أخبار - 2019.10.18

أيّ دور لنـبـيـل القروي بعـد هـزيـمـتـه في الانـتـخابات الرئـاســيـّـة؟

أيّ دور لنـبـيـل القروي بعـد هـزيـمـتـه في الانـتـخابات الرئـاســيـّـة؟

لم تنجح كلّ المحاولات في منـع نبيـل القروي مـن الترشّـح للانتخابات الرئـاسية وتقديم قائمات لحزب «قلب تونس» الذي أسّسه للانتخابات التشريعية،ِ فلا مشروع تنقيح القانون الاتتخابي الذي تمّ التصويت عليه في البرلمان ولا إيقافه في قضية تبييض الأموال والتهرّب الجبائي ضدّه منظمة «أنا يقظ» قبل الإفراج عنه أربعة أيّام من موعد الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الذي وصل إليه نال من عزيمته بل ظلّ مصرّا على إدراك مبتغاه المتمثّل في الارتقاء إلى سدّة الحكم. غير أنّ  نتائج الانتخــــابات الرئــاسية جاءت على عكس انتظاراته. فهل سيستسلم؟

إنّ المتابع لمسيرة نبيل القروي يلاحظ أنّ الرجل يتمتّع بحسّ برغماتي عال جعله يخطّط للوصول إلى الرئاسة منذ عامين على الأقلّ ويضع كلّ الوسائل اللازمة لتنفيذ مخطّطه،وإن لم يحالفه الحظّ في الأخير في الانتخابات الرئاسية أمام منافسه قيس سعيّد الذي حقَّق فوزا ساحقا. الرجل، ليس غريبا عن عالم السياسة، فقد دخل معتركها منذ 2011 كأحد المؤثّرين في المشهد السياسي، حتّى وإن لم يتقلّد رسميا أيّ منصب. ولاننسى ما أثاره بثّ فيلم «برسيبوليس» الفرنسي الإيراني الذي فيه تجسيد للذات الإلهية، عشية انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011، على قناته التلفزية «نسمة» من جدل كبير. وساهم بثّ هذا الفيلم الذي استثار مشاعر المدافعين عن الهويّة في تعزيز حظوظ النهضة للفوز بالانتخابات. بعدها قرّر نبيل القروي أن يفتح قناته لكلّ المعارضين لحكومة الترويكا بقيادة النهضة، وأعلن عن نشأة «نداء تونس» حزب الباجي قائد السبسي في 2012 من خلال قناته.

انخرط نبيل القروي إثر ذلك في النضال داخل هذا الحزب وكان من مؤسّسيه بحكم قربه من الباجي قائد السبسي. ولا يخفى أيضا أنّه كان مهندس التقارب بين الرئيس الراحـل وراشد الغنوشي رئيــس حركة النهضة إبّان اعتصام الرحيل في صائفة 2013، حين كانت البــلاد على شفيـر حـرب أهلية.

وقد قام نبيل القروي بحملة لفائدة الباجي قائد السبسي خلال انتخابات 2014 التي فاز فيها ليصبح رئيسا للبلاد. ومع احتدام الصراعات داخل «نداء تونس، قرّر صاحب قناة نسمة أن يبتعد عن الحزب دون أن يبتعد عن مؤسّسه قائد السبسي، حيث بقي وفيّا له إلى حدّ وفاته.

استراتيجيا الوصول إلى الحكم

في 2016، بدأت تختمر في ذهن نبيل القروي فكرة الترشّح للانتخابات الرئاسية، حيث قال في حوار تلفزي على قناته إنّه كان وراء صنع الرؤساء في تونس وإنّه قرّر أن «يعمل من هنا فصاعدا لحسابه الخاص». وفعلا بدأت قناته تبثّ بالتعاون مع الإذاعات الجهويةداخل البلاد لإيصال «صوت الجهات»، وواصلت ذلك رغم الخطايا المالية التي أنزلتها عليها الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري من أجل مخالفة القانون. ثمّ جاء تأسيس جمعية «خليل تونس» الخيرية، بعد وفاة نجله في حادث مرور أليم. تمكّن من خلال هذه الجمعية من أن يجوب البلاد طولا وعرضا ليلتقي بالفئات المهمّشة ويطّلع على أوضاعها الصعبة، على أن يجعل منها  قاعدته الانتخابية . ولم يفته أن يوظّف قناته في تغطية كل التنقّلات داخل البلاد لتوزيع الإعانات لفائدة «الزواولة». بذلك ضمن نبيل القـــروي خزّانا انتخابيا محـترما أهّله لأن يتصـدّر نتائج سبر الآراء بـ 30% من نوايا التصويت.

