تونس في حاجة إلى تصوّر جديد لسياحتها
قرأت كعادتي على صفحات جريدة الصباح الصادرة يوم الخميس 04 أفريل 2019 مقالا حول تكريم القائد القرطاجني حنبعل بإقامة تمثال له في أحد الأماكن بقرطاج، وكان اختيار المكان موضوع جدل ممّا جعلني استحضر رسالة كنت وجهتها الى السيد عز الدين باش شاوش وزير الشؤون الثقافية في 25/7/2011على إثر انتفاضة 14 جانفي، اقترح فيه إحياء الميناء البونيقي بإعادة بنائه مع توفير المرافق العصرية حوله حتى يكون موقعا سياحيا يقصده السياح من كل انحاء العالم نظرا لشهرة قرطاج وقائدها حنبعل إيمانا مني بأنّ الثورة ستفتح آفاقا واسعة للخلق والإبداع، فتراني أعوداليوم لهذا المقترح بمزيد التوضيح وجلب انتباه القائمين على السياحة لأهمية الموضوع الذي كان ولا يزال في مستوى الحلم الذي أعتقد أنّه ممكن التحقيق لو توفرت لدى المسؤولين في الدولة النظرة الاستشرافية لما يجب أن تكون عليه سياحتنا في القرن الحادي والعشرين.
ضرورة تصور جديد لسياحتنا
حان الوقت لأن يكون لنا على المدى المتوسط تصور جديد لما يجب أن تكون عليه سياحتنا في المستقبل وذلك بتطوير المفهوم القديم التي انبنت عليه عند انطلاقها في عشرية الستينات من القرن الماضي.ويتعين المرور من سياحة تقليدية تعتمد الفندقة والبحر والشمس إلى سياحة متطورة متنوعة النشاط والأبعاد مثل ما نجده في دول المتوسط وبلدان الخليج، سياحة شاملة لكل متطلبات الحياة العصرية ومستجيبة لكل حاجيات الإنسان في الراحة والترفيه والتثقيف تعتمد على جمال الطبيعة وجمال المدينة ومرافقها العمرانية والمناخ الاجتماعي المنفتح والبيئة السليمة النظيفة والمخزون الثقافي والحضاري، هذا ما يدعونا إلى التفكير في إحداث مشاريع عملاقة تشمل كل هذه المرافق. إقامة البناءات حول الميناء البونيقي في عرض البحر أصبحت سهلة وممكنة نظرا لتوفر الوسائل والتقنيات الحديثة.
الميناء البونيقي لمدينة قرطاج
هذا الميناء التاريخي الذي ما زالت معالمه بارزة إلى الآن، لكن مع الأسف أصبح اليوم عرضة للبناء الفوضوي ومصبا للنفايات، بينما هو يمثل أكبر مخزون أثري وتاريخي يمكن استغلاله لتطوير سياحتنا وإخراجها من مفهومها التقليدي إلى تصور جديد يجمع بين مرافق الترفيه وأصول الحضارة القديمة، اسم قرطاج هو اسم كبير، يطلق على الأنهج والمدن في أمريكا وأوروبا وحتى في آسيا. إحياء هذا الميناء يفتح للسياحة آفاقا جديدة ويرجع لتونس بريقها ومكانتها التاريخية.
انطلق من هذا الميناء القائد الأسطورة حنبعل الذي حقق أكبر ملحمة عسكرية في التاريخ باجتيازه جبال الآلب بجيشه المجهز بالفرسان والفيلة لمحاصرة روما خصيمة قرطاج التي كانت تطمح إلى بسط نفوذها على البحر الأبيض المتوسط وكان في إمكانه ذلك لو لم يخذله حكام قرطاج ولم تطله يد الغدر في معركته ضد جيش الرومان بمنطقة زاما.
ما رأيكم لو أقدمنا على إنجاز هذا المشروع وأرجعنا الميناء بعد تهيئته وإعادة بنائه إلى الشكل الذي كان عليه في القرن الثاني قبل الميلاد ووظفناه في خدمة السياحة ببناء النزل والمطاعم والمقاهي ومحلات الترفيه بكل أنواعها، يتنقل فيها السائح بين هذه المرافق والإنشاءات على قوارب في شكلها البونيقي يقودها ربان بملابس بونيقية؟ كما تقدم بها المطاعم للسواح مأكولات مستوحاة من الطبخ البونيقي وغيره من الأطباق التقليدية الرومانية والتونسية، اليس هذا من الخصوصيات التي تعطي لسياحتنا بعدا آخر ومختلفا عما ينجز في بلدان أخرى؟
تمثال حنبعل
هكذا يجد السائح منتوجا لا يجده في أي بلد آخر يدفعه إلى اختيار وجهته بدون تردد لينغمس في الزمان والمكان لحضارة من أهم الحضارات التي عرفتها البشرية في تاريخها القديم وتكون مناسبة للتعرف على الجوانب المضيئة للحضارة القرطاجنية وعبقرية حنبعل العظيم المجسّم في تمثال يليق به، يقام في مدخل الميناء، فهل من الصعب تلازم إقامة التمثال مع إعادة بناء الميناء البونيقي؟ لا أظن. إنّه حلم ممكن التحقيق عندما تتوفر الجرأة والنظرة البعيدة. نأمل أن يرى النور في وقت غير بعيد لأنه سيكون بالنسبة إلى تونس مشروع القرن الحادي والعشرين ويمثل قفزة نوعية لسياحتنا، يتعين إذا بداية من اليوم إعداد الدراسات عن طريق مكاتب تونسية وأجنبية وعرضها على التمويل الداخلي والخارجي الذي يتوفر بسهولة لإنجاز مشروع حضاري فريد من نوعه.
عبد السلام القلال
- اكتب تعليق
- تعليق