نحـب نـولّي رئيس جمهورية!

نحـب نـولّي رئيس جمهورية!

فتحت الفايسبوك اليوم منذ الفجرية، باحثا كالعادة عن أخبار طازجة طرية، تفوح بروائح الفضائح السياسية، ومنقّبا عن أذيال عركات انطلقت على القنوات التلفزية، لتستمرّ بأكثر شراسة على الصفحات الفايسبوكية. وبينما كنت أتجوّل بين أخبار بوه على خوه، فيها الصحيح وفيها الغالط وفيها المشبوه، وبين معارك من الكلام، أغلبها سبّ وشتام، والضرب فيها تحت الحزام، إذ بصورة لصديقي العيّاش تخطف نظري، وتستوقف بصري: صورة للعيّاش وهو في لباس رئيس الجمهورية، موشّح بوسام وعلى صدره قلادة ذهبية، وقد وقف في وهرة رئاسية، توحي بشدّة حزم وقوّة شخصية، وتحت الصورة عنوان بالخط الغليظ، والبنط العريض: «محمد العياش يترشّح لرئاسة الجمهورية».

وبين الصورة وهذا الخبر القصير، كدت من المفاجأة أطير: «اشنوّة؟ العيّاش مترشّح للانتخابات الرئاسية؟ ياخي بعقلو ولا ناقص لو شوية؟ توّه العيّاش متاع رئيس جمهورية؟ تي هو مايجيش حتى ربع شاف في إدارة فرعية! وموش قال لي توّه مدّة إلّي ضربتّو الفدّة، م السياسة والسياسيين، وبعث الناس لكل تقضي إلى يوم الدّين؟». وما عادش طايقني صبر، فأسرعت إلى العيّاش أستطلع الخبر، فوجدته في قهوة الحومة، والحضبة حوله ملمومة، وهو يخطب في الناس، بين جبدة شيشة ورشفة كاس. فطلبت منه بعد السلام، أن يمنحني بعض الوقت للكلام، على أن يكون حديثنا راس راس، بعيدا عن كلّ رقيب ونسناس، فانتحينا ركنا فارغا من القهوة، بعد أن اعتذر العيّاش من جمهوره لحظة. عند ذلك بادرته بالسؤال: «ياخي ناوي بالمنجد تترشّح لرئاسة الجمهورية؟»، فأجاب: «علاش لا مادامت كلّ الشروط متوفرة فيّ؟ أنا تونسي ميّة بالميّة، لا باب قاوري لا أمي رومية، وما عنديش سوابق عدلية، وعمري يسمح لي بالترشح لخطة الرئيس، لاني نرضع في صبعي ولاني صغير نلعب في الحومة بالبيس»، فأجبته: «لكن ع الدزة هاذي  خمسة ملاين تونسي وتونسية، ينجمو يترشحو للرئاسية!»، فقال: «موش مشكلتي يا عباد، هذا حق مكفول في دستور البلاد، وأنا  يا صديقي، ما نحبّش نسلّم في حقوقي..»

فسألته بكل كياسة: «بربّي: قل لي يا صاحبي: اشنية علاقتك بالسياسة، وانت لاعمرك دخلت حزب ولا تحمّلت مسؤوليات، ولا عندك في الماضي نضالات؟»، فأجابني مستهزئا: «بربّي يزّي بلا مثاليات! قال لك أحزاب ومسؤوليات ونضالات! هل نسيت أن في انتخابات 2014، أربعة وأربعين من الذين قدّموا ملفّات ترشّح من جملة سبعين هم  مستقلون، ولا حزب ولا نضال ولا هم يحزنون، وأغلبهم نكرات غير معروفة، ووجوه ليست بالمألوفة، لكنّهم أصبحوا بحكم الانتخابات الرئاسية، نجوما تلفزية ،وأسماء متداولة في الصحافة الوطنية. إمّاله   علاش موش آنا المرّة هاذية؟ ياخي برشة ملي  ترشحو قبلي ناس خير منّي؟ ماو فيهم لي يشطح على طار بوفلس وفيهم لي بالطرودي يغنّي، وفيهم لي أمورو العقلية موش ولا بد، وفيهم لي علاقتو بالفساد والرشوة والنظام السابق حد ماقال لحد...». فقاطعته عند هذا الحد: «باهي سي الشباب : تحب تولّي رئيس جمهورية؟ ياخي عندك برنامج للبلاد ورؤية واضحة جلية؟».  وعندما استمع العياش إلى هذا السؤال، انطلق في ضحكة   اتسع مداها وطال، ثمّ على إثرها قال: «اشنوّة برنامج! برنامج هبال ! ماو توه نعمل كيف الناس الكل، نشيّخ الناس بالوعود واربط في ذيلو تل! آش يحب الشعب المسكين؟ ماو الخبزة بخمسين، والنقل والدواء بلاش، والبطالة مافمّاش، وسيّارة شعبية، مع تسهيلات بنكية، وكان يحبّو نعمل للهم زادة قنطرة من بنزرت لبر الطليان، باش نقضيو على حاجة اسمها الحرقان»، فقلت : «لكن هذه وعود كاذبة وأوهام، سبقك إليها بائعو الأحلام، ثمّ إنّك تعلم أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة، فكيف يمكن أن تسوّق للناخبين هذه الجنّة الموعودة؟». فردّ عليّ دون التباس: «ياولدي خلينا نمشيو بهوى الناس، أما خير نبيعولهم الأمل وإلا نذوقوهم مرّ الكاس؟».

وإزاء هذه الحماقة، غيّرت الموضوع بكل لباقة: «طيّب ولو فرضنا أن ملفّك كان سليما ميّة بالميّة، وحصلت على التوقيعات المطلوبة من أجل التزكية، وأنّ ترشّحك بالتّالي مقبول، ياخي ناوي تجيب حاجة يا مهبول، وأنت تواجه مرشحين من الوزن الثقيل، وراءهم أحزاب وتمويل؟ أتعلم أنّك إذا جبت صفر فاصل بوك بيّ، وقبلك إنت سياسيين يقولو بارواحهم ماجابو حتّى شي؟»، فأجابني وهو غاضب: «إن شاء الله في راسك، وانا لي كنت نظنّك صاحب، فإذا بك مثبط للعزائم، ووجهك وجه هزائم». ونهض من مكانه، ليلتحق بأنصاره، وهم به يرحّبون، وحوله يهلّلون.وفي المساء هاتفت صديقي  للاعتذار، وردّ الاعتبار، فإذا بالعيّاش،  بعد أوّل كلماتي، يقاطعني بسيل من الضحكات، قبل أن يقول: «ألم تفهم يا راس الفيل، أنّ القصة ما كانت إلاّ كذبة أفريل ؟».

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.