أخبار - 2019.07.30

الهوارية: الدرّة المعلّقة بين البحر والسماء

الهوارية: الدرّة المعلّقة بين البحر والسماء

تتفرد مدينة الهوارية بجمالها الساحر فتضاريسها تجمع بين الجبل والبحر والسهل.. هي آخر نقطة في الشمال الشرقي للوطن القبلي، لا تبعد عن صقلية الإيطالية سوى 80 كلم وتبعد عن تونس العاصمة قرابة 110 كلم.. هي اليوم وجهة محبّبة للعديد من المصطافين التونسيين والضيوف من عدّة بلدان.  سرقت الهوارية من سحر الطبيعة ملامح ميزتها، فزرقة البحر والسماء تحتضنها ونقاوة الهواء الذي ينساب نسائم عذبةً من جبالها  تستهوي الزائر فيطيب له المقام بين أناس من سماتهم حسن المعشر والتواضع والحفاوة.

وأنت في طريقك إلى الهوارية قادما من العاصمة تستقبلك شمالا، على هضبة تطلّ على الغابة والبحر، سلسلة من المراوح الهوائية العملاقة لتوليد الطاقة الكهربائية. فالمحطّة الهوائية بسيدي داود الهوارية هي من أهمّ ما ركَّز في البلاد من محطّات بهدف استخدام الطاقات الجديدة والمتجدّدة، ماتزال الهوارية التي أطلق عليها قديما اسم «اكيلاريا» أو مدينة الصقور شامخة بشموخ جبالها..وحتى لسمائها تميّز، فهي آخر نقطة لمراقبة الطيور المهاجرة قبل انطلاقها في رحلة عبور البحر الابيض المتوسط..مغاورها عديدة وكهوفها متّصلة تروي تاريخا يعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة عندما أُخذت من مقاطعها الحجارة لبناء مدينة قرطاج . كانت المغاور بالأمس قبلة للزوار والسياح ولكنها إلى اليوم مغلقة منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن بسبب تصدّعات في هياكلها في انتظار إيجاد حلول لصيانة الموقع..

حلول باتت بالنسبة إلى الأهالي ضربا من الحلم..حلم بإعادة إنعاش المنطقة بعودة النشاط السياحي إليها من خلال توافد الزوار على موقع كان بالامس أحد أهم المواقع الأثرية في تونس. الهوارية صمدت وغالبت. ابتكر أهاليها وشبابها أنشطة ترفيهية جديدة فأصبح بإمكان الزائر الخروج يوميا في جولة بحرية على متن زوارق شراعية أو أحيانا على زوارق صيد تقليدي. فإذا بالزائر يمتطي البحر ليستمتع بالسباحة في أماكن على مشارف الجبــال لا يمكن الوصول اليها إلا بحرا.

وما يميّز الهوارية أنّها تتربّع بين شاطئين، أحدهما رملي والآخر صخري (المتاريس والقرّادة) وإذا ما عنّ لك تمتيع النظر بمشاهد فاتنة عليك أن تصعد الجبل لتطلّ على رأس الطيب، هذه الذراع الممتدّة في قلب البحر الأبيض المتوسّط في اتّجاه إيطاليا.  روّض أهالي الهوارية البحر ودجّنوا الكواسر وجعلوا لطائر الساف مهرجانا في شهر جوان من كل سنة منذ أكثر من خمسين سنة. أضحى الصيد بالساف من التقاليد التي لن يتخلّى عنها أهالي المدينة.. إنّهم لا يربّون هذا الطائر، وإنّما يستضيفونه منذ موفى شهر مارس قبل أن يستعيد كامل حرّيته بعد تنظيم المهرجان.  وها هي البلدية تطلق منذ شهر جوان الفارط حملة لإدراج الصيد بالساف ضمن التراث اللامادي العالمي، عساها تساهم في تنشيط الحركة السياحية في المدينة.

تسأل رئيس بلديتها فهمي الأسطى فيحدّثك عن مكامن للتنمية، أساسا بتحويل المنطقة إلى وجهة للسياحة البيئية والثقافية ..

فالهوارية حباها الله بطبيعة خلابة.. شهرة مغاورها تجاوزت حدود تونس وبحرها وشواطئها تعتبر غاية في النظافة.. طبيعة في حاجة إلى الحماية والتثمين وحٓريّة ببرامج للتطوير يبقى الدعم من أبرز نواقصها. يأخذه الحديث عمّا تواجهه البلدية من مشاكل يومية وعن حرصها على قضاء شؤون المواطنين إلى واقع معقّد مردّه قلّة الموارد وخاصة «عدم اكتراث السلط المركزية». البلدية تسعى إلى إنجاز ما يمكن إنجازه بإمكانيات ضعيفة. ولعلّ مكوّنات المجتمع المدني تستقطب بأنشطتها المتنوعة أنظار محبّي الهوارية وأهاليها إلى سبل النهوض بالمدينة والعمل على تثمين مــــواردها. لا يقف الحديث عن الهوارية عند فضائها المتصل بل يتّسع مجاله إلى أفق قريب حيث زمبرة وزمبرتة.. جزيراتان لا تتاح زيارتهما إِلَّا للمحظوظين ممّن يحصلون على التراخيص اللازمة حتى تطأ أقدامهم أرض الجزيرة العذراء بعد أن أدرجت ضمن قائمة المناطق الطبيعية المحمية. وتبقى إمكانية المرور من جانبي الجزيرة ممكنة ولكن على مسافة محدّدة. تتعدّد الأنشطة الجمعياتية  في الهوارية وتجد لأغلبها صدى في مواقع التواصل الاجتماعي..

أنشطة تلتقي حول تثمين المخزون الثقافي من الأكلات التقليدية ومن أبرزها « الكسكسي بالدرع» إلى الصيد بالساف والغوص والصيد التقليدي. أنشطة ثقافية وشبابية على طول السنة غالبا ما تحتضنها دار الشباب بالمدينة التي أضحت بفضل حيويّة مديرها محمد بكّار فضاء للتلاقي والحوار وللدورات التكوينية وآخرها دورة لتكوين صحفيي تلفزات الواب.. أنشطة يراد من خلالها تثمين البعد المتوسطي للمدينة خاصة وأنّ الوطن القبلي في شكله يد ممدودة إلى المتوسط والهوارية أكثرها ولوجا في البحر. تتنوّع الملتقيات وتتعدّد المبادرات في سعي إلى إعطاء دفع جديد للحركة في هذه المدينة الساحرة التي ترفض الرتابة وتتوق إلى تبوّؤ منزلة أفضل قطبا للسياحة البيئية والثقافية في الوطن القبلي

محمّد الرايس التوكابري

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.