أخبار - 2019.10.26

كيـف تعـاملت الدولة التـونسية مع ذوي الاحتياجات الخصوصيّة من منتصف القرن التاسع عشر إلى ثمانينات القرن العشرين؟

كيـف تعـاملت الدولة التـونسية مع ذوي الاحتياجات الخصوصيّة من منتصف القرن التاسع عشر إلى ثمانينات القرن العشرين؟

حسب التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014 بلغ عدد الحاملين لبطاقة معوق فى تونس 237 ألف شخص. وقد تطوّرت نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة فى تونس من 1.5 % سنة 2004 إلى 2.2 % من السكان سنة 2014 موزّعين كالآتي: 43.9% إعاقة عضوية و 28.3 إعاقة ذهنية و11.7% إعاقة سمعية و 10.7% إعاقة بصريّة و 5.1 % من متعدّدي الإعاقات. أمّا توزيع ذوى الإعاقة حسب الفئات العمرية فإنّ نسبة الأطفال الأقل من 14 سنة لا تتجاوز 0.71% بينما تصل إلى 3% بالنسبة إلى الفئة العمرية من 15 إلى 59 سنة و 8% بالنسبة إلى الفئة التي تتجاوز 60 سنة...

ولنا أن نتساءل كيف تعاملت الدولة التونسية مع ذوي الاحتياجات الخصوصية قبيل فترة الحماية ومنذ الاستقلال إلى غاية ثمانينات القرن الماضي؟

وضعية مزرية منذ الفترة الحديثة إلى نهاية الفترة الاستعمارية

بحكم التخلف التقني والطبي كانت الأوضاع الصحية للمجتمع التونسي جدّ متردّية لكثرة انتشار الأوبئة والآفات الطبيعية كالكوليرا والأوبئة بمختلف أصنافها والرمد وحمّى التعفّن... كما ساهمت كثرة الزيجات من نفس العائلة في تسجيل إعاقات كبرى لدى الناشئة...وفي غياب الأدوية والتلاقيح وقلّة الأطباء والمستشفيات بالمملكة التونسية أحدثت السلطات بعض المارستانات بالحاضرة وكبرى المدن مثل القيروان وصفاقس وسوسة...وتأسّس عدد من المستشفيات العصرية كالمستشفى الصادقي سنة 1875 (عزيزة عثمانة اليوم)...من طرف خير الدين الذي أوكل مهمة بعثه وإدارته لرئيس جمعية الأوقاف، المصلح محمّد بيرم الخامس...)، وعمل بها ممرّضون وأطباء أجانب غير أنّ مئات الأطفال والشبان والكهول والشيوخ كانوا يقضون حتفهم يوميا. لكلّ ذلك كانت نسبة وفيات الرضّع مرتفعة وأمل الحياة عند الولادة جدّ منخفض. ومن لم يقضَ من بين هؤلاء فإنّ الأمراض والأوبئة تخلّف لديهم إعاقات عضوية وبصرية وسمعية وذهنية كبرى.

ولم تكن توجد بتونس قبل الحماية الفرنسية مؤسّسات لاحتضان هؤلاء والمتقدمين في السنّ ورعايتهم غير «التكايا» (في القاموس العربي التكية وجمعها تَكايا ويقال قَضَى آخِرَ حَياتِه في تَكِيَّةٍ، أي في مَلْجَإٍ لِلْعَجَزَةِ والْمُعْوِزينَ أوِ الْمُتَصَوِّفَةِ...)، سواء بالإيواء والإقامة الظرفية والدائمة أو الإحاطة بالحصول على الغذاء واللباس والدواء والمساعدة المادية وكانت تشرف على هذه التكايا الزوايا والطرق الصوفية وينفق عليها من عائدات الأحباس ومداخيل الزوايا والهبات الخاصّة وقد ظلت الأوضاع كما هي عليها إلى غاية الحماية الفرنسية.

تدشين مأوى التكيّة (20 مارس 1906) منذ إحداث جمعية الأوقاف على يد الوزير المصلح خير الدين التونسي سنة 1874 أصبحت التكايا وكل المرافق الاجتماعية التي تعيش من الأحباس من مشمولات هذه الجمعية الرسمية. وفي 20 مارس 1906 دشّنت الجمعية مقرّها الجديد بالمدينة العتيقة. وبهذه المناسبة ألقى زعيم حركة الشباب التونسي ورئيس جمعية الأوقاف، البشير صفر خطابا انتقد فيه أوضاع التّونسيّين البائسة وتدهور أحوالهم المادّيّة منذ انتصاب الحماية وعــــرض مطالبهم بكلّ دقة وجرأة بحضور المقيم العام الفرنسي بتونس المعتدل والمتفهّم لأوضـــاع التّـــونسيّين «ستيفـــان بيشون» (1901-1907 Stephan Pichon)... غير أنّ المعمّرين وغلاة الاستعمار من «المتفوقين» انتهزوا الفرصة لشنّ حملة لا هوادة فيها على المقيم العام الذي سرعان ما أطاحوا به.

وقد تواصلت الأمور كما هي عليه زمن الحماية حيث لم تقم السلطات الفرنسية ببعث مؤسّسات وجمعيات تعنى بذوي الاحتياجات الخصوصية واقتصر الأمر على بعض الجمعيات الفرنسية التي كانت لها فروع في كلّ من الجزائر وتونس والمغرب خاصّة بالكفيف أو خاصة بالأمراض السارية والمعدية والوراثية التي تخلّف إعاقات أو على جمعيات تُعنى بجرحى ومعاقي الحربين العالميتين الأولى والثانية. لكنّ هذه الجمعيات وفي مقدّمتها جمعية «Valentin Haüy» لم تكن تعتني إلا بالأوروبيّين، فيما يترك الكفيف أو المعوق التونسي بمختلف أنواع إعاقته لمصيره. وفي ظل هذا الوضع المزري كان الآلاف من فاقدي وضعاف البصر من الأطفال، بالأوساط الميسورة يُحبسون داخل البيوت ولا يتلقّون تعليما بالمرّة.

أمّا أبناء الفقراء منهم فكانوا بعد الكبر يوجّههم أولياؤهم للتسوّل أو لحفظ القرآن لتعليمه لاحقا للصبيان أو قراءته على الموتى في الدور والمقابر: ونادرا ما يتخصّص منهم في العزف أو الإنشاد الصوفي. وقد حزّت هذه الوضعية الكارثية في نفسية أحد المعلمين المتربصين من خرّيجي جامع الزيتونة بالمدرسة العربية- الفرنسية برأس الجبل منذ الأيام الأولى للتدريس في مطلع السنة الدراسية 1951 - 1952، المربي محمّد الراجحي (من مواليد 11 جوان 1925 بمعقل الزعيم) من خلال شقيقين من ضعاف البصر رفض مدير المدرسة الفرنسي السماح لهما بالدراسة بتعلة أنّ القوانين الفرنسية تمنع ذلك لكونهما معوقين « Invalides» ولا بدّ أن يزاولا دراستهما بمدرسة مختصّة. وفي العطلة الصيفية بدأ اتصالاته بالعاصمة بالسلطات وبمراسلة جمعيات مختصّة في فرنسا ودول أوروبا... للتعرّف على الأبجدية النقطية المعروفة بمنظومة لوي براي. وقد تلقى وثائق ونشريات في الغرض من فرنسا وسويسرا... ليشرع منذ السنة الموالية في تدريب المكفوفين على حذقها وتعلّمها باللغتين العربية والفرنسية لأول مرّة بتونس منذ سنة 1952 بمدرسته الجديدة الكائنة بنهج الدبدابة بدار الجلد بالحاضرة رغم كثرة الصعوبات والعراقيل التي وضعتها أمامه السلطات الفرنسية ودشّنها مدير التعليم العمومي الفرنسي «لوسيان باي «Lucien Paye» بنفسه. وفي سنة 1953 أسّس «جمعية الطالب المكفوف» لجمع شتات الطلبة المكفوفين بالجامعة الزيتونية وأدرج في سنة 1954 الاعتماد على النفس تحت عنوان «إرفَعْ رأسك أخي الكفيف» نظرا لكثرتهم (حوالي 200.000 شخص) وقد لقي الدعم من قبل عميد الصحفيّين الهادي العبيدي والعروسي المطوي والطالب بالزيتونة أحمد الحمداني المطوي... وأسّست الجمعية فرعا لها بصفاقس.

