أخبار - 2019.10.14

فوزي عبد الرحمان: لا لحكم وراء الستائر

فوزي عبد الرحمان: لا لحكم وراء الستائر

استمعت إلى تدخل السيد سمير ديلو عن حزب النهضة على أمواج إذاعة خاصة يقول ما مفاده أنّ نتائج الانتخابات لن تسمح لحزبه بالتحصل على أغلبية برلمانية وأنه سيقترح "مقاربة عكسية" يتم بموجبها نقاش مع كل أحزاب البرلمان الراغبة في ذلك للاتفاق حول أولويات المرحلة وبرنامجها يتم بعدها اختيار الفريق الحكومي الذي سينفذ ذلك البرنامج. وهو يرى أّن رئيس الحكومة شخصية سياسية مستقلة.
هذا الاقتراح على لسان قيادي من حزب النهضة لا يعبر عن موقف رسمي لحزبه حسب ما ذكره وهو اقتراح سمعناه أيضا على لسان قيادي من التيار الديمقراطي وكذلك من بعض المعتنين بالشأن العام. ونحن ندرك جيدا أن قيادات النهضة لا تنطق بدون خلفيات سياسية ولم ننتظر كثيرا قبل أن نسمع التصريح المناقض لذلك من طرف السيد الهاروني.

سأبيّن فيما يأتي الأسباب التي تجعل من هذا التمشي تمشيا ينبئ بفشل في التصوّر وحجم المغالطة الشعبية التي تجعل من هذا التصور لا ينذر إلا بفشل قادم.

  1. لقد وقع في السابق اقتراح هذا مع حكومات سابقة ووقع التخلي عنها بعد فشل التجربة للأسباب التي سيقع ذكرها. الاعتقاد أنّ نفس التمشي يمكن أن يؤدي إلى نتائج مختلفة خطأ أو مغالطة.
  2. عدم قدرة الأحزاب المشاركة في هذا التمشي و ذات التوجهات المختلفة على صياغة برنامج مشترك، مما سيفضي حتما إلى القبول بصياغة وثيقة حسن نوايا كما صيغت في "اتفاق قرطاج" في بضع صفحات لا تعدو أن تكون إلا عناوين كبيرة لا تمت لكلمة برنامج باي صلة. نذكر جيدا كم تطلّب ذلك بالرغم من تواضع النتيجة من جهد ووقت لصياغة وثيقة لم يكن لها أي تأثير فعلي على السياسات المتبعة. بينما عندما نتحدث عن  برنامج مشترك بين فرقاء مختلفين للحكم المشترك، نحن نتحدث عن وثيقة ذات محتوى جدي كما وكيفا.
  3. عدم إمكانية إيجاد توافق قوي حول القضايا الهامة. فمن البديهي أنّه كلما زاد عدد الأطراف المشاركة كلما زادت حدة الخلافات وكلما كان التوافق "رخوا" (concencus mou)،  وهذا طبيعي جدا.. لأنّ التوافقات السريعة لا يمكن أن تكون إلا في الحد الأدنى و سيكون هذا سببا رئيسيا للفشل فبلادنا تحتاج إلى سياسات قطيعة حقيقية ومدروسة في عديد الميادين الحيوية.
  4. عدم توفر الدعم السياسي للحكومة.. وهذا أثبتته تجارب الحكم السابقة.. أحزاب الحكم ستحاول التأثير خاصة على التعيينات في مؤسسات الدولة (وظائف عليا، منشئات، سفراء، ولاة، معتمدين...) وستكون هذه المسائل أسباب خلافات بين الحكومة
    والأحزاب المساندة لها وبين الأحزاب نفسها. أما إذا سلمنا أنّ هذه المسألة عولجت في برنامج العمل المشترك في باب "حوكمة الاتفاق" فإنّه من الأغلب على الظن أنّ الأحزاب ستعمل مع الحكومة  بقول بني إسرائيل لموسى "إِذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقَاتِلَا إَنّا نَحْنُ هَهُنَا قَاعِدُونْ" .. والدعم الذي أعنيه هنا ليس الدعم في مجلس نواب الشعب فقط بل وخاصة الدعم الشعبي الضروري في عمق الوطن ومع المواطنين لتفسير ما يجب تفسيره وإعطاء قرارات الحكومة الشرعية الشعبية لتبنيها وهذا ما لم يقع ولو حتى جزئيا في أي فترة من فترات التوافق السابقة.. مما يجعل الحكومة في مواجهة مباشرة مع كل أطياف الشعب وتنظيماته و جهاته بدون أي سند يذكر.
  5. مع هذا التمشي تغيب مسؤولية الحكم ويغيب مبدأ ديمقراطي هام وهو إعطاء معنى للإنتخابات الشعبية والديمقراطية.. والتي بموجبها يعطي الشعب تفويضا لقوى سياسية معينة أن تمارس السلطة وأن تطبق برنامجها من خلالها وهذا يعني أن تقع محاسبة هذه القوى سلبا أو إيجابا عند انتهاء العهدة النيابية. و هذا هو المعنى الحقيقي للممارسة الديمقراطية.
  6. هذا التمشي لا و لن يسمح بإثراء النقاش حول البرامج وحول الخيارات الكبرى للمسائل الهامة.. فالأغلبية الكاسحة لن تترك أي مجال لمعارضة قوية ومعبرة في المجلس أو خارجه. وبهذا تتقلص فرص النقاش العام للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الهامة.

لهذه الأسباب عتبر أنّ حل حكومة وحدة وطنية أوحكومة توافق لا يمكن أن يكون حلا يسمح بقيادة موحدة وقوية لهذه المرحلة.

لا مناص في تقديري من أن يتحملّ الحزب الفائز بالانتخابات مسؤوليته وأن يمارس السلطة التي فوضها له الشعب وأن يذهب في ذلك إلى أقصى ما يستطيع تنفيذه في برامجه كحزب أو كتحالف طبقا لمرجعيته السياسية والاقتصادية، هذه المرجعية التي انتخبه الشعب على أساسها.هذا سيضفي وضوحا في المواقف والبرامج ويتجنب الضبابية المقرفة التي نعيشها. وسيسمح لجموع المواطنين معرفة هوية الأحزاب الحقيقية وقدرتهم على الإنجاز.

ومن الطبيعي جدا في هذه الحالة أن يرشّح الحزب الناجح شخصيته الأولى لقيادة الحكومة لاجتناب الحكم من وراء الستائر.. لا يمكن أن تصح المسؤولية لرئاسة حزب دون أن تصح لرئاسة حكومة. وفي مثال الديمقراطيات الغربية أحسن مثال لذلك.

وفي صورة عدم تمكن حزب من تشكيل أغلبية برلمانية، يمكن له التفاوض حول تشكيل حكومة أقلية وهذا ممكن إذا قبلت أحزاب خارج الاغلبية بتصويت الثقة على حكومة بدون مشاركة فيها. وهو وضع ممكن لتجنيب البلاد هزات عنيفة وانتخابات سابقة لأوانها. وهو وضع غير مستقر طبعا.

وأخيرا عندما تبوء كل هذه المحاولات بالفشل، من الطبيعي ومن الأخلاقي أن تُرجع العهدة لصاحب السلطة الأصلية أي الشعب لعدم توفر التفويض اللازم.

غير ذلك هو تحيّل على إرادة الناخبين و الدستور.

فوزي بن عبد الرحمان

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.