محجوب الجلاصي: الحماية القانونية لكبار السنّ في تونس
لقد عملت البلاد التونسية منذ الاستقلال على إرساء ثوابت قانونية هامة لحماية كبار السنخاصة منهم فاقدي السندوذلك من خلال العمل على تطوير التشريعات الخاصة بهم قصد ملاءمتها مع التطور المجتمعي والمواثيق الدولية في هذا المجال.
وقد تأكد هذا التمشيمع صدور القانون عدد 114 لسنة 1994 المؤرخ في 31 أكتوبر 1994 المتعلّق بحماية المسنين الذي يعتبر مكسبا هاما لفائدة هذه الشريحة من المجتمع، وقد ورد في مداولات مجلس النواب أثناء مناقشته أن الدولة تسعى"إلى حماية الفئات الضعيفة من المجتمع وتلبية حاجياتها الخصوصية وجعلها تمارس مواطنتها في ظل احترام المجتمع لها وفي كنف الحفاظ على كرامتها".
ويتضمن القانون المذكورعدّةمبادئ وأهداف تلتزم الدولة بالعمل على تحقيقها من خلال سياساتها الوطنية،ومن بين تلك الأهداف يمكن أن نذكر:
- حماية صحة المسنين وضمان كرامتهم وذلك بمساعدتهم على مجابهة الصعوبات التي تعترضهم في حياتهم اليومية بحكم تقدمهم في السن.
- مساعدتهم على معرفة حقوقهم وتقديم المعونة اللازمة لهم لتمكينهم من ممارستها والانتفاع بها.
- تشجيع البحوث والدراسات حول المظاهر الفردية والجماعية للتشيّخ والوسائل الكفيلة بتحقيق حماية المسنين ورفاههم.
- مساعدتهم على المشاركة بصفة فعلية في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والرياضية والترفيهية.
- اتخاذ الإجراءات الملائمة قصد تمكين المسن من التسهيلات اللازمة فيما يتعلق بالتداوي والسكن والنقل العمومي والخدمات الإدارية والمشاركة في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية.
وبالإضافة إلى ذلك أتاح القانون للمسنينإمكانية الانتفاع في مقر إقامتهم بخدمات اجتماعية وصحية سعيا لإبقائهم في محيطهم الطبيعي،كما أنه لا يتمّ اللجوء إلى الإيواء بمؤسسات رعاية المسنين إلا عند الضرورة وفي حالة عدم توفّر بديل لذلك ووفقا لشروط يتم ضبطها بأمر.
أما فيما يتعلق بشروط وتراتيب تكفل الأسر بالمسنين فاقدي السند فقد صدر الأمر عدد 1016 المؤرخ في 27 ماي 1996 الذي أرسى بعض القواعد الهامة التي لا بد من احترامها تتمثل خاصة فيما يلي:
- لا يتم ايداع المسن الفاقد للسند العائلي إلا بطلب منه أو بموافقته.
- يجب أن يكون المسن الذي تم التكفل به سليما من كلّ مرض معد أو عقلي من شأنه أن يشكل تهديدا لسلامته أو خطرا أو إزعاجا لأفراد العائلة الكافلة ويقع إعداد تقرير طبي في الغرض.
- أما بالنسبة للعائلة الكافلة فلا بد أن تتوفر فيها الشروط التالية:
- اتفاق الزوجين على قبول المسن.
- عدم التكفل بأكثر من مسنين اثنين
- توفر المسكن الملائم الذي يشتمل على المرافق الأساسية الضرورية لاستقبال المسن.
- توفر دخل شهري قار للعائلة المعنية لا يقل عن مستوى الأجر الأدنى المضمون.
- أن يكون أفراد العائلة معروفين بأخلاقهم الحميدة.
- خلو جميع أفراد العائلة من كل مرض معد أو عقلي من شأنه أن يشكل خطرا أو إزعاجا للمسن.
وقد أضاف الفصل 5 من الأمر المذكور أنّالعائلة الكافلة تلتزم بتوفير الحاجات الأساسية للمسن وحسن معاملته حسب ما يقتضيه العرف.