هذا الصعود المفاجئ للرجل عبر جمعيته الخيرية لم يلبث أن أثار ارتياب منافسيه الذين بدؤوا يفكّرون في طريقة تعطيل مساره، فجاء مشروع تنقيح القانون الانتخابي المقدّم من الحكومة والذي تضمّن فصولا تمنع الجمعيات من ممارسة العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات، وذلك قبل الموعد الانتخابي بأشهر قليلة. وتمّ حشد الدعم من قبل رئيس الحكومة وحليفته حركة النهضة لتمرير هذا القانون في البرلمان. وفعلا تمّت المصادقة على مشروع القانون هذا رغم معارضة شقّ كبير من الساحة السياسية له باعتباره قانونا إقصائيا، هدفه قطع الطريق على نبيل القروي وعلى جمعية «عيش تونسي». إلا أنّ رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي رفض توقيع القانون ليحبط هذا المخطّط. ولكنّ نبيل القروي، الذي خبر دواليب السياسية وحيلها، لم ينتظر قرار الرئيس وإنّما ذهب مباشرة إلى تأسيس حزب سمّاه «قلب تونس»، ليتمكّن من الترشح للانتخابات.

اضطرّ منافسوه للبحث عن وسائل أخرى لعرقلة تقدّمه، فقاموا بتحريك القضايا المرفوعة ضدّه في القطب القضائي المالي، فكان أن تمّ استدعاؤه للتحقيق معه عديد المرات والأمر بتجميد أمواله وأموال شقيقه غازي القروي، إلى جانب تحجير السفر عليهما.

ولكن الرجل العنيد لم يستسلم وواصل تحرّكاته الميدانية بكل ثقة في الفوز، ليفاجأ بصدور بطاقة إيداع في حقه من قبل دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس وضعه قيد الإيقاف التحفّظي في سجن المرناقية في 23 أوت 2019.

الاستماتة من أجل تجاوز العراقيل

على إثر هذ الإجراء، حُرم المترشّح نبيل القروي من القيام بحملته الرئاسية في الدور الأول وكذلك من إدارة حملته التشريعية. وقد قام  فريق حملته وخاصّة زوجته سلوى السماوي بدور كبير في مواصلة الحملة في غيابه. وجابت قرينته البلاد للتعريف بقضية المترشّح السجين وإقناع الناخبين بالتصويت لفائدته وعرفت سلوى السماوي كيف تؤثّر في جانب من التونسيين بما تتميّز به من قدرات خطابية لافتة وحذق لأساليب التعامل مع وسائل الإعلام. واستطاع نبيل القروي بفضلها، وكذلك بفضل أعضاء حملته، أن يمرّ إلى الدور الثاني من الرئاسية وأن يتحصّل على 38 مقعدا في التشريعية.

إلا أنّ استمرار قبوعه في السجن وحرمانه من القيام بحملته الانتخابية للدور الثاني من الرئاسية ألقى بظلال كثيفة على كامل المسار الانتخابي وتعالت أصوات من الداخل والخارج منادية  بإطلاق سراحه احتراما لمبدإ تكافئ الفرص مع منافسه قيس سعيّد.وقد رفض هذا المترشّح القيام بحملته الانتخابية مادام منافسه رهن الإيقاف. وأضحى الحديث مركّزا على انعدام نزاهة الانتخابات وإمكانية الطعن في نتائج الدور الثاني إذا تواصل حبسه، خاصّة من طرف ممثّلي حزبه.

