أخبار - 2019.07.29

أحمد الورفلّي: رحم الله محمد الباجي قايد السبسي، رئيس تونس

أحمد الورفلّي: رحم الله محمد الباجي قايد السبسي، رئيس تونس

رحم الله رئيس الجمهورية التونسية، محمد الباجي قايد السبسي، وتغمده برحمته عن كل خير فعله لهذه البلاد وأهلها، وغفر له كل زلّة أو تقصير. لقد كان تونسيّا مخلصا، وكان أيضا محاميا متميزا وحكيما ومحكّما من نوع خاص، وكان رئيس الجمهورية الوحيد في العالم القادم مباشرة من عالم التحكيم، إذ كان رئيسا للمجلس العلمي لمركز تونس للمصالحة والتحكيم إلى حين توليه منصب الوزير الأول سنة 2011 في جوّ مضطرب مهتز. كان رجلا حكيما وصاحب روح فكهة وخفيفة وذكيا ولبقا في التعامل مع الناس باختلافاتهم. أذكر أول لقاء لي معه سنة 2001 ثم سفرنا معا إلى المغرب للمشاركة في ندوة حول التحكيم، حيث نشأت بيننا علاقة طيبة على الرغم من الفارق الكبير في السن والتجربة. كما أذكر أيضا أول لقاء لي به بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، حين حمّلتني لينا إبنة شقيقتي –التي لا تتجاوز العشرة أعوام- أمانة تبليغه السلام فأبلغته العبارة حرفيا: "سلّم لي على عمّي الباجي البجبوج"، فضحك وقال لي: "سلّم لي عليها". وأذكر أيضا آخر لقاء لي معه، بعد تولّيه الرئاسة بنحو سنة، لكنّه هذا المرة كان أقل مرحا وحدثّني عن صعوبات الوضع والتحديات القائمة. لكنه مع ذلك كان صادق العزم على مواجهة الشدائد كما اعتاد. وأذكر أيضا لقاء عابرا أثناء حفل تسليم السلطة الذي انتظم أواخر سنة 2011 حين انتهت الفترة الانتقالية الأولى، حين قال لي مازحا: "موش وقيت نرجعوا لعالم التحكيم وفك علينا من السياسية؟".

كان سياسيا بالسليقة، وأذكر عنه قوله عن كيفية تعامله مع صعوبات الوضع سنة 2011: "Il ne faut pas prendre les choses TROP au sérieux!"

كان يأخذ الأمور بجدّية لكنه كان يأخذ منها مسافة فلا يهوّلها ولا تهوله. لن أنسى أبدا هذا الرجل ولن أكفّ عن الترحّم عليه، رحمه الله رحمة واسعة.

****

بحكم السنّ، هذه أول مرة أعيش فيها لحظة وفاة "رأس" الدولة وهو على رأس الدولة. حصل ذلك لآخر مرة في عهد البايات، ومن بعدهم توفي الرئيس الحبيب بورقيبة بعد خروجه من الحكم بسنوات طويلة. ما يشرح الصدر حتى الآن هو أن ما بعد الوفاة يجري بشكل سلس وسليم وفي إطار روح المؤسسات والدستور. حفظ الله تونس ووفق الجميع لما فيه الخير

****

رجاء صحّحوا تسمية المقبرة التي سيوارى فيها المغفور له بإذن الله محمد الباجي قايد السبسي الثّرى، المقبرة التي دُفن بها آلاف من عظماء تونس ومن مواطنيها البسطاء الذين لا يسمع بهم أحد. اسم هذه المقبرة هو "الزلاج" لا "الجلاز" كما قرأته عشرات المرات هذين اليومين. سُمّيتْ المقبرة هكذا نسبة إلى المرحوم محمد الزلاج، وهو تاجر قيرواني حلّ بتونس العاصمة وكان معه مبلغ مالي نوى أن يشتري به منزلا فخما فأرسل مساعده للبحث عن منزل فسيح يليق به، لكن هذا المساعد كان مارّا في أحد أزقة تونس فاعترضته جنازة وكان الزقاق (الزنقة) من الضيق بحيث وطأ الناس بعضهم بعضا ومرّت الجنازة بصعوبة وضيق، فسأل المساعد دون أن يراجع أحدا عن أرض فسيحة يمكن أن تصلح كمقبرة فدلّه بعض الناس على الأرض التي أصبحت اليوم مقبرة الزلاج والتي كانت على ملك شخص يهودي، باعها له بعد شيء من المماحكمة على الثمن. وفي المساء عاد الرجل إلى سيّده فسأله هل اشتريت لي دارا فقال بلي، قال أين؟ فقال له يا سيدي اشتريت لك منزلا في الجنة، فتعجب محمد الزلاج وسأله عن جليّة الأمر فروى له الرجل ما فعل، فأثنى عليه وأيّده فيما فعل، فسميت المقبرة باسم المرحوم محمد الزلاج غفر الله وأثابه عن كل من دُفن في هذه المقبرة، التي وقعت من أجلها معركة الزلاج سنة 1911 والتي كانت من أكبر الوقائع في تاريخ الحركة الوطنية وشارك فيها مواطنون عاديون من عامة الناس دفاعا عن حرمة المقبرة من شبهة التدنيس من قبل القوة الاستعمارية. وهذه قصة أخرى.

رجاء صححوا المصطلح في وسائل الإعلام لأن المقبرة اسمها الصحيح مقبرة "الزلاج".

أحمد الورفلّي

تونس
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.