ويتولى أعوان الخدمة الاجتماعية التابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية مراقبة وضعية المسن داخل الأسرة.كما يمكن أن يوضع حدّ للتكفل من قبل اللجنة المختصة التابعة للمجلس الجهوي بطلب من المسن أو من العائلة الكافلة أو من أعوان الخدمة الاجتماعية المكلفين بالمراقبة، وذلك بعد فشل المحاولة الصلحية التي تقوم بها مصالح الإدارة الجهوية للشؤون الاجتماعية المختصة ترابيا. ويمكن أيضا للوالي في الحالات الاستعجالية أن يقوم فورا بوضع حدّ للتكفل بصفة وقتية ويقوم بإحالة الملف إلى اللجنة المختصة التابعة للمجلس الجهوي للبت في الموضوع.
أما عن مؤسسات رعاية المسنين فقد وقع تنظيم شروط الإيواء بها بمقتضى الأمر عدد 1017 المؤرخ في 27 ماي 1996 الذي أوضح أنّهذه المؤسسات تستقبل كلّ مسن يشكو من عجز بدني يمنعه من القيام بشؤونه الحياتية بنفسه وفاقدا لسند يسهر على خدمته.كما يجب أن يكون المسن سليما من كل مرض معد أو عقلي من شأنه أن بشكل تهديدا لسلامته أو خطرا أو إزعاجا لبقية المسنين المقيمين بالمؤسسة.
وأضاف هذا الأمر أنه لا يمكن قبول المسن بمؤسسة الرعاية بدون رضاه، كما يمكن أنّيتمّ خروج المسنّ من المؤسسة بطلب منه أو عند الاقتضاء بطلب من ممثلهالشرعي أو من السلطة المؤهلة.
وفي إطار تدعيم السياسة الحمائية للمسنين يمنع هذا الأمر تكليف المسن بالأعمال الموكولة لأعوان المؤسسة ويقتصر نشاطه على القيام بالأعمال الترفيهية والتنشيطية في حدود ما تسمح به قدراته البدنية وحالته الصحية.
وبالإضافة إلى هذا الأمر صدرقرار وزير الشؤون الاجتماعية المؤرخ في 12 فيفري 2001 المتعلق بالمصادقة على كراس الشروط الخاص بضبط شروط إحداث وتسيير مؤسسات رعاية المسنين وقد فرضت في كراس الشروط المذكورة قواعد حمائية هامة لفائدة المسنين يجب على مؤسسات الرعاية احترامها ومن ذلك نذكر ما يلي:
- يجب أن تتواجد مؤسسة رعاية المسنين في موقع مناسب يجنّب المسنين العزلة وييسّر اندماجهم في الحياة الجماعية ويتعيّن أن تتواجد مؤسسة رعاية المسنين بعيدا عن مناطق الضجيج.
- على مؤسسة رعاية المسنين توفير قواعد الصحة والسلامة وتيسير تنقّل المسنين المقيمين طبقا للتشاريع والتراتيب الجاري بها العمل.
- يتعيّن على صاحب المشروع تأمين المقيمين ضد الأخطار والحوادث التي قد يتعرضون لها.
- كما يتعين أن تكون مؤسسة رعاية المسنين محمية بسياج.
- تحدد طاقة الاستيعاب القصوى بكلّ غرفة من غرف مؤسسة رعاية المسنين ب 4 أسرّة.
- يجب أن توفر المؤسسة سيارة تخصص لنقل المسن عند الاقتضاء في الحالات الاستعجالية أو إبرام عقد مع مؤسسة خاصة للنقل الصحي مرخص لها من قبل وزارة الصحة.
- يشترط أن يكون المدير متحصلا على شهادة جامعية ذات صبغة اجتماعية أو تربوية أو طبية تعادل على الأقل سنتين من التعليم العالي وأن تتوفر لديه تجربة كافية في مجال الرعاية الاجتماعية.
وبالإضافة إلى ذلك فقد صدرت عدة قرارات أخرى تعمل على تدعيم الحماية التشريعية لكبار السن ومن بينها يمكن أن نذكر:
- قرار وزيري الشؤون الاجتماعية والمالية المؤرخ في 8 أكتوبر 1997 المتعلق بضبط تراتيب تحمل المسن لمصاريف الإقامة بمؤسسات رعاية المسنين العمومية أو الخاصة التي تتمتع بإعانات من الدولة.
- قرار وزير الشؤون الاجتماعية المؤرخ في 30 ديسمبر 1997 المتعلق بتحديد مقدار المساعدة المادية المسندة للأسر الكافلة للمسن المعوز وشروط الانتفاع بها
- قرار وزيرة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والمسنين المؤرخ في 24 جوان 2010 المتعلق بتحديد مقدار الإعانة المالية المسندة للأشخاص المسنين المعوزين وشروط الانتفاع بها.
