محسن بن عيسى: تساؤلات عن مسيرة الدولة ومسار الأمة

محسن بن عيسى: تساؤلات عن مسيرة الدولة ومسار الأمة

يتمثّل التحدي العام لدينا في تغيير رؤية المجتمع للممارسة السياسية التي ساهمت إلى حدّ بعيد في بث الفوضى وتسبّبت في نزع المصداقية عن الأحزاب، ويتأكد هذا التحدي أمام تزايد المخاوف لدى الرأي العام بالنظر لمواقف وأداء عدد من الشخصيات.

لدينا حالة عدم اطمئنان تجاه الوضع القائم المتّسم بالانقسام وتزايد التّحديات المُحدقة بالدولة وشعبها وكيانها. هناك تساؤلات عديدة تُطرح حول ما يجري في البلاد.

مسار البناء الديمقراطي؟

هناك ملفّات صعبة تواجه الدولة وهناك عدد من الأسئلة بحاجة إلى أن تثار مع الأحزاب المعارضة   وينبغي طرحها على الأحزاب الحاكمة، فالواقع الوطني يفترض تجاوز الحوارات حول البديهيات. لقد تجاوزت الأمم الحوارات النظرية وحَسمت إجاباتها لتَنْصرف إلى بناء مجتمعاتها وتحديد رسالاتها وأُسُس تقدّمها. إنّ ما يحكم المجتمعات اليوم هو الإيمان بالمبادئ المشتركة والالتزام بالقيم كمقياس للتغيير نحو الاصلاح. لقد آن الأوان لنبحث الصيغ الملائمة لتعديل مسيرة الدولة ومسار الأمة.

الديمقراطية في المطلق هي أداة فريدة لإدارة المجتمع، وهي منظومة إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة قوامها الشفافية والمشاركة وليست مجرّد هيكليات تنظيمية وحزبية ومؤسسات تمثيلية.

إنّ أهمّ عائق في إدراك الديمقراطية هو تغلّب ظاهرة الفوضى على القانون وجعلها نظام عمل ومنهج، و بناء على ذلك فمن السهل أن تتحوّل الحياة السياسية إلى ما يشبه المسرحية حيث يَحْتكم ويُسوّق البعض ما يراه من مبادئ وقضايا باسم المصلحة العامة أو الوطنية،ويُذعن في نفس الوقت لضغوطات سياسوية وإغراءات مالية لتنفيذ أجندات أجنبية، وعندها يقوم الصف الأول من الأتباع بالتصفيق وتقبع بقية الجماهير في نومها في المقاعد الخلفية. هكذا تبدو بعض المسرحيات الحزبية وتتمظهر البداوة السياسية.

تقول لنا نظرية الديمقراطية إنّ الشعب هو الذي يحكم، وما يحدث في الواقع أنّ هناك فئة تطمح لحكم الشعب بأسلوب لا يختلف إجمالا عن أسلوب الأمراء والحكم المطلق.. وقانون المافيا وسياسة " البزنس". لم يعد لوجود رموز معتدلة في السياسة دلالة، فحالات التصعيد هنا وهناك تعبّر نظريا عن نوع من المواجهة. إنّ مشكلة التوازنات ليست في الأرقام وإنّما في طبيعة العلاقات ومدى شعور الأطراف السياسية بشرعية الدولة وعلويّة الدستور، والحديث عن الدولة يجرنا للحديث عن أمرين هما: الاستمرار والاستقرار. 

هناك كثير من الاختلالات التي تشوب واقعنا وممارساتنا، والتجربة التي مررنا بها منذ 2011 أبرزت إلى أيّ مدى  ديمقراطيتنا هشّة وليست مستقرّة وتحتاج إلى انطلاق جديد وحقيقي. هناك حاجة لبناء الديمقراطية على منهج تشريعي  يِؤكد أنّ الانتماء  هو في الأصل للدولة وليس لعرش أو جهة أو أسرة أو حزب أو تيار معيّن، هناك ضرورة للاهتمام بمبدإ المواطنة القانوني لدى كل الأطياف الاجتماعية.

عملية الولاء والانتماء السياسي؟

نحن بحاجة – إذا أردنا بناء الديمقراطية- أن نبني مفهوم المواطنة، وعملية الولاء والانتماءالسياسي، فغياب مستويات الانتماء كان أحد أبرز إخلال المسار الديمقراطي، وإذا كان الإسلام السياسي دون حلّ فلن تكون هناك ديمقراطية حقيقية في الحالة الموجودة والراهنة.

لقد وجّه  التوسع في إنشاء الجمعيات والأحزاب بدون مراقبة إحدى الضربات الموجعة للممارسة السياسية والعمل الاجتماعي. لقد أُنشئت والكثير من مُسيّريها لم يمارسوا العمل السياسي والاجتماعي في حياتهم ويعدّ هذا أبرز عوامل الأزمة الحالية.

إنّ الامتنان الذي يعمّ الثقافة الشعبية تجاه الأعمال الخيرية جعل النزاهة الشخصية لدى النخب مشبوهة، فهناك توظيف متزايد للفقر والبطالة وتدني مستوى المعيشة  وسعي مبطّن لجعلها آداة انتخابية ووسيلة ضغط شعبية على الدولة والحكومة.

صحيح أنّ الوضع الحالي يعاني من نقص حاد في الزعامة لأنها غير متاحة للجميع ومشروطة بالإعداد الملائم لوظيفتها والانتماء إلى الطبقة المناضلة.  وبصراحة هناك تناقض  واضح بين  مصالح بعض القوى السياسية  ومصالح الدولة وبنيتها وثوابتها.

إنّّ البلاد لا تعيش في معزل عن إطارها الاقليمي وإطارها الدولي، وعلينا أن نأخذ من التجارب والتعاون ما يناسب وضعنا، والخطورة في ذلك أن يؤثر الواقع الاقليمي والسياسات الدولية على مستقبل تونس وتركيبتها السياسية، وهذا أمر وارد في ظل  استمرار ضعف الدولة  وتشرذم القوى السياسية وارتباط البعض منها بالخارج.

إنّ المهازل والفضائح التي تسود المشهد السياسي تعدّ مؤشرا هاما بالنسبة إلى المتربّصين بالمجتمع التونسي وخصوصا أولائك الذين يأملون تغيير سِمَته ومَسَاره، ويبدو أننا في حاجة إلى تدابير جديدة لحماية الدولة من احتمالات انتهاك سيادتها وتقويض أمنها واستقرارها.

إنّ قدرة الدولة على حماية كيانها الذاتي من الأخطار الداخلية والخارجية وضمان بقائها واستمرارها هو جوهر الأمن بالنسبة إلينا، وأنّ الآفاق المستقبلية لتونس متوقفة على الأحزاب بل على مدى نجاح الحكومات في التعاطي مع المتغيرات الداخلية والدولية على أساس مصلحة الوطن والمنفعة المتبادلة.

محسن بن عيسى

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.