وهل من داع إلى إبرام اتفاقيــات عدم اعتداء بين دول الخــليـج وبيـــن إســرائيـل؟

وهل من داع إلى إبرام اتفاقيــات عدم اعتداء بين دول الخــليـج وبيـــن إســرائيـل؟

إنّ «المكر» المزدوج الأمريكي الإسرائيلي لا ينقطع عن العمل من أجل المزيد من التمكين لإسرائيل في المنطقة العربية، وقد جاءت الزوبعة التي أثارها هجوم جماعة الحوثي يوم السبت 14 سبتمبر 2019 بطائرات مسيّرة على مصفاتي شركة »أرامكوّ« في شرقي المملكة العربية السعودية، لتمنحه فرصة ثمينة جديدة لممارسة أساليب ابتزازه المادي والمعنوي المعهودة إذ عملت واشنطن وتل أبيب، اليد في اليد، على استغلال هذا الحدث الخطير، دون ريب، للتقدّم خطوات أخرى على طريق التطبيع بين دول الخليج العربية وبين إسرائيل، لا سيما وأنّ الرياض التي يبدو أنّ الهجوم أصابها بالرعب حاولت من تلقاء نفسها، وبتحريض أمريكي غربي إسرائيلي مؤكّد أن تدوّله، وأن تجعل منه حدثا يضاهي في خطورته هجمات 11 سبتمبر 2001 وأن تدفع الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين إلى ضرب إيران التي تواترت محاولات اتّهامها بإثباتات لم تأت وقد لا تأتي أبدا، بأنّها هي التي قامت بالهجوم وليست جماعة الحوثي.

في هذا الإطار بالتحديد يتنزّل إعلان الحكومة الإسرائيلية رسميا عن أنّها تقدّمت بمبادرة «تاريخية» الهدف منها إبرام اتفاقيات عدم اعتداء بينها وبين دول الخليج العربية.

وقد اختار وزير الخارجية الإسرائيلي يوم الأحد السادس من أكتوبر 2019، هذا التاريخ المفعم بالدلالات الرمزية، لينشر على حسابه في «تويتر» تدوينة أكّد فيها صحّة التقرير الذي كانت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية بثّته ليلة الأحد عن هذه المبادرة حيث قال إنّه «قدّم في الآونة الأخيرة، بدعم من الولايات المتحدة، مبادرة سياسية لتوقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع الدول العربية الخليجية»، وأضاف، أنّ «هذه الخطوة التاريخية ستضع نهاية للصراع بين الجانبين وستسمح بإطلاق التعاون المدني إلى حين التوقيع على اتفاقيات سلام»، وكأنّه  باختيار التاريخ أراد أن يبرز «التطوّر الجوهريّ» الذي شهدته العلاقات مع دول الخليج التي كانت اضطلعت بدور محوري في حرب السادس من أكتوبر 1973 من خلال استخدامها سلاح النفط.

وقد أوضح الوزير الإسرائيلي أنّه أطلع بعض وزراء الخارجية العرب ومبعوث الإدارة الأمريكية الخاصّ إلى مفاوضات السلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات Jason Greenblatt على المبادرة الجديدة أثناء زيارته الأخيرة إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأنّه سيواصل العمل على «تعزيز مكانة إسرائيل في المنطقة والعالم».

ووفقا لما جاء في تقرير القناة الثانية عشرة الإسرائيلية، فإنّ هذه المبادرة تهدف، علاوة على تنمية علاقات الصداقة والتعاون وتعزيزها بين الجانبين وفقًا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، إلى اتخاذهما التدابير اللازمة والفعّالة لضمان منع القيام بأيّ خطوات تتعلّق بالتهديد بالحرب أو العداء أو العنف أو بالأعمال التخريبية والتحريض تجاه بعضهما البعض.

وهي إذ تأتي في خضمّ حالة التوتّر المستديمة بين إيران ودول الخليج العربية، فإنّها تندرج في إطار الجهود التي تبذلها إسرائيل من أجل تطبيع علاقاتها مع الدول الخليجية للوقوف معا في وجه الخصم الإيراني المشترك، ومن أجل التعاون على محاربة الإرهاب، مع التزام الجانبين بعدم الانضمام إلى أيّ ائتلاف أو منظمة أو تحالف ذي طابع عسكري أو أمني مع طرف ثالث، يكون موجّها ضدّ أيّ منهما، أو الترويج له أو مساعدته، وأن يتمّ حلّ أيّ خلافات قد تنشأ حول قضايا معيّنة أو فيما يخصّ شروط المبادرة عن طريق المشاورات.

وتجسيما لهذه المبادرة أكّدت القناة أنّ إسرائيل ودول الخليج العربية اتفقت على تشكيل فرق مشتركة لمناقشتها.

