عادل الأحمر: نقاطع وإلا ما نقا طعشي؟
جمعتني ذات يوم شيشة وقهوة عربي، بعشيري ورفيق دربي، خوكم العيّاش، إلّي الدنيا بلاش بيه ما تحلاش، فتبادلنا أطراف الكلام، بعيدا عن الضوضاء والزّحام.
وتناولت المحادثة، كما يقولون في البيانات الصحافية الرسمية، أحوال البلاد من سياسية واقتصادية. كما استعرض الطرفان شؤون الحي، فلم بسلم من ترييشهما لا ميّت لا حي. وأفضى الحديث إلى اتفاق طرفي الحوار، على أنّ الدنيا شاعلة فيها النار، ويا حليل الزوالي من غلاء الأسعار! وكاد الاجتماع أن ينتهي بسلام، متوّجا باتفاق تامّ، لولا أنّي ارتكبت هفوة ديبلوماسية، ضربت توافقنا ضربة قوية.
وكل ما في الأمر أني استأذنت صديقي الصدوق، الانصراف إلى السوق، لشراء كيلو بطاطا أوصت به «المادام»، وهي في انتظاري لإعداد الطعام. وما إن نطقت بكلمة «البطاطا» المحنونة، حتى فوجئت من العيّاش بهجمة مجنونة: «أتشتري البطاطا ولا تبالي، وهي بذلك السعر الخيالي؟ ألا تخجل يا رجل، وأنت كمستهلك بيدك الحل؟». قلت: «وما الحل قل لي براس بوك؟»، فأجابني: «ألم تسمع بحملة مقاطعة البطاطة على الفايسبوك؟». قلت: «والله لقد طلقت الفايسبوك من شهور، لما رأيت فيه من كذب وانحطاطا أخلاق وفجور». قال العياش: «اعلم أن البطاطة والموز على حدّ سواء، موضوعان على قائمة سوداء، في نطاق حملة مقاطعة شعبية، تطال كل سلعة تتحدى أسعارها طاقة المواطن الشرائية. وذلك عقابا للمستكرشين، من وسطاء ومضاربين. والدور آت على سلع أخر، إن هي اختارت الكر بدل الفر». وبعد أن استمعت إلى العياش بكل اهتمام، قلت له: «شكرا يا صديقي الهمام، هذه الفكرة تمام التمام، لكن أنا لي مع زوجتي التزام، ولا بد أن أعود إلى البيت بالبطاطة، وإلا ترصّي لي بقية نهاري سلاطة، فاذهب أنت وشأنك، وقاطع ما بدا لك». ولما سمع مني العياش هذه الكلمات، نعتني بأخيب النعوت والصّفات، ومنها أني متخاذل جبان، وأستحق ما أعانيه من استغلال وهوان، من قبل سماسرة السوق والمحتكرين، وكلّ من يمتص دم المواطنين.
تركت العيّاش وهو هائض وذهبت في سبيل حالي، لكنني فوجئت بعد أيّام إذ رأيته عائدا إلى بيته وهو في قفة يكالي. ولما اقتربت منه لاحظت من جملة ما رأيت من خضر وغلال فاضت بها القفة، أنّ البطاطا والموز غير غائبين عن الزفة. ففاجأته بالسلام، وبادرته بالكلام: «أهلا بنصير المقاطعة! يبدو أنّك أعلنت مع البطاطا والموز المصالحة، أيّه مبروك عليك يا صديقي الهمام، تجدد الصحبة وتوقيع السلام».
احمرّ وجه العياش ثمّ مرّ بكلّ الألوان، قبل أن يواجه صاحبي الموقف بكل اتزان: «باهي يا سيدي هاك شكبّت عليّ، آما تحبّ الحقّ راهي المقاطعة عملت فيّ! قالوا: «قاطع البطاطا» قاطعت البطاطا، وقعدت بلا كفتاجي ولا سلاطة. قالوا: «قاطع الموز» فسمعت الكلام لكن قعدت من فراقو منبوز. قالوا: «قاطع الزڤوڤو والفاكية» فودعتهما بعيون باكية. ثم انتقلوا إلى الفلفل والطماطم والبصل، فصحت: «لا عاد! هذا موش حلّ! إمّاله نمشي ناكل الظلف، كيف ما قال هاك المرة نائب برلماني مهف!»... ومن وقتها بعثت المقاطعة تقضي، ورجعت للمرشي نقضي».
على هذه الكلمات العصماء، حمل العيّاش قفّته وذاب كي الملحة في الماء، تاركا إياي أكلّم نفسي وأنا أمـشي: «زعمة نقــاطع وإلا ما نقاطعشي؟»..
عادل الأحمر
- اكتب تعليق
- تعليق