ثم جاء الإفراج عن نبيل القروي يوم 9 أكتوبر 2019 بقرار من محكمة التعقيب بعد أربعة مطالب طعن سابقة في قرار دائرة الاتهام، تقدّم بها فريق محاميه.

وحظي خـروجه من السجـن بتغطية إعلامـية بارزة، واعتبر نبيـل القـروي إطلاق سراحه انصافا لـه ضدّ من تآمروا عليه.

وسرعان ما انطلق في القيام بحملته الانتخابية قبيل يومين من بداية الصمت الانتخابي ليتكرّر حضوره في البلاتوهات.

كان أوّل ظهور له في قناة «الحوار التونسي» في حوار مطوّل يوم 10 اكتوبر عاد فيه إلى محاولات إضعافه الأمر الذي تسبّب له في خسارته عشر نقاط في التصويت في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، على حدّ تعبيره، حيث نزل من 30% إلى 20% حسب نتائج عمليات سبر الآراء الأولى. واعتبر أنّ ذلك كان لأغراض سياسية تتمثّل في تعطيل تقدّمه إلى حين التأكد من نتائج الانتخابات التشريعية وضمان فوز النهضة فيها.

وفي الأثناء، انفجرت فضيحة استعانة القروي بشركة لوبيينغ إسرائيلية للفوز في الانتخابات، على إثر نشر وزارة العدل الأمريكية للعقد الذي أبرمه مع الشركة. ثم جاء فيما بعد الحوار الذي أُجري مع مدير هذه الشركة وهو عميل سابق للموساد. وقد هزّت هذه الفضيحة الرأي العام التونسي ولم تفلح تبريرات نبيل القروي في إقناع التونسيين بحسن نيته في التعـامل مع الشركة المذكورة.

هل تعني الخسارة النهاية؟

ولعلّ المـناظرة التي تمّ تنظيمها بين نبيل القروي وقيس سعيد يوم الجمعــة 11 أكتوبر كان لها تأثير بالغ في تحديد مآلات الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، حيث لم ينجح نبيل القروي في تغيير الصورة السلبية التي يحملها عنه عدد من الناخبين، مقابل منافس مشهود له بالنزاهة ونظافة اليد ورافــض للتطبيع مـع إسرائيل. وعبثا حاول نبيل القروي الإقنــاع بمشروعه، خـاصة دعوته إلى ميثـــاق وطني تمضـي عليه الأحزاب والمنظّمات الوطنية لمقاومة الفقــر، والتركيز على الجـانب الاقتصادي والاجتماعي والمراهنة على التكنولوجيـات الحديثة لتشغيل الشباب بالإضافة إلى وعوده بحلّ مشكل إنتاج الفسفاط وبجلب الاستثمارات الخارجية ولكنه لم يُفلح. فكانت النتيجــة أن صوّت ثلاثة أربـاع الناخبين لفائدة قيس سعيّد.

خسارة نبيل القروي للانتخابات الرئاسية يجب ألّا تنسينا أنه يحظى بالعدد الأوفر من المقاعد في البرلمان بعد حركة النهضة وهو ما ذكّر به في ندوته الصحفية بعد إعلان هزيمته، قائلا: «لا زلنا القوة الثانية في البلاد». بالتالي، مازال في جعبته أوراق يٌفاوض بها. فمن الواضح أنّ النهضة التي تحصّلت على 52 مقعدا في البرلمان لن تستطيع تشكيل الحكومة من دون امتلاك أغلبية في مجلس النواب، ممّا يجعلها مجبرة على التحالف مع أحزاب أخرى. فهل سيكون «حزب قلب تونس»من بينها؟
قبـل الدور الثاني مـن الانتخابات الرئاسية، ذكر نبيل القروي أنّه لن يتحالف مع النهضة معلّلا ذلك بأنّها كلّما تحالفت مع حزب إلاّ وأضعفته وتسببّـت في تفكيكه، ولكن بعد ظهور نتائج الرئـاسية وفوز قيس سعيّد هل سيبقـى على نفــس الموقف؟

هذا ما ستكشف عنه الأيّام القادمة.

حنان زبيس

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.