أخبار - 2019.10.11

محمد النفطي - الانتخابات الرئاسية: رواية الأبله

محمد النفطي - الانتخابات الرئاسية: رواية الأبله

تعد رواية "الأبله" للكاتب  الروسي دوستويفسكي من أشهر أعماله الأدبية التي أنجزها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتدور أحداثها في روسيا. وصنفت ضمن أفضل  الكتب المائة على مرّ العصور.  ترسم  رواية الأبله صورة الرجل الشريف (الأمير مشكين) الذي يتحمل كل المآسي والآلام ليسعد أبناء وطنه من أصحابه وأعدائه على حد السواء. ولا تختلف حكاية الأبله عما يجري في تونس في ميسرة (بكسر الميم) الانتخابات هذه الايام. ولا تختلف صورة الأبله في تونس عن صورة مشكين. فكلاهما شريف ويتحمل المآسي والآلام ليسعد أبناء وطنه. ولا أري فارقا بينهما غير ثلاث نقاط.  فالأبله الروسى ساذج والأبله التونسي بسيط و"على نياتي". والأول يسعى لإسعاد العامة من شعبه والابله التونسي يسعى لإسعاد الخاصة من أهل الحل والعقد. والأمير الأبله مشكين والآخر مسكين.

والاختلاف الأخير هو الأساس. ودعنا من أبله روسيا فهو لم يتخط مساحات  التوندرة وربما لم تعرفه سان بترسبورج وكان  من محض خيال الكاتب. ولنرى كيف يتصرف عدد كبير من التونسيين في هذا العرس الانتخابي كما يتردد على ألسن السياسيين والإعلاميين والشخصيات الوطنية. هو عرس بالفعل وقد اختار الشعب نوابه كما يتم اختيار العرسان. الوجه الحسن والثروة و الكلام الجميل لمن استطاع إليه سبيلا. وهي عادة من عاداتنا التونسية و"الله لا يغير لنا عادة ". وربما ستتفاجأ نسبة كبيرة من المواطنين في الدورة الرئاسية الثانية. سيتفاجأ الأبله الذي يظن أن الاختيار يتم على شروط القيم المثالية  مثلما كان يظن مشكين الروسي. إن موعدنا  الأحد 13أكتوبر أليس الأحد بقريب؟ والعدد 13 مشؤوم في بعض الأساطير الدينبة لارتباطه بعدد أصحاب المسيح في العشاء الأخير.

مسكين أيضا كل واحد منا يظن أن النهضة والكتل التابعة لها في الفكر الايديولوجي سيصوتون بدون  حساب سياسي. ولا يلومنهم أحد في ذلك حتى ولو صرحوا أنهم سيساندون قيس سعيد ويتضح في النهاية أن الله تعالى أردف نبيل القروي بمئات ألاف من أصوات الملائكة المسومين. أبله من يصدق ذلك لأن المنطق السياسي "يفرض" اليوم على النهضة بأن تتحالف مع القوي والأقوياء. المنطق السياسي أو الواقعية السياسية الماكيافلية تفرض على النهضة بأن تتحالف مع قلب تونس ومع التيار ومع تحيا تونس قبل أن تتحالف مع إئتلاف الكرامة لأسباب عديدة. وأولها أن إئتلاف الكرامة في " الحضن" ولا يمكن له أن يعيش خارج النهضة فهو " مضمون". أما قلب تونس وتحيا تونس أو حزب الشعب فهي تقارب 50 صوتا في البرلمان أي بوزن النهضة بل تفوقها. والكل يعلم أن النهضة تراهن على البرلمان والحكومة منذ 2011 واليوم وقد خسرت الرئاسية لا أظن أنها لن تتوافق مع الأقوياء. وفي نفس السياق من الحساب الواقعي فإنها ستضمن الحلفاء "الندائيين القدامى" وبالتالي ستساند نبيل القروي في الرئاسية. وهذا الحساب الواقعي يخدم مصلحة الطرفين ولنقل يوافق مصلحة الطرفين ولا عيب في ذلك فهذه السياسة وسياسة التوافق التي عرفت بها النهضة. ومن من لا يقبل ذلك فهو مسكين أو مشكين.

مسكين وأبله من يعتقد أن النهضة والقربى لها سياسيا وفكريا لديهم اليوم  أغلبية في البرلمان. فحسابيا ونظريا لها على أقصى تقدير 100 نائب دون احتساب المستقلين وهو نفس العدد الذي تملكه قلب تونس والقربى لها دون احتساب المستقلين. حيث يمكن جمع نواب النهضة (52)+ التيار الديمقراطي (22)+الكرامة (21)+الرحمة (3)+ أمل وعمل (2) = 100 وفي الجانب الآخر نجد: القلب (38)+ الحر (17) + الشعب (16) + تحيا (14) + مشروع (4)+ جمهوري (3) + البديل (3) + أفاق (2) = 100. وبقي 17 صوتا للمستقلين ليسوا في كتلة يمكن التعامل معها والتفاوض معها بمنطق السياسة لأن كل فرد سيشترط "شرط العازب على الهجالة" وبالتالي فالمستقل غير مضمون. ولنفرض أن من بين المستقلين من يقبل الانضمام دون شروط فالعدد لا يتخطي 8 للنهضة. وبالتالي فإن العملية الحسابية لا تخدم مصلحتها ولا سبيل إلا التفاوض مع القوي أي مع قلب تونس. وإذا افترضنا أن الكرامة والتيار لا يقبلان بهذا التفاوض وينسحبا من التحالف وهما (43نائبا)  أو قل 45 إذا أضفنا صوتين آخرين فإن في جانب قلب تونس والقربى 100 نائبا من السهل أن تجد النهضة مخرجا لها. أما إذا أسرت على البقاء مع القربى ولم تجنح للتحالف والسلم مع النبيل فإن مآل الحكومة سيصبح هباء منثورا.

أبله مسكين من يعتقد أن أمر الرئاسة قد حسم. من يريد المراهنة ومن يحذق لعب الميسر وهو لعب السياسة ويعلم أن الميسر فيه منافع للناس لا يراهن إلا على الحصان الرابح ولو كان لألدّ أعدائه. و ما سلف من التحليل ليس إلا مراهنة وليس اختيارا أو نية انتخابية. ولنطمئن كل البله  وهم الشرفاء والصادقون أن ما سبق من كلام ليس إلا تحليلا نظريا أتمنى أن لا يثبت حيث تم تحريره ليلا وكما نقول " كلام الليل مدهون بالزبدة".

محمد النفطي


   
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.