رحيل البشير... هل هـو انتـصار أم نصف انتصار؟
شهد السّودان خلال ما يناهز أربعة أشهر حراكا شعبيا حافلا بالتطوّرات المتتالية توَّجَهَا، مرحليا، إعلان الجيش السوداني صباح يوم الخميس 11 أفريل 2019 عن عزل الرئيس عمر البشير، واعتقاله والتحفّظ عليه في مكان آمن، استجابة لمطالب المحتجّين.
وقد أكّد وزير الدفاع عوض بن عوف، في بيان عاجل للجيش بثّه التلفزيون الرسمي، إعلان حالة الطوارئ لمدّة ثلاثة أشهر، وحلّ البرلمان السوداني بمجلسيه، وتعطيل العمل بالدستور.
كما أكّد إطلاق سراح كلّ المعتقلين السياسيين في جميع أنحاء البلاد.
وبهذا التطوّر يتمّ طيّ صفحة رئيس يبلغ من العمر 75 سنة، قضّى ثلاثين منها في حكم السودان، بعد انقلاب قام به سنة 1989 على حكومة «الصادق المهدي»، وسيذكر التاريخ خاصّة أنّ عهده شهد خسارة السودان لجنوبه الذي انسلخ عنه سنة 2011، كما كاد أن يشهد خسارة إقليم دارفور الغربي الذي تأجّج فيه نزاع دامٍ ما تزال مضاعفاته تلقي بظلالها على البلاد...
أمّا الفريق أوّل عوض بن عوف الذي حلّ محلّه فقد تولّى مهام وزير الدفاع منذ شهر أوت 2015، ثم عيّن في 23 فيفري 2019، نائبا أوّل لرئيس الجمهورية ووزيرا للدفاع.
وحسب بعض التقارير فإنّ الفريق أوّل عوض بن عوف تولّى عدّة مناصب عسكرية، منها قيادة سلاح المدفعية، وإدارة جهاز الاستخبارات الخارجية، ونيابة قائد هيئة أركان الجيش السوداني، كما شغل في فترة إقالته من الجيش منصب سفير بوزارة الخارجية، ومدير إدارة الأزمات، قبل أن يعيّن قنصلا عامّا في القاهرة، وسفيرا في سلطنة عمان.
وهو موال للحركة الإسلامية، وكان قريبا من انقلاب عمر البشير سنة 1989، وهو ما أتاح له فرصة الترقّي والتدرّج في المناصب العسكرية، ليعمل مديرا لجهاز الأمن، ومديرا لهيئة الاستخبارات العسكرية.
وقد عرف عنه دعمه لمشاركة قوّات بلاده في عملية «عاصفة الحزم»، التي يقودها التحالف العربي في اليمن.
ومع أنّ الإطاحة بالرئيس عمر البشير قوبلت بابتهاج كبير من قبل السودانيين فإنّ ابتهاجهم امتزج بالخوف من أنّ ما يحدث هو مجرّد تحايل لاستمرار النظام بشكل آخر.
وبالرغم من أنّ بعض التسريبات تشير إلى أنّ هذا التطوّر جاء نتيجة تحرّك من القيادات الوسيطة في الجيش، فهي التي وقفت إلى جانب مطالب الشعب، وقامت بالضغط على القيادات العليا من أجل التغيير، فإنّ «قوى إعلان الحريّة والتغيير» في السودان التي لم يقع التّشاور معها ومع الفصائل السياسية التي تقف وراء الحراك، أصدرت بيانا رفضت فيه ما وصفته ببيان انقلابيي النظام ودعت المحتجّين إلى مواصلة اعتصامهم أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلّحة.
وجاء في البيان أنّ «سلطات النظام نفّذت انقلابا عسكريا تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسّسات التي ثار شعبنا العظيم عليها».
وأضاف البيان: «يسعى من دمّروا البلاد وقتلوا شعبها أن يسرقوا كلّ قطرة دم وعرق سكبها الشعب السوداني العظيم في ثورته التي زلزلت عرش الطغيان».
ودعت «قوى إعلان الحرية والتغيير» إلى «البقاء في الشوارع في كلّ مدن السودان مستمسكين بالميادين والطرقات حتّى تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنيّة تعبّر عن قوى الثّورة».
ويرى الملاحظون أنّ ردّ فعل الحراك الشعبي السوداني يدلّ على أنّه يعتبر ما حدث نصف انتصار وليس انتصارا كاملا... وهو وإن كان يرى فيه إرهاصا مبكّرا من إرهاصات الموجة الثانية من ثورات «الربيع العربي»، فانّه يعتقد أنّ سنـــونوة واحــــدة لا تدلّ على قدوم الربيع بل لا بدّ من سرب من السنونو... فهل هو آت؟.
محمد إبراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق