي على تحسين الأمور. يُمكن أن نغيّر عندما نجد مسؤولا يعرف كيف يُجنّد فريق معاونيه.

نحن نشكو من ضعف كبير في الإنتاجيّة بسبب الغيابات والنّقص في تعبئة الموظّفين، وعندما نُعطي المثال ونوفّر الحافز على العمل سيتغيّر ذلك كلّه. أذكر على سبيل المثال أنّ طريقة تسجيل الحضور بالبصمات قد جوبهت بالرّفض في البداية، وعندما طلبتُ تطبيقها داخل الدّيوان الوزاريّ وكنتُ أوّل من يُسجّل حضوره بتلك الطّريقة كلّ صباح كانت هذه البادرة منطلق تغيير في عقليّة الموظّفين .

فإذا أردنا أن نُغيّر الأمور علينا أن نبدأ بأنفسنا. وقد بادرنا كذلك بوضع منوال معلوماتيّ لمتابعة المشاريع العموميّة وهو يحتوي على مؤشّرات لمعايرة كلّ مشروع مع المسؤولين الجهويّين والوحدات المركزيّة ، وقد أقحمناهم في عمليّات المتابعة، وكان يُعقد اجتماع شهريّ مع جميع المديرين العامّين، وقد مكّن هذا الأمر من تمييز النّاشطين والفاعلين منهم من غير الفاعلين. وقد فكّرنا كذلك في إدماج المديرين المساعدين في هذا البرنامج لنخلق لديهم شعورا بالانتماء.

كيف أمكن أن تكون لهذه الإصلاحات آثار ملموسة على النّشاط الفلاحيّ في تونس؟

لقد صرنا نتحكّم في الانتاج على نحو أفضل، فالوزارة لا تُنتج وإنّما تُخطّط وتُوجّه، فعلى سبيل المثال:  يُوضع مشكل ارتفاع الأسعار على كاهل مسالك التّوزيع، في حين أنّه عامل من عوامل الارتفاع. أمّا المشكل الرّئيسيّ فهو سوء التّخطيط لإنتاج الطّماطم والبطاطا وغيرها. فدور الإدارة من خلال المندوبيّات الجهويّة للتّنمية الفلاحيّة وجماعات الضّغط والمنظّمات هو أن تُحدّد المساحات الدّنيا لزراعة البطاطا على نحو مطابق للإنتاج الوطنيّ الذّي يُناهز 18 ألف طن، فإذا أنتجنا كميّة أقل سيكون هناك نقص في الأسواق وإذا أنتجنا كميّة أكثر سيتسبّب ذلك في انهيار الأسعار .

وهو يُرافقنا إلى الباب أسرّ لنا الحبيب الجملي أنّه ينوي أن يدمج أساسا المرأة والشّباب قي الحكومة القادمة.

أجرى هذا الحوار الهادي الباهي وفاطمة الهنتاتي

قراءة الحوار باللغة الفرنسية

في حديث حصري لليدرز: الحبيب الجملي يعرض منهجيته في تشكيل الحكومة ويكشف عن جوانب من حياته ومسيرته

الحبيب الجملي يقول في حديث حصري لليدرز: سأسعى إلى النجاح في مهمّتي

Habib Jemli, vie et défis : retour sur ses origines, sa famille et son parcours


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.