في سيناربوهات الحكم والمعارضة: تونس تحتاج مشروع إصلاح وطني حقيقي

في سيناربوهات الحكم والمعارضة: تونس تحتاج مشروع إصلاح وطني حقيقي

إذا كانت البلاد اليوم تعيش حالة ديمقراطية فريدة وريادة إقليمية ثابتة عبر تتالي نجاحات الاستحقاقات الانتخابية والتداول السلمي على السلطة فلا يمكن أن نخفي قطعا بوادر أزمة كامنة منذ 8 سنوات، فشلت عبرها كل الحكومات المتعاقبة في إحداث تغيير اقتصادي واجتماعي بل حافظت على ميكانيزمات التسيير وإدارة البلاد بفكر ما قبل سنوات 2011، في مواصلة لسياسة التطبيع مع الفساد وحماية مصالح اللوبيات والتخطيط المركزي الذي جعل من الجهات الداخلية مناطق مقصية تعاني فيها الطبقات الاجتماعية المهمَّشة والمفقَّرة كلفة الخيارات الحكومية اللاوطنية واللاشعبية. 

هذه الحالة من الضعف والوهن والفشل وغياب الشجاعة لتغيير منوال التنمية تعود لضعف الأداء السياسي للأحزاب الحاكمة منذ سنة 2012 ، وفيما تستند إليه في برامجها و إستراتيجياتها من منطق إقصاء الكفاءات والأفكار والمطالب الثورية الإصلاحية والمعقلنة والاعتماد على ما تسوسه من اتفاقات زعامات هرمة مهترئة تقليدية، لا تمثل مثل إصلاحية ولا تملك مقومات الزعامة الوطنية ، بقدر ما تملك سلطة تقاسمتها مع المنظومة السابقة وفرت لها على مدى السنوات الماضية مواقع بيروقراطية.

في وقت انتظر منهم الناس الوفاء بوعود معالجة المشكلات الاقتصادية وإنجاز بعض مطالب الثورة، ولكن لم يظفروا من سياسة العمى المتبعة والتوافق المغشوش سوى البؤس والتمزق الوطني والاحتراب السياسي وغياب أي رؤى اقتصادية وإحباط شعبي غير مسبوق والسبب بسيط جدا ... لأنّ المطبخ الذي كان يعتمدون عليه مطبخ هواة ومغامرين ومطبعين، وليس مطبخ كفاءات إقتصادية وقانونية وسياسية تتعامل بمنطق الدولة.

إننا أمام وضع مثقل لم يلاحظ جل العارفين و المتابعين أن تم القطع معه و مراجعته وتحري منطلقاته وتقييمه من قبل مؤسسات الحزب الفائز ، وهو المشارك قطعا في كل الحكومات السابقة ، مع انطلاقة ترتيبات البدء في مفاوضات الحكومة القادمة.

قد يبدو للبعض أنّ رفض مشاركة بعض الأحزاب والتشكيلات السياسية كالتيار الديمقراطي في حكومة تترأسها حركة النهضة هو موقف إيديولوجي معاد أو هروب من تحمل المسؤولية وجلوس على الربوة وتعطيل للآجال الدستورية وإرباك لاستحقاقات المرحلة وغيرها من الاتهامات المتداولة من قبل أجنحة الكيان ويغيب عنهم وعن جزء من المتابعين أنّنا أمام لحظة فارقة تستوجب صناعة قيادات جديدة تستطيع أن تنجز مشروعا وطنيا قادرا على تحقيق إصلاح شامل ومتكامل إصلاح موجه لبناء الدولة القوية و العادلة بشكل سليم.

ولكن للأسف جزء من مراكز القوى داخل الحزب الفائز لم تندمج بعد في روح المرحلة ولا ثقة لنا في من يتزعمون مسار القيادة داخله في الإصلاح.

إذ لا يمكن تناول موضوع المشاركة في الحكومة القادمة دون تقييم لتجارب الحكم السابقة 2012 و 2014 وهل قام الحزب الفائز اليوم بنقد ذاتي وتدّبر الإخلالات والأخطاء القاتلة في حق المسار الثوري والإصلاحي.

عندما دافعنا و مازلنا عن أهمية دور المعارضة المسؤولة لأننا نؤمن بأنه التعبير الأبسط عن وجود السياسة ذاتها ولأنه لا مكان للسياسة ولا وجود من دون معارضة.

عندما نتكلم عمّا يسمى قوة التوازن السياسي المرتكز على محورين رئيسين هما: الحكومة والمعارضة ، نجد من يوّزع تهم الهروب من المسؤولية ويبتدع كل ممارسات البحث عن التحالفات الهشة والمشاركة في الحكم بالمناولة وتوزيع الغنيمة عبر المحاصصة ، فقط من أجل تصنيع الفراغ في المعارضة السياسية في تونس وإعادة إحياء أحادية السلطة والنظام.

كنا ومازلنا نعتقد أننا صادقين في قراءة اللحظة السياسية وما تحتاجه البلاد اليوم  وسنلعب دورنا الرئيسي فاتحين أيدينا للجميع بشرف حملنا لآمال التونسيين :إما المساهمة في تشكيل حكومة إصلاح وطني حقيقية على قاعدة برنامج يتضمن ملفات إصلاح واضح المعالم ملزّم ومعلن وتحت إشراف رئيس حكومة مستقل عن الأحزاب أو قيادة معارضة سياسية تتحلى بالمسؤولية الوطنية فوق أي إعتبارات حزبية وتصحيح المسار عبر الرقابة والمساءلة وتقديم البرامج والمشاريع والمبادرات التشريعية.

تأكدوا وفي جميع السناريوهات أننا سنلعب دورنا الطبيعي كيسار اجتماعي لملء الفراغ الناجم عن تواصل وجود سلطة منفصلة عن المجتمع و مشاغله و إيلاء المسألة الاجتماعية ، الفريضة الغائبة، الأولوية المطلقة في المرحلة المقبلة.

عصام الدين الراجحي

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.