حكومة الاستقلال تهتمّ بذوي الاحتياجات الخصوصية

أولت حكومة الاستقلال اهتماما بأوضاع ذوي الاحتياجــات الخــاصّة ولا سيّما المكفوفين وقد تأسّس الاتحاد القومي للمكفوفين في  25 ديسمبر 1956 (الاتحاد الوطني للمكفوفين اليوم) بجهود من الأستاذ محمد الراجحي وحماسة العديد من رجال الفكر والمواطنين الوطنيّين ومُنحت له المصلحة القومية بمقتضى الأمر عدد 63 المؤرّخ في 25 جانفي 1961. ومن مهام الاتحاد تقديم الإعانة لجميع الأشخاص المقيمين بالبلاد التونسية المصابين بفقدان البصر كليا أو جزئيا دون تمييز والبحث عن الوسائل التي من شأنها أن توفّر لهم الشغل والثقافة وتنشئ لهم إن اقتضى الحال المؤسّسات اللازمة لهذا الغرض. ويتولّى الاتحاد تمثيل المكفوفين لدى السلط العمومية ولدى المؤسّسات الخاصّة ويعمل على ربط الصلة بالمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية ذات الأهداف المشتركة.

وفي سنة 1962 نجح الاتحاد بفضل أمينه العام (بين 25 ديسمبر 1956 ونهاية سنة 1981) في تحقيق عديد الإنجازات تمثّلت في إحداث معهد النور للمكفوفين ببئر القصعة سنة 1962 وتخطيط وتنفيذ بناء معهد الكفيف بسوسة المتخصّص في التعليم الثانوي والتقني للمكفوفين سنة 1963 وتأسيس المطبعة الخاصّة بالأبجدية النقطية للخط البارز التي ساعدت على نشر الكتب المدرسية والخرائط الجغرافية البارزة سنة 1962 وإعداد الملتقى الإفريقي للنهوض بالمكفوفين بتونس تحت إشراف الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1963 علاوة على تأسيس المركز النموذجي للتأهيل المهني الزراعي للمكفوفين بسيدي ثابت سنة 1968 كما تمّ تنظيم المؤتمر الدولي لتأهيل وإدماج المعوقين بتونس تحت إشراف الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1966 وتأسيس المدرسة العليا للعلاج الطبيعي للمكفوفين سنة 1969  وتأسيس المدرسة العليا للترجمة الفورية والنقل للمكفوفين وإعداد المؤتمر الأوروبي – الإفريقي للتعاون بإشراف الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1973 وبعث المركز العربي للبحوث الإفريقية وإعداد الإطارات العليا المتخصّصة في إدارة المشاريع والنهوض بالمعوقين سنة 1974 وطبع القرآن الكريم ونشره بطريقة البراي لأول مرّة في العالم العربي والإسلامي سنة 1975 وتمّ كذلك تأسيس الأكاديمية القومية لعلوم والتكنولوجيا للمكفوفين بناءً وتجهيزا بتونس سنة 1981 وتأسيس المصحّة المتنقلة للوقاية من أمراض العيون داخل الجمهورية سنة 1981. وأمام هذا التحوّل النوعي والإشعاع لتونس، قرّر الرئيس الحبيب بورقيبة تكليف السيّد محمّد الراجحي (الخبير الدولي في لغة براي في 14 دولة) بخطّة مستشار له بالديوان الرئاسي طيلة خمس سنوات مكلّفا بشؤون الكفيف وذوي الاحتياجات الخصوصية. كما أصبحت للاتحاد فروع جهوية لها بدورها فروع محلية تكون جميعها ملزمة بالعمل بما جاء بالنظام الأساسي للاتحاد. وللاتحاد وحدتا مواد التنظيف والفلاحة بسيدي ثابت ومدرسة العلاج الطبيعي للمكفوفين والجمعية التنموية للاتحاد الوطني للمكفوفين التي أحدثت في سنة 2001. كما تمتّع الاتحاد بأولوية ترويج منتوجاته للإدارات والمؤسّسات العمومية، ما لم تتجاوز أسعارها أسعار بقية المنافسين بنسبة 20 %. وكان الحبيب بورقيبة منذ أن كان رئيسا للحكومة يشرف بنفسه على كلّ تظاهرات الاتحاد القومي للمكفوفين وندواته ومؤتمراته ويلقي كلمة بالمناسبة خطبا وكان يتحوّل بنفسه إلى مدرسة بئر القصعة ويلقي كلمة بمناسبة تدشين مبنى أو مطبعة أو مركز جديد... ويستقبل أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد في أعقاب كل مؤتمر يعقده.  كما تمّ إقرار برامج وحملات وطنية من أهمّها: الحملة الوطنية لمقاومة الرمد ومشروع العصا البيضاء والاحتفال باليوم العالمي للعصا البيضاء يوم 15 أكتوبر من كلّ سنة وإصدار طابع بريدي في الغرض تعود مداخيله للاتحاد القومي للمكفوفين ...وباعتبارها إحدى مفاخر تونس استقبلت مدرسة النور ببئر القصعة جلّ الملوك والرؤساء الذين كانوا يزورون تونس ولنا في السيّد بديع زينون (كفيف لبناني شهير بكتاباته وعمله الاجتماعي لفائدة المكفوفين في العالم العربي) خير شهادة إذ كتب عن فترة دراسته بتونس قائلا: «... لم يكن الحال على هذا المنوال عندما مكثت في تونس للدراسة لمدّة سنتين بين العامين 84 - 85 حيث كنت أتجوّل وحدي دون أي خوف في شوارعها وأركب وحدي في حافلاتها ممتشقا عصاي البيضاء، فالناس في تلك البلاد منشئين منذ الصغر على احترام الكفيف وعصاه البيضاء فعلى سبيل المثال عندما أرفع عصاي البيضاء لقطع الطريق فإنّ كافة السيارات التي تسير في الشارع تقف حتّى أمرّ وإن ركبت الحافلة وحدي ينهض أكثر من راكب حتّى أجلس مع أنّ هناك أربعة مقاعد أمامية مخصّصة للمعاقين. وإن دخلت إلى مصرف أو مخزن كبير للبيـــع المعــروف عندنا بـ (Super market) منفردا، يأتي أيّ موظف ليقول إسمي فلان، هل تريد أيّة مساعدة؟ الحقيقة أنّ كلّ الناس من صغيرهم إلى كبيرهم يحاورونك عندما يرونك منفردا في الطريق في تلك البلاد على ما رأيته في ذلك الزمان، ليت هذا يحصل عندنا !».

