أخبار - 2019.10.15

محمّد النفطي: قيس سعيّد رئيس تونس أم رئيس التونسيين؟

محمّد النفطي: قيس سعيّد رئيس تونس أم رئيس التونسيين؟

انتخب التونسيون السيد قيس سعيد رئيسا جديدا لتونس لمدة رئاسية بخمس سنوات. وهو ثاني رئيس يتم انتخابه من طرف الشعب. ولكنه أول رئيس يأتي من خارج المنظومة المتحكمة بالسياسة ومن خارج الأحزاب فهو بمعنى آخر خارق للعادة التونسية والسياسية التي تنفر من لا يلتزم بشروط لعبتها وترفض الذي يفسق أمرقوانينها ويعتمد اللعب الحر وغير التقليدي في حلبة صراعها. والحال أن الشعب أراد قيس سعيد وبالتالي كان انتخابه طبقا للشعار الأول للديمقراطية (إرادة الشعب) كما أن شعار حملته الانتخابية كان " الشعب يريد". ورغم فوز السيد قيس سعيد بنسبة واسعة ليس فيها شك ولا اختلاف إلا أن  الأحزاب والعديد من المواطنين غير مطمئنين لهذا الرجل المستقيم وغير الفاسد والفصيح المتعالي بامتلاكه ناصية اللغة العربية الفصحى التي لا يفهمها عامة الناس والعالم بالقوانين التي يتهرب من تطبيقها أغلبية التونسيين والمنادي بالعدل وبالمساواة لأن العرب تنفر المساواة وتقول "سواسي كأسنان الحمار".  وصفه شيوخ العلوم السياسية بالخارجي وقالوا شعبي( بضم الشين) يؤمن بحكم الشعب ويدافع عن الشعب وعن إرادة الشعب. وهل هذا يختلف عن الديمقراطية الحديثة التي هي حكم الشعب (بفتح الشين) بواسطة الشعب ولفائدة الشعب. رفض شيوخ العلم السياسي فوز قيس سعيد لأنه غير تقليدي ويختلف عن النظريات التي  نهلوها من كبار علماء السياسة ويختلف عن قواعد المادة السياسية التي يدرسونها في جامعاتنا والتي رفضها طلابهم الذين ثاروا على أساتذتهم واختاروا  بدعة سياسية حسب ما قيل لنا.

غريب أمرنا في تونس. السياسيون الحدثيون والمفكرون التقدميون يرفضون المحدث والجديد. وما ينعتون بالسلفيين الذين ساندوا "المحافظ السلفي" قيس سعيد يرفضون القديم ويبتدعون الجديد والحال أن السلفيين يحاربون المحدث ويعتبرونه بدعة والبدعة ضلالة. وقيل إن برنامج قيس سعيد "سلفي لينيني" يجمع بين السلفية الدينية والإلحادية اللينينية. وفسروا ذلك بوجود شخص من مساندي قيس سعيد كان في سابقا مناصرا للماركسية اللينينية. كما أن من مسانديه مجموعات سلفية وأقوى الحجج التي استدلوا بها أن الرئيس الجديد ضبط في ليالي رمضان يرتاد الجوامع ولا نعرف هل أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ليريه من آياته وقد يفسر ذلك ما صرح به من دعم لفلسطين في أول خطاب له. غريب أمر التونسيين أننا نعظم بورقيبة بعدما نقمنا عليه مدة 23 سنة. وبدأنا نعظم بن علي بعد أقل من عشر سنوات من خلعه. وسيأتي تعظيم المنصف المرزوقي في 2024 إذا تحقق أنه لن يتقدم للانتخابات. وتم تنظيم مراسم فرعونية للباجي قائد السبسي لأنه مات ولم يكمل مدة رئاسته ولم يعين خليفته. غريب أمر التونسيين نعظم الآفلين ولا نفرح لمن اختاره الشعب وسانده الشعب لا لشئ إلا لأنه شعبي ( بضم الشين) في لغة شيوخ السياسة. لماذا هذا السلوك الغريب؟ كان عليناأن نقدّر كل الرؤساء الذين تدالوا على حكم تونس فكلهم سعوا ونجحوا في الحفاظ على الاستقلال السياسي وكلهم نجحوا في توثيق عروة التماسك المجتمعي التونسي وتضامنه وهو ما حمى تونس من الفتن التي أصابت المجتمعات العربية الأخرى. غريبأننا لا نفرح للرئيس الجديد الذي لا ينتمي لأي حزب لأنه نفر التحزب والتفرقة وصدع بوحدة الشعب والمجتمع التونسي كما ينص عليه الفصل 72 من الدستور. 

