اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان: هل هو تمهيد لتمرير »صفقة القرن«؟
شكّل اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على منطقة الجولان السورية صدمة للعالم. قرار يأتي بعد أكثر من سنة من اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل ويندرج ضمن خطّة كاملة لترامب لتمرير »صفقة القرن« لحلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولكنّ التداعيات على المنطقة قد تكون خطيرة بحيث تشكّل عامل عدم استقرار جديد، من الممكن أن يهيئ لحروب مقبلة.
في تغريدة له يوم 23 مارس 2019، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: »بعد 52 عاما حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بالكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان«، تغريدة أحدثت زلزالا في العالم، بتقديم اعتراف رسمي بسيادة إسرائيل على منطقة سورية، في حين أنّ المجتمع الدولي لا يعترف بذلك.
تتالت بعـــدها ردود الفعل العربيــــة والأجنبية، المندّدة بهذا الاعتراف، حيث اعتبرت روسيا أنّ «دعوات كهذه من شأنها زعزعة استقرار الوضع بشكل كبير في الشرق الأوسط»، في حين، أكّد الاتحاد الأوروبي موقفه الرافض «لسيادة إسرائيل على الأراضي التي تحتلها منذ يونيو/حزيران 1967 بما فيها هضبة الجولان»، وذلك «تماشيا مع القانون الدولي»، حسب ما جاء في تصريح للمتحدّثة باسمه. من جهتهما، ندّدت تركيا وإيران بالقرار، حيث اعتبره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قرارا يهدّد المنطقة بـ«أزمة وتوتّــــرات جديدة»، أمّا وزيـــر الخارجية الإيراني، جواد ظريف فقد كتب في إحدى تغريداته أنّ «الجميع صُدم بمواصلة ترامب محاولة منح ما ليس له لإسرائيل العنصرية.. أولّا القدس والآن الجولان».
الجامعة العربية، عبّرت على لسان أمينها العام، أحمد أبو الغيط، عن استيائها من قرار ترامب معتبرة أنّه «خارج بشكل كامل عن القانون الدولي». وكذلك جاء تصريح وزارة الخارجية السورية التي رأت في تصريحات الإدارة الأمريكية «ازدراء للشرعيّة الدولية».
وندّدت تونس بدورها بالقرار الأمريكي، حيث جاء على لسان رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي أنّ «الجولان منطقة عربية سورية وليس بجرّة قلم يتمّ حذفها وتصبح تحت سيطرة إسرائيل. ورغم وزن الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ القرار لا يلزم كل العالم».
وخلافا لموقف المجتمع الدولي بأسره الذي كان مناهضا لتصريحات الرئيس الأمريكي، فإن هذا الأخير مضى قدما بإمضاء قرار في 25 مارس 2019 يعلن فيه اعتراف بلاده بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان التي احتلّتها إسرائيل في 67 وقامت بضمّها لأراضيها سنة 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
الأهمية الإستراتيجية لهضبة الجولان
وتكتســــي هضــبـــة الجـــولان المحتلّة أهمـــيّة كبرى بالنسبة إلى إسرائيل بسبب موقعها الإستراتيجي، حيث أنها تشرف على شمال إسرائيل وسوريا ولبنان والأردن، كما أنّها تبعد 60 كلومترا على العاصمة السورية دمشق. ويمكن من خلالها القيام بأيّ هجوم عسكريّ على المناطق المحيطة باستعمال أسلحة تقليدية، لأنّها تشكّل عازلا طبيعيا ضــدّ أيّ هجوم من سوريا، بسبب تضاريسها. وعلاوة على ذلك، فهذه المنطقة خصبة وغنيّة، تستثمرها إسرائيل في زراعة الكروم لإنتاج الخمــور، وإذ أنّهــــا تؤمّن 21% من إنتاج الكروم. كما أنها تعدّ مرعى جيدّا لتربية الأبقار، إذ توفّر 40% من إنتاج اللحوم. وهي منطقة تتوفر فيها المياه بشكل كبير، فهي محاذية لبحيرة طبرية التي تزوّد الكيان الإسرائيلي بجزء مهّم من موارده المائية. وكونها من المرتفعات التي تكسوها الثلوج في الشتاء، فإنّها تمثّل قبلة للسياح والزوار.
