الرئيس الباجي قايد السبسي أب الديمقراطية التونسية
مهما كان تقييم حصيلة عهدة الباجي قايد السبسي سيظلّ اسم الرئيس الراحل حاضرا بامتياز في سجّل تاريخ تونس باعتباره أوّل رئيس عربيّ منتخب ديمقراطيا. فلا أحد بإمكانه أن ينكر ذلك أو يستهين بالدور الذي اضطلع به وزيرا أوّل في سنة 2011 بمعيّة الرئيس المؤقّت فؤاد المبزّع في ضمان استمرارية الدولة في زمن الانتقال الديمقراطي، كلّ وفق طريقته، الأوّل بوصفه رئيس السلطة التنفيذية والثاني من موقعه وزيرا أوّل، ديدنه الحفاظ على هيبة الدولة والإعداد لانتخابات حرّة وشفافة لأعضاء المجلس الوطني التأسيسي.
وبحكم اختلافه إلى الحبيب بورقيبة وتأثّره به أيّما تأثّر وحرصه على النهل من معين فكره كان الباجي قايد السبسي خير مريد للزعيم الملهم، يستشهد في خطبه بأقواله المأثورة ويسلك منهجه في تسيير شؤون البلاد وفي مقاربة الملّفات الوطنية والدولية إلى حدّ التماهي معه في أكثر من مجال : في التمسّك بمفهوم الدولة وقوّٰة الشخصية وسعة الثقافة وإتقان فنّ الخطابة وحضور البديهة والفطنة والذكاء الحادّ مع ميل إلى تخيّر اللفظ الذي لا يخلو من ظرف ودعابة...
وعلى الرغم من مكائد خصومه السياسيين وانتقادات وسائل الإعلام و"خيانات" البعض ممن كان وراء بروزهم على الساحة خلال الأشهر الأخيرة استطاع قايد السبسي بفضل دهائه وحنكته أن يتجاوز كلّ الصعاب وأن يجنّب مسيرة البلاد العراقيل والعثرات.
ولاشكّ في أنّ الفقيد الذي كان في أربعينات القرن الماضي طالبا بباريس يستحضر دوما هذه المقولة لرجل الدولة الفرنسي ليون بلوم :" للديمقراطية الحقّ في الجحود".وربّما كان يستعيد في ذاكرته أيضا، وهو الشغوف بالتاريخ مثله مثل بورقيبة، أطوار الثورة الفرنسية ، بـ"رعبها" وصفحاتها المضيئة، بانتصاراتها وانكساراتها.
عندما تولّى مقاليد الوزارة الأولى في 27 فيفري 2011 قطع على نفسه عهدا بأن يترك بعد رحيله عن قصر القصبة تونس في أفضل حال في حين كانت البلاد تعيش حالة من الغليان والفوضى العارمة : اعتصامات وقطع للطرقات وإضرابات عشوائية في معظم القطاعات المهنية وارتفاع لسقف المطالب لدى الشباب المتطلعين إلى جني ثمار الثورة دون إبطاء أو تأخير، فضلا عن تداعيات الثورة في ليبا على الاقتصاد الوطني وازدياد عدد اللاجئين الوافدين من هذا البلد الجار من جنسيات مختلفة وركود السياحة ومختلف الأنشطة...
لم يوفِّق الباجي قايد السبسي وزيرا أوّل ثمّ رئيسا للجمهورية في تنفيذ كلّ وعوده، لكن يحسب له نجاحه في حماية المسار الديمقراطي من مخاطر التراجع والانتكاس وكذلك في تعزيز إشعاع تونس في الخارج وإعادة الاعتبار لدورها في الساحات العربية والأفريقية والمتوسطية والدوليّة.
- اكتب تعليق
- تعليق