الإسلاموفوبيا: عندما تتحول الإيديولوجيا إلى إرهاب- اليمين المتطرف نموذجا

لإسلاموفوبيا : عندما تتحول الإيديولوجيا إلى إرهاب- اليمين المتطرف نموذجا

إنّ الحديث عن الإسلاموفوبيا كظاهرة اجتماعية حديثة نسبيا في الغرب لا يمكن أن نفصلها عن جذورها المعرفية والتي تتمثل بداية في الأفكار العنصرية المتطرفة التي تحولت منذ أواخر السبعينات إلى الشاكلة الفلسفية الحالية من معاداة الأجنبي أو الإسلام في ظاهريته الجديدة عبر وجود المسلمين في الغرب.

فالتطرف اليميني كظاهرة إيديولجية ليست بجديدة وليست وليدة البارحة بمعنى أنّ التشكل الإيديولوجي لهذه الظاهرة نهل من تيار سياسي إيديولوجي قديم وهو اليمين المتطرف في الغرب والتحول الابستمولوجي التاريخي القاطع اللذي عرفه هذا التيار في الغرب من معاداة لليهود والذي كان متاطرا مع ما كان يعرف بالمسالة اليهودية في أوروبا و في الغرب عموماً.

كانت هذه المسألة فعلا مادة للتنظير الفكري العنصري في أواسط القرن التاسع عشر وما تمخض عن هذا التيار فيما اسميه  بالفاشيات  المختلفة في الغرب وإن اختلفت التسميات فهي تنبع من معين واحد و فلسفة واحدة ألا وهي فكرة السيطرة للرجل الأبيض على باقي العناصر البشرية والتأكيد على العلوية الأدبية   والحضارية للغرب والتي حملتها أفكار الانوار والفلسفة الألمانية المستندة إلى نظرية القوة و بالتالى موت الإله في صيغته النتشوية المتطرفة إلى أن انتهت بمأساة المحرقة اليهودية أو ما سمي بالهولوكوست كان هذا مرحلة وصل فيها الغرب إلى التفطن أن ترك اليمين المتطرف بدون كوابح سيكون كارثة معرفية وفكرية ناهيك عن كونها إنسانية.

وجاء انهزام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية إيذانا بانطفاء التطرف الايديولوجي اليميني أو هكذا خيّل للعديد من الناس.

ومن ثمة انضوى الفكر اليميني المتطرف وتفتت في شكل أفكار وأحزاب معزولة وهامشية في خارطة الفكر السياسي في الغرب وفي شاكلته السياسية الحزبية في أوروبا ما بعد الحرب وكانت الحرب الباردة و الاصطفاف الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية كزعيمة للعالم الحر انذاك على الطبقات السياسية الاوروبية الجديدة والمحسوبة على العالم الحر الليبرالي بمفهومه الأمريكي بطبيعة الحال،  قلت كان عليها وفي مواجهة وجودية و مصيرية مع اليسار الأوروبي المتطرف أن يتم حتى وإن كان ذلك على استحياء الإبقاء على وجود اليمين المتطرف في أوروبا الغربية كنوع من توازن الأضداد في لعبة الصراع الإيديولوجي المستعر انذاك.

بالتالي كان لليمين المتطرف أن يعود في شكل أنساق و مجموعات فكرية قد تتشكل في شكل جناح سياسي حزبي صغير ضمن الهيكل السياسي البرلماني الأوروبي الرسمي ولكن بصفة هامشية في حدود ما يسمح به القانون السياسي للأحزاب في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وبالفعل شهدت أوروبا الغربية وبلدان كالمانيا وإيطاليا و فرنسا وأسبانيا إبان فترة حكم الزعيم الإسباني فرانكو هذا النوع من الاحزاب بالتالي فتحليل الظاهرة اليمينية المتطرفة في الغرب وأعني بذلك خاصة أوروبا الغربية يحيليني بطبيعة الحال إلى تفسير المادة الفكرية التب ارتكز عليها الفكر السياسي لليمين المتطرف فإذا ما أخذنا على سبيل المثال أسبانيا في عهد فرانكو وما سمي انذاك بحزب الفالنج المتطرف والمدعوم سياسيا من الدولة والكنيسة الإسبانية كرافد من روافد الإيديولوجية الفرنكية الداعمة للنظام انذاك ولعبت فيه أطراف من اليمين الإسباني موجودة إلى الآن في حزب المحافظين دورا مهما في التغذية الفكرية لهذا التيار اليميني كإبراز الهوية الكاثوليكية الإسبانية المعادية للاجانب وخاصة التاريخ الإسلامي لإسبانيا.

لم يكن موت فرانكو إلا بداية جديدة لدخول بعض من عناصر اليمين المتطرف إلى الانتماء من جديد في إعادة الرسكلة السياسية إن صحّ التعبير والدخول من جديد إلى تيار اليمين أو وسط اليمين البرلماني في الكورتيس الإسباني و تمايزه في المعارضة البرلمانية في هذا البلد الأوروبي. كل هذا للتأكيد على معطى هام في تحليل الخريطة السياسية لليمين المتطرف في الغرب.