وتمتد هضبة الجولان على مساحة 1860 كيلومترا مربّعا، يخضع ثلثاها حاليا إلى السيطرة الإسرائيلية. في حرب 1967، قامت إسرائيل باحتلال 1260 كلم مربعا منها، ثمّ احتلّت جزءا آخر في حرب 1973 يمتدّ على مساحة 510 كيلومتر مربع. وفي السنة الموالية، أي 1974، أعاد الكيان الإسرائيلي مساحة 60 كيلومترا إلى سوريا في إطار اتفاقية فكّ الاشتباك التي أسفرت عن إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت إشراف الأمم المتحدة. ولكن في 1981، قامت السلطات الإسرائيلية بضمّ منطقة الجولان إليها في تحدّ صارخ للقانون الدولي الذي لم يعترف بهذه الخطوة.
وبداية من 1991، انطلقت جولات عديدة من المفاوضات الإسرائيلية – السورية، تعهّدت خلالها إسرائيل عديد المرّات بالانسحاب من مرتفعات الجولان مقابل إحلال السلام. ولكنّها توقّفت بسبب الحرب في سوريا منذ 2011. في الأثناء، وخلال الحرب السورية، تعرّضت مرتفعات الجولان إلى القصف بصفة متكرّرة من قبل القوات الإيرانية المتحالفة مع النظام السوري ومن قوات حزب الله. هجومات ردّت عليها إسرائيل بإطلاق صواريخ استهدفت مواقع إيرانية في سوريا وأماكن عسكرية تابعة للجيش السوري. وبحجّة حماية أمنها من الاعتداءات المتكرّرة، حرصت إسرائيل على الضغط، سواء على الولايات المتحدة أو على روسيا، الطرفين الرئيسيين في النزاع السوري، لاستبعاد إيران وحليفها حزب الله من المناطق المحاذية للجولان والسعي إلى خراجها تماما من سوريا. وعلى خلفية هذه التحرّكات، جاء القرار الأمريكي ليدعم جهود إسرائيل في الحفاظ على أمنها.
هدية لنتنياهو
تأتي خطوة ترامب كهدية ثمينة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات الإسرائيلية في 9 أفريل 2019، التي يلاقي فيها منافسة شرشة من قبل رئيس الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، حيث يتقدّم هذا الأخير عليه في استطلاعات الرأي. كما أنّ ثلاث تهم فساد تلاحق نتنياهو وهي لاتزال تحت أنظار القضاء الإسرائيلي. بالتالي، فإنّ فوزه في الانتخابات، يُعدّ القشة التي يتعلّق بها للهروب من التهم القانونية المتعلّقة به. لم يخف رئيس الوزاراء الإسرائيلي فرحته بمبادرة الرئيس الأمريكي التي وصفها «بالمعجزة»، ليسارع بعد بضعة أيام من إطلاق ترامب لتغريدته بزيارة واشنطن ليكون حاضرا على قرار إمضاء الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
هذه الهدية الثمينة، ليست الأولى التي تمنحها الإدارة الأمريكية الحالية للكيان الإسرائيلي، ففي ديمسبر 2017، أمضت قرار اعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل، وسط احتجاج عربي ودولي. ولا يبدو أن سلسلة الامتيازات التي تمنحها إدارة ترامب لإسرائيل ستتوقّف، خاصّة في ظلّ نيّة ترامب طرح خطّة كاملة لحلّ النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط. ولكن هنا لا يجب نسيان معطى آخر وهو أن قرار ترامب الأخير، جاء أيضا ليدعم حظوظه الانتخابية في انتخابات 2020، بجلب دعم المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين الذين صوّتوا له بقوّة في 2016، بالإضافة إلى كسب دعم اللوبي الصهيوني.
«صفقة القرن»
يبدو الرئيس ترامب ماضيا قدما في تنفيذ خطته الجديدة لإحلال السلام في الشرق الأوســـط أو ما يعبّر عنه بـ«صفقة القرن»، حيث من المنتظر أن يكشف عنها بعد الانتخابات الإسرائيلية. ويندرج الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان ضمن هذه الخطّة. وقد سبقتها خطوات أخرى، منها إلاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وحثّ بلدان أخرى على أن تفعل نفس الشيء، بالإضافة إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وتخفيض المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية وإيقاف المساهمة الأمريكية في وكالة «أنروا» التابعة للأمم المتحدة المعنية باللاجئين الفلسطينيين.