هل نريد من  قيس سعيد أن يكون رئيسا للتونسيين يدعم هذه الفئة التي ناصرته وذلك الحزب الذي دعمه لوجستيا ومعنويا وسياسيا في الدورة الثانية والأحزاب التي ساندته بأصوات منخرطيها في الدورة الثانية من الرئاسية بعدما ظهرت المعادلة وانكشفت غاية التصويت. كل من ساند قيس سعيد من أحزاب سياسية لم يكن مجانا وقد صرح بعضهم بما يرتقبون من ذلك الدعم وهي المنافع السياسية لأحزابهم. هل نتطلع بأن يسعى الرئيس الجديد للنهوض بالاقتصاد والتعليم والصحة وقفّة المواطن. هل نريد من الرئيس أن يسعد المواطنين ويملأ بطون المواطنين وقفة المواطنين ويقضي على الفساد ويفرض الزكاة والمكس والضريبة على الدخل. وما هو دور البرلمان والحكومةإذن؟ وهل يسمح الدستور بذلك؟

هل نريد من قيس سعيد أن يكون رئيسا لتونس يسعى للحفاظ على تماسك المجتمع التونسي ووحدته وتضامنه. هل نريد من الرئيس الجديد أن يكون أمينا على تونس ويحافظ على استقلالها وحرمة ترابها وحماية مصالحها الوطنية؟

قد يبادر الرئيس بتقديم مشاريع قانونية في كل ميادين الحياة ولكنها تبقى رهينة المصادقة من طرف نواب الشعب. قد يمضي الرئيس كل يوم تعيينا جديدا بعدما قدمته الحكومة ويمضي قوانين أعدها البرلمان وإمضاءات لا تحصى ولا تعد ولكنها ليست من الصلوحيات الحصرية الأساسية لرئيس الدولة. ونقصد بالحصرية تلك التي لا يشاركه أحد في مسؤوليتها إن تم التغافل عنها. إذا تم استعمار البلاد أو الاعتداء عليها ولم يتم الدفاع عنها إلى آخر رمق من طرف الجيش وقوات الأمن والشعب بأكمله إذا ما تم إحتلال البلاد دون التصدي بكل الوسائل المتاحة فهذا يعني أن القائد الأعلى للقوات المسلحة هو المسؤول الأول على الهزيمة حتى ولو وصل معدل التنمية الى 15 بالمائة وحتي لو تخرج من الكليات أفضل العلماء وأفضل الأطباء وحتى لو وصل الراتب السنوي للفرد مثلما هو بقطر أو الكويت أو الأمارات.  ولو فرضنا أن المشروع الاقتصادي أفلس مثل التعاضد في العشرية الآولى في حكم بورقيبة أو أن الفقر والمجاعة نخرا المجتمع مثلما كان في حوادث الخبر 1984. فهذا يولد تذمرا كبيرا لدى المجتمع لكن الرئيس يجد كبش فداء فتارة يكون وزير الاقتصاد وتارة شيخ المدينة. ويتم الاصلاح بتبديل المسؤول الحكومي. والعمل الحكومي مهد العمل الحزبي والفريق الحكومي ولا يتدخل الرئيس إلا عند وصول التهديد ( الأمن القومي).

رئيس الجمهورية يبقى له شرف الحفاظ على تونس وعلى مصالحها الحيوية قبل إرضاء التونسيين ومنافعهم. ولا يوجد أغلى من القيم الآساسية التي يحافظ عليهارئيس الجمهورية والتي عادة ما يتم تقديمها كأعمدة الأمن القومي وهي الهوية والتماسك المجتمعي والاستقلال وحرمة التراب والمصالح الوطنية الخارجية (سياسية –علاقات دبلوماسية – تجارية..). نريد من الرئيس أن يكون أسدا على كل من تساوره نفسه بأن يعتدي على تونس فيشحذ نفوس كل التونسيين للدفاع ببسالة عن بلادنا. نريده أن يكون واقعيا و" مراوغا ذكيا" عندما يدافع عن مصالحنا أمام الأقوياء.

انتخب الشعب التونسي السيد قيس سعيد رئيسا جديدا لتونس أمينا على تونسوعلى هويتها وتماسك ووحدة شعبها واستقلالها وسلامة ترابها وأمينا على تطبيق الدستور وهو العهد الممضى بينه وبين الشعب أمام الله وأمام التاريخ كما ردده بعظمة لسانه. كل التوفيق للرئيس الجديد والحكومة الجديدة والبرلمان الجديد. 

محمّد النفطي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.