إنّ اليمين البرلماني يتغذى من الرصيد الإيديولوجي لليمين المتطرف المعادي للاجانب فهو في هذا السياق يكوّن لنفسه رصيدا احتياطيا هاما في أيّ محطة انتخابية مقبلة يحتاج فيها اليمين (المعتدل) إلى تعديل أجندته و إبراز عناوين كالهوية والتخويف من الأجانب في ديباجة المانيفستو السياسي لهذه الاحزاب الشيء الذي يجعل هذه الأحزاب البرلمانية في صراع رخيص على أصوات الناخبين والتسميم اللذي يطال بطبيعة الحال الحياة السياسية البرلمانية في الديمقراطيات الغربية ويفقدها من مصداقيتها.

قد يكون المثل الفرنسي في هذا السياق مفيدا في تحليل الفكر اليميني المتطرف في هذا البلد وهو عكس ما يتبادر إلى الاذهان على أنّ هذه الظاهرة هي وليدة ومرتبطة بظهور حزب الجبهة الوطنية و المسماة حاليا بالتجمع الوطني.

روافد اليمين المتطرف في فرنسا قديمة جدا تشكلت وخرجت من رحم الملكية الفرنسية أو ما يسمي بالنظام البائد. لم تكن قضية العسكري الفرنسي دريفوس ذي الديانة اليهودية والذي اتهم زورا بإفشاء أسرار عسكرية فرنسية للعدو الألماني انذاك وكان ذلك في ١٨٩٤ المبرر الرئيسي لوجود هذا التيار.

اذن نحن أمام رافد فكري قديم نهل منه اليمين في الغرب بشقيه المعتدل والمتطرف أرصدة فكرية و فلسفية في الميز العنصري وإشاعة ايديولجية التفوق العنصري والحضاري للغرب شكلت في تلك الفترة الديباجة الاستعمارية التي سوغها الغرب لنفسه في مغامراته الاستعمارية.

يهمني أن أصل في هذه الورقة إلى الخيط الدقيق الذي يربط اليمين في شقه المعتدل والمتطرف الذي يتعدى في تصوري التشكيل الحزبي إلى ما أبعد من ذلك من زخم فكري وإيديولوجي.

فاليمين المتطرف على خطورته لم يقف على ما يعتقده البعض في "المحطة النازية" وهزيمتها العسكرية والفكرية في الحرب العالمية الثانية بل على العكس من ذلك يبدو أنّ فلسفة اليمين السياسية أصبحت منذ بداية هذا القرن في نسق تطوري.

بدأت من ظاهرة صعود المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية بداية سنة ٢٠٠٠ إلى صعود أحزاب يمينية في أوروبا الغربية في النمسا وإيطاليا وتشكله في بعض الأحيان أعني هذا التيار إلى مراكز بحثية ومؤسسات جامعية تنظّر وتتبنى بعض الاطروحات اليمينية المتطرفة كالتشكيك في المحرقة النازية أو تمجيد الاستعمار الاستيطاني في أفريقيا وآسيا قد نذكر في هذا السياق إجماع البرلمان الفرنسي بكل أطيافه السياسية تمجيد الحقبة التاريخية الفرنسية في الجزائر و المغرب العربي على العموم يجب أن يتفطن الفاعل السياسي في الغرب  إلى أن تحليل ظاهرة اليمين المتطرف وحضوره السياسي الانتخابي قد يختلف من بلد أوروبي إلى آخر.

أضف إلى المعطى التاريخي الاستعماري والذي قد يختلف كذلك من بلد إلى آخر إذا ما أخذنا المثال البريطاني والذي يعتبر اكثر انفتاحا وسلاسة في تصفيته لارثه الاستعماري مقارنة بالمثل الفرنسي مع بعض التحفظات.

قد تقاس التجربة الفرنسية الاستعمارية وتعاملها مع مستعمراتها القديمة وخاصة العربية منها وذات الكثافة الإسلامية يحيلنا بالتالي إلى الحساسية الشديدة التي تتعامل  بها فرنسا مع مواطينها ذوي الأصول المسلمة وإذا ما قيست هذه العلاقة بالتأطير  القانوني اللذي نظم هذه العلاقة و أعني بذلك قانون ١٩٠٥ وهو الذي يعني بتنظيم العلاقة بين الكنيسة والدولة الفرنسية فالقراءة التعسفية باثر رجعي  لهذا القانون والذي كان موجودا زمن الهيمنة الفرنسية الاستعمارية قد أصبح له اليوم أثر استفزازي ومناقض للحريات العامة للعديد من الفرنسيين المسلمين اليوم.

قد يبدو فعلا أن المثال الفرنسي له من الخصوصية ففرنسا على عكس باقي الدول الغربية مازالت تشعر بحساسية مفرطة من ظاهرية وجود المسلمين كمواطنين فيها وقد يحيلنا هذا إلى فشل هذا البلد الأوروبي إلى الاعتراف بجرائمه الاستعمارية وإرثها الالحاقي الاستعماري الدامي يعكس هذا بطبيعة الحال إلى المفارقة التالية والتي تتمثل في أنّها أي فرنسا الدولة الغربية الوحيدة التب لها أكبر جالية مسلمة في الغرب ومصالحها متشابكة مع العالم الإسلامي.

ياسر ذويب

ناشط سياسي وحقوقي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.