وأمام تعدد النصوص القانونية وتشتتها، تعمل وزارة المرأة والأسرة والطفولة على تجميعها وتحيينها بما يتلاءم مع التطورات الاجتماعية الحاصلة، وذلك من خلال إعدادها لمشروع "مجلة حماية كبار السن".
إلا أنه رغم كل هذه التشريعات الهامة في مجال حماية المسنين بتونس إلا أن هذه الحماية أصبحت اليوم منقوصة باعتبار تزايد عدد المسنين من سنة الى أخرى،وتشير معطيات المعهد الوطني للإحصاء وإدارة رعاية المسنين بوزارة المرأة والأسرة والطفولة إلى أن نسبة المسنين من المنتظر أن تصل إلى 17.7 بالمائة من مجموع السكان سنة 2025 و20.9 بالمائة سنة 2034، وأمام هذا الارتفاع أصبحت مراكز رعاية المسنين تعاني من الاكتظاظ كما ارتفع عدد المسجلين في قائمة الانتظار وأصبحت هذه المراكز عاجزة عن استيعاب العدد الكبير من كبار السن الوافدين عليها، وبالتالي أصبحنا نشاهد عددا هاما من المسنين من فاقدي السند مشرّدين في الشوارع.
كما أنه رغم التشريعات الكثيرة فإنّ كبار السن لا يزالون إلى اليوم غير متمتعين ببعض الخدمات الهامة ومنها مثلا الاستعمال المجاني لوسائل النقل العمومية أو اعتماد تعريفة منخفضة، بالإضافة إلى عدم اعطائهم الأولوية في الحصول على الخدمات الاجتماعية والصحية وكذلك عدم الاستفادة من خبراتهم في عديد الميادين رغم مجهودات وزارة المرأة والأسرة والطفولة والمسنين في هذا الإطار من خلال وضعها لقاعدة بيانات خاصة على موقعها الالكتروني ليسجل فيه كل المسنين الراغبين في وضع خبراتهم على ذمة الدولة.
أما من الناحية الصحية فتشير إحدى الدراسات للدكتور سعيد الحجام المختص في طب الشيخوخة بأن ثلث المسنين في تونس يعانون من ارتفاع ضغط الدم وعشرهم مصابون بالسكري و21 بالمائة منهم يتألمون في صمت وغارقون في الاكتئاب. وتمتد قائمة أسماء العلل التي تنغص حياة كبار السن في تونس لتشمل أمراض هشاشة العظام وأمراض العيون لا سيما التكثف في عدسة العين، وأنواعا من السرطانات منها سرطان القولون. وهو ما يستوجب مزيد توسيع اختصاصات طب الشيخوخة الذي يعتبر اختصاصا حديث العهد في تونس.
ويقترح المعهد الوطني للصحة العمومية في بحوثه ضرورة تطوير عدد العاملين المختصين من إطار طبي وشبه طبي وأعوان الرعاية في مجال طب الشيخوخة ورعاية كبار السن، وتكوين المختصين في رعاية المسنين بمنازلهم إضافة إلى أهمية انخراط المستثمرين الخواص في بعث مشاريع، وتوفير دور للمسنين.
كما يعتبر بعض المختصين في شؤون المسنين أنّ من بين أسباب الاشكاليات التي لا يزال يعاني منها كبار السن في تونس هو أنّ التشريعات غير مفعّلة ولا توجد دراسات دقيقة حول وضعية المسنينبتونس. وفي هذا الإطار، جاء في إحدى التصريحات لرئيس الجمعية التونسية لكفاءات المتقاعدين والمسنين أنّ "القانون القديم الذي سنّ عام 1994 يتضمن عدّة فصول تضمن حقوق المسنين سواء في دور الرعاية ودور المسنين أو ممن ما زالوا تحت رعاية أسرهم. لكنّ المشكلة تتمثل في عدم تفعيل القانون على أرض الواقع، بالإضافة إلى غياب دراسات تخص المسنين أو مندوبيات جهوية (دوائر تابعة للمناطق) تتلقى الإشعارات عن وضعية كبار السن، أو ما يتعرّضون له على غرار مندوبيات حماية الطفولة".
محجوب الجلاصي
مستشار بمجلس نواب الشعب
- اكتب تعليق
- تعليق