أخبار - 2019.10.25

عامر بوعزة: أنا سعيد، لكنني لست بمتفائل!

عامر بوعزة: أنا سعيد، لكنني لست بمتفائل!

وراء هذه المفارقة أسباب كثيرة، فانتفاضة الوعي التي غمرت الشباب في أعقاب الانتخابات الرئاسية مثلا وألقت بهم في الشوارع فجأة ليزيلوا عنها ما تراكم من أوساخ ويضفوا عليها ألوان البهجة والفرح،انتفاضة إيجابية تبعث على السعادة، لكن إن هي إلا حالة ظرفية وليست بعصا سحرية ستمنع التعدي على الممتلكات العامة وتجتثّ العنف والأنانية اللذين تقتات منهما كل مظاهر الإهمال اليومية!

نحن سعداء أيضا بنجاح التجربة الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، لكننا لسنا متفائلين بقدرة التشكيلة الحكومية المقبلة على الخروج بالوضع الاقتصادي من عنق الزجاجة، فمؤشرات المخاض تبعث على التشاؤم، ولا غرابة أن يسعى البعض سعيا إلى أن تكون السنوات الخمس المقبلة سنوات عجافا حتى يمهد الأرض المحروقة لعودته المظفرة!

ولا شك أنّ صعود قيس سعيّد إلى سدّة الحكم في الانتخابات الرئاسية يفتح أبواب الأمل على مصراعيها ويشعرك بأن قصر قرطاج لم يعد حكرا على فئة دون غيرها من أبناء هذا الشعب وأن الديمقراطية النزيهة يمكن أن تفضي أخيرا إلى تغيير ملموس، لكن سرعان ما تنتابك هواجس حقيقية حول قدرة هذا الوافد الجديد إلى عالم السياسة على تجسيد أحلامه في أرض الواقع، لا سيما أن كل القرارات التي يمكن أن تغير حياة الناس تغييرا إيجابيا لا بدّ أن تكون صادرة عن القصبة بمباركة من مجلس نواب الشعب!

ثم انظر حولك إلى حرية التعبير التي ينعم بها التونسيون أليست سببا كافيا لجعلك تشعر بالسعادة؟ فالمنابر التلفزيونية التي تناقش الشأن السياسي والتي أصبحت بمثابة الخبز اليومي كانت حتى وقت قريب بمثابة الحلم، لكن دقق النظر مليا في هذه البرامج المتشابهة وانظر كيف أصبحت سببا رئيسا في تعميق الشروخ وتجذير الكراهية، إلى الحدّ الذي جعل البعض من الفائزين في الانتخابات التشريعية يعمدون إلى استحضار سردية الحرب الأهلية في رواندا وكيف اندلعت بسبب تحريض إحدى الإذاعات؟ألا يبعث على التشاؤم ما ينطوي عليههذا الموقف من تهديد مبطنلا يخفى على كل ذي عقل حصيف؟!

الحالة التونسية إذا نظرت إليها عن بعد، تجعلك تشعر بالسعادة والانشراح، ولديك كل الأسباب التي تبرّر زهوك أمام العرب الآخرين الذين جعلت الثورات حياتهم جحيما، لكنك عن قرب لن تتفاءل عندما تقيس المسافة التي تفصلنا عن الشعوب الأخرى حتى تلك التي تعيش خانعة في ظل أنظمة نراها نحن بمناظيرنا أنظمة مستبدة، ستعاين آنذاك الفروق الحقيقية بين التغني بحقوق الإنسان والتمتع بها حقا، إذ تمنحك الديمقراطية مساحات شاسعة للتعبير عن حقك في الحياة الكريمة لكنها لا تستطيع أن توفر لك مقعدا في القطار يضمن لك فعلا كرامتك ويميزك عن البهائم التي يزج بها في العربات زجا لنقلها من ضيعة إلى أخرى....

عامر بوعزة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.