الجمعية التونسية لمقاومة العمى

أسّسها الدكتور الهادي الرايس (1909 - 1974) منذ 1956 وبعث مستشفى خاصّا بأمراض العيون بباب سعدون يحمل اليوم اسمه. ونتيجة لذلك أصبحت تونس قبلة للكفيف من دول عربية وافريقية مجاورة لمزاولة تعليمهم الثانوي والعالي.

الجمعية التونسية لمساعدة الصمّ: وهي جمعية خيرية إنسانية إسعافية ذات صبغة مجانية تُعنى بالأطفال الصمّ من الولادة إلى التشغيل. وقد تأسّست سنة 1970 وبعثت فروعها بالعديد من جهات البلاد نذكر من بينها فرع صفاقس سنة 1974 وفرع سوسة سنة 1980.

الاتحاد التونسي لمساعدة القاصرين ذهنيا: وهي جمعية لا تستهدف الربح وذات طابع اجتماعي، تأسّست في سنة 1967 ومن بين أهدافها المساهمة في التوقّع الأوّلي والثنائي والثالث للتخلف الذهني لدى الأطفال وتطوير نظرة المجتمع تجاه الأشخاص القاصرين ذهنيا وتعزيز اندماجهم ومحاربة الأفكار المكتسبة، والإبقاء على تطوّر الأنشطة الثقافية والرياضية والمسلية لصالح القاصرين ذهنيا وأفراد عائلاتهم...

الجمعية العامة للقاصرين عن الحركة العضوية: تأسّست في جويلية 1984. وهي جمعية خيرية غايتها إسداء خدمات اجتماعية وثقافية. وتهدف إلى تقديم الدعم الطبي و شبه الطبي و تعليم الأطفال وإدماجهم في الحياة المدرسية والمهنية وذلك من خلال خدمات تقدمها كالعلاج الطبيعي وتقويم النطق وتطوير النموّ الحركي والعلاج بالموسيقي والعلاج النفسي... وتخصّص أياما مفتوحة لبيع منتوجات أطفالها بكامل أنحاء الجمهورية....

عادل بن يوسف

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.