ويرى الملاحظون أنّ هذه المبادرة، إن كتب لها التجسيم فعلا، فإنّها ستشكّل حلقة أخرى من حلقات سلسلة التراجعات العربية المتتالية، وفي المقابل حلقة من حلقات سلسلة إنجازات السياسة الإسرائيلية «الاقتحامية» التي كان من بين أبرز مظاهرها خلال السنوات الأخيرة أنّ إسرائيل استطاعت:

  • أن تقنع دول الخليج العربية بأنّ لها جملة من المصالح الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية التي يمكن أن تجنيها من ربط وتنمية علاقات إيجابية معها، وقد ساعدها ذلك على إطلاق بوادر تعاون مع عدد من هذه الدول على مستويات اقتصادية وثقافية وفكرية ورياضية وحتّى سياسية أحيانا.
  • أن تقنعها أيضا بأنّ «كراهيتهما» المشتركة لإيران تقتضي إرساء تعاون خليجي إسرائيلي في مواجهتها، وهو أنفع لها من تأييد القضية الفلسطينية «الخاسرة».
  • أن تستفيد من سياسة الرئيس الأمريكي غريب الأطوار دونالد ترامب المنحازة انحيازا كليّا لها في إعطاء دفع قويّ للتوجّه التطبيعي بينها وبين الدول العربية عموما والدول الخليجية خصوصا لا سيّما وأنّ هذه الدول تبحث عن إقامة تحالف إقليمي لمواجهة «التمدّد» الإيراني في المنطقة.
  • أن تستغلّ حاجة دول الخليج لتأكيد ولاءها للولايات المتحدة لجرّها نحو المزيد من الخطوات التطبيعية، وينطبق ذلك بدرجات متفاوتة، ولأسباب متعدّدة، وبأشكال مختلفة عن دول الخليج الستّ دون استثناء بما في ذلك سلطنة عمان التي استضافت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نوفمبر 2018، في محاولة منها لاسترضاء واشنطن التي تنتقد موقفها من إيران وتعتبره مهدّدا للمصالح الأمريكية...
  • أن تستثمر، في ترسيخ هذا التوجّه التطبيعي وفي دفعه إلى الأمام بروز جيل جديد من القادة الشباب في بعض الدول الخليجية ممّن لا ينظرون إليها نفس نظرة الأجيال السابقة، والأكبر سنّا، ويمكن ملاحظة ذلك في المملكة العربية السعودية وبالذات عند ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان الذي يدفع في اتّجاه توثيق العلاقات السعودية الإسرائيلية بينما ما يزال والده الملك سلمان بن عبد العزيز يتمسّك بسياسة بلاده التقليدية التي ترتكز على مبادرة السلام العربية والتي تطالب بحل الدولتين مقابل قبول إسرائيل إقليميا.
  • أن تغري دول الخليج بأنّها ستقاسمها تقدّمها التكنولوجي خاصّة في مجال الحرب الإلكترونية.
  • أن تبدأ الانخراط معها في تعاون استخباراتي يستهدف حزب الله وإيران.
  • أن تدفعها الى اعتماد خطاب إعلامي جديد يتبنّى بعض مقولاتها كالتشكيك في وجاهة حلّ الدولتين.

وإذا لاحظنا، فوق كلّ ما تقدّم، أنّ الرئيس الأمريكي غريب الأطوار دونالد ترامب دعا مؤخرا إلى ضمّ إسرائيل إلى التحالف البحريّ الذي نادى بتشكيله لحماية المِلاحة في مضيق هرمز، فإنّنا ندرك أنّ المبادرة الإسرائيلية المعلن عنها في السادس أكتوبر الجاري ليست سوى مدخل ستلج منه إسرائيل  إلى المنظومة الأمنية العسكرية المراد تشكيلها، لا لتكون مجرّد عضو فيها وإنّما لتهيمن عليها، ولتصبح بذلك «حامية حمى» دول الخليج العربية بحكـــم ما تتوفّر من ترسانة أسلحة متطوّرة، ومن تفوّق تكنولوجي ومن دعم أمريكي مطلق.

ولعلّ هذا هو المخيف في هذه المبادرة التي إن كتب لها التجسيم وفق التصوّر والتخطيط الإسرائيليين، فإنّها سترهن إرادة دول الخليج وستجرّدها من حريّة قرارها وستكبّل قدرتها على التحرّك مثلما سبق لاتفاقيات كامب ديفيد أن فعلت بمصر...

والسؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا هو: هل دول الخليج في حاجة فعلا إلى إبرام معاهدات عدم اعتداء مع إسرائيل؟

وهذا السؤال يستتبع سؤالا آخر هو: ألا يكون من الأجدر بدول الخليج أن تبرم معاهدة عدم اعتداء مع إيران التي كانت سباقة إلى اقتراح إبرام هذه المعاهدة منذ أواخر شهر ماي الماضي، وذلك حتّى تتمكّن من أن تضع حدّا لهذا الابتزاز الأمريكي الإسرائيلي الذي يزداد ضراوة يوما بعد يوم؟

إنّنا نأمل أن تتأمّل دول الخليج مليّا في السياسات التي انتهجتها على امتداد الأربعين سنة الماضية إزاء جيرانها العرب وغير العرب والتي كانت ثمارها مرّة مرارة العلقم، فلعلّ ذلك سيهديها إلى سواء السبيل...

محمد إبراهيم الحصايري

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.