وحسب بعض التسريبات حول هذه الخطّة، يبدو أنّ نيّة الرئيس الأمريكي تتّجه نحو إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تكون عاصمتها القدس الشرقية، في حين تبقى القدس القديمة والمباني الدينية تحت السلطة الإسرائيلية. وهناك احتمال أن تُسلّم الإدارة الأمريكية قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، في حين يتم غضّ الطرف عن حقوق اللاجئين في العودة. كما ستضغط الإدارة الأمريكية على الفلسطينيين لإعطاء جزء من أراضيهم في الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي. وتحيط بخطة ترامب الجديدة الكثير من السريّة، كما يشرف عليها ثلاثة أشخاص هم : صهره جاريد كوشنر، ومحاميه السابق جيسون غرينبلات الذي هو أيضا مبعوثه للسلام في الشرق الأوسط، وديفد فريدمان، سفير واشنطن لدى إسرائيل. ويعوّل فريق ترامب وعلى رأسه كوشنر على دعم الدّول الخليجية ومصر والأردن لإجبار الفلسطيين على القبول بالصفقة الجديدة، إلى جانب إعطائهم امتيازات اقتصادية واستثمارية لتعويضهم عن الخسارة السياسية لأراضيهم، توفّرها دول خليجية مثل السعودية. ولكن السلطة الفلسطينيــــة أعربـــت عن رفضها لأيّة مســـاومة حول أراضيها وعزمها على التصدّي لأيّة خـــــطّة تذهب في هذا الإتّجاه. وكان الرئيـــــس الفلسطيني أعلن خلال القمّة العربيّة الأخيرة في تونس أنّ «ما سيقوم به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سينسف نهائيا عمليّة السلام» ودعا القادة العرب إلى مواجهة قراراته التي وصفها بأنّها تمثّل «منتهى الصفاقة»، معتبرا أنّ الطرف الأمريكي لم يعد «محايدا».
التداعيات المستقبلية
وفي انتظار أن يتمّ الإعلان قريبا عن «صفقة القرن»، يُنتظر أن تكــون هناك تداعيات خطيرة لقرار الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على الجـــــولان، حيث أنّ هناك مخاوف من أن يشجّع الاعتراف بأرض تمّ احتلالها بقوّة السلاح، قوى أخرى في العالم لتقوم بنفس الشيء، وهو ما كانت ندّدت به سابقا الولايات المتحدة وكامل المعسكر الغربي عندما قامت روسيا بضمّ جزيرة القرم وأخذها من أكرانيا. هناك أيضا مخاوف من أن تكون الخطوة التالية لترامب هي ضمّ مزارع شبعا اللبنانية ومنطقة كفر شوبا، وبما أنّــــه لا يعترف بسيادة لبنان على هذه المناطق، بالإضافة إلى 60% من الضفة الغربية، حيث تتمركز معظم المستوطنات الإسرائيلية. وهنا يجدر التذكير بأنّ عمليات الاستيطان قد تكثّفت بعد الإعلان الأمريكي فيما يخصّ الجولان، حيث تعتزم الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي المصادقة على بناء 1427 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية. وقد يكون هدف الرئيس الأمريكي من هذه الخطوات، إخراج هذه المناطق من التفاوض حول حلّ الصراع العربي - الإسرائيلي، فيسهل بذلك التوصّل إلى تسوية، حسب اعتقاده.
ولكن قد يفوت الإدارة الأمريكية أنّها بانحيازها المبالغ فيه إلى إسرائيل، تعطي فرصة ثمينة لإيران وحـــزب الله ليزيدا من شعبيتهمـــا، على أساس أنهّما القوّتان الوحيدتان في المنطقة اللتان تقاومان الأطماع الإسرائيلية. فموقف الدول العربية وإن جاء حازما، في البيان الختامي للقمة العربية الأخيرة في تونس، ضدّ العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ومحاولات تغيير الوضــع على الأرض، فإنـــه لا يخفى على أحد حالة الوهن الذي أصبحت عليه البلدان العربية وانخراط بعضها في دعم المشروع الأمريكي «لصفقة القرن».
إلّا أنّ الثابت، أنّ فـــرض أيّ حــــلّ بالقوّة، لا يُرضـي الطـرفــــين في الصـــراع الفلسطيــني –الإســرائيلي، سيؤدّي إلى زعـزعـــة أمن المنطقة أكثر فأكثر وقد يؤجّج حروبا جديدة.
حنان الأندلسي
- اكتب تعليق
- تعليق