أخبار - 2019.03.24

محمد إبراهيم الحصايري: ماذا نريد من القمّة العربية الثلاثين بتونس؟

ماذا نريد من القمّة العربية الثلاثين بتونس؟

تحتضن تونس في موفّى شهر مارس الجاري القمّة العربية الثلاثين. وسيكون انعقاد هذه القمّة في بلادنا حدثا مميّزا على الصعيدين الوطني والعربي.

فوطنيا، ستكون القمّة أوّل حدث بهذه الأهميّة تعيشه بلادنا على صعيد سياستها الخارجية منذ الرابع عشر من جانفي 2011، وهو علامة على أنّها، بعد طول غياب، بصدد استئناف حضورها الفاعل على الساحتين الإقليمية والدولية، لا سيّما وأنّها تتأهّب لاستضافة تظاهرات دولية أخرى خلال السنوات المقبلة...

وعربيا، ستكون القمّة ثالثة القمم التي تشهد الثلاثية الأولى من سنة 2019 انعقادها على التوالي، فهي تأتي بعد القمّة التنموية العربية الرابعة الاقتصادية والاجتماعية التي انعقدت ببيروت في 20 جانفي2019، والقمّة العربية الأوروبية الأولى التي انعقدت بشرم الشيخ يومي 24 و25 فيفري 2019.

ولأنّنا نريد أن تكون القمّة القادمة، على غرار القمتين السابقتين اللتين استضافتهما بلادنا سنة 1979 وسنة 2004، قمة مميّزة، ومحرّضة ومحرّكة للسواكن... فقد رأينا أن نخصّص لها هذا الملفّ الذي نستحضر فيه بعض خصائص النهج التونسي في مقاربة الشأن العربي، ونبوح من خلاله بما يخالجنا من آمال كبار في أن يسهم هذا اللقاء العربي في تكريس ما بدأ يلوح في الأفق من بوادر عودة الوعي إلى العقل الجماعي العربي وعودة الروح إلى العمل العربي المشترك...

إننا نتطلّع جميعا إلى قمّة ناجحة في تونس نهاية هذا الشهر، ونأمل أن تضعنا هذه القمة على بداية طريق الخروج من الأزمات، واستعادة الاتّزان للوضع العربي بعد سنوات مؤلمة، كلّفت الأمّة كلّها الكثير من أمنها واستقرارها ومقدّراتها...

هذا ما جاء في خاتمة الكلمة التي افتتح بها أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أشغال الدورة 151 لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري التي انطلقت بالقاهرة في السادس من شهر مارس الجاري.

ونحن إذ نقاسم الأمين العام لجامعة الدول العربية نفس التطلّع، فإنّنا نعدّد فيما يلي انتظاراتنا من القمّة فنقول إنّنا:
1 - نريد من قمّة تونس أن تكون قمّة استعادة الوعي وعودة الرشد إلى العقل الجماعي العربي... من خلال قراءة نقدية لحقائق الواقع المتردّي، تشخّص أسقامه تشخيصا موضوعيا، وتوصّف الترياق المطلوب لعلاجها لا علاجا سطحيا ومسكّنا، وإنّما علاجا جذريا وعميقا بمصالحة السياسات العربية مع المنطق السليم والقويم...

2 - نريد من قمّة تونس أن تضعنا على طريق الخروج من متاهة السنوات العجاف التي تعاقبت علينا منذ ما سمّي بثورات «الربيع العربي»، من خلال مراجعة عقلانية لمواقفنا وخياراتنا وسياساتنا القطرية والقومية حتى لا تكون عشريتنا المقبلة قاتمة دامية مدمّرة كعشريتنا الماضية... وحتّى لا تعصف رياح الموجة الثانية من ثورات «الربيع العربي» بالمزيد من دولنا، مثلما ينذر بذلك اضطراب الأوضاع في بعضها...

3 - نريد من قمّة تونس أنّ تكون قمة استنهاض الهمم، واستحثاث الخطى، والتحريض الإيجابي على المصارحة والمصالحة اللتيــن لا يستطيع الواقع العربي أن يتغيّر بدونهما... ولا يمكن، في غيابهما، أن تنشأ حالة عقلية وشعورية كم يحتاجها الإنسان العربي لمغادرة حالة القنوط والإحباط التي باتت تتملّكه وتشلّ تفكيره وحركته...

4 - نريد من قمّة تونس على هذا الأساس، أن تشكّل «منعطفا» في مسار العلاقات البينية العربية والعمل العربي المشترك، من خلال العمل الجدّي والجادّ على معالجة المآسي التي تعيشها المنطقة العربية بسبب تعدّد بؤر التوتّر والحروب والنزاعات الناشبة في بعض دولها أو بينها، ويتعلّق الأمر بالوضع في ليبيا التي ينبغي مساعدتها على الخروج من حالة الاحتراب والاضطراب وعدم الاستقرار التي ما انفكت تعاني منها منذ ثماني سنوات، والوضع في سوريا التي ينبغي دعم تدرّجها نحو استعادة استقرارها وأمنها، وإعداد العدّة للمساهمة، عربيا، في إعادة إعمارها، والوضع في اليمن الذي ينبغي السعي إلى وقف الحرب العبثية المتواصلة فيه وعليه منذ ثلاث سنوات، والخلاف بين الرباعي الخليجي المصري وبين دولة قطر الذي ينبغي تحاشي تطوّره وتحوّله إلى نزاع بين الطرفين وبين حلفاء كلّ منهما ممّا سيؤدّي إلى تعقيد الوضع في المنطقة بأسرها.

وأمّا بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، فلا بدّ، لمواجهة المخططات التي تحاك لتصفيتها، من تضافر الجهود من أجل وضع حدّ للانقسام الفلسطيني وحثّ الأطراف الفلسطينية على التعجيل بتحقيق مصالحتهــا الوطنية، كمـــا لا بدّ من توحيد مواقف الدول العربية وتغيير خطابها وتكييفه مع حقائق الراهن الفلسطيني والعربي والدوّلي الجديد.

5 - نريد من قمّة تونس أن تضع النقاط على الحروف فيما يتعلّق بظاهرة الإرهاب والتطرّف، وأن تتّجه نحو إقرار مقاربة عربية شاملة مشتركة أمنية وفكرية لمواجهتها، حتى لا تتمادى التنظيمات الإرهابية في نشر أذرعها في المنطقة والعبث بأمنها واستقرارها، خاصّة وأنّ بعض القوى الإقليمية والدولية تجد لنفسها مصلحة في ذلك وتقف بالمرصاد لإلقاء الزيت على النار.

6 - نريد من قمّة تونس أيضا أن تهتمّ بإصلاح بنية العمل العربي المشترك حتّى لا يظلّ اسما بلا مسمّى، وحتّى يتسنّى الشروع في إعادة هيكلة مؤسّساته وتطويرها لكي تواكب التحوّلات العميقة التي عرفتها المجتمعات العربية... وعرفتها المنطقة والعالم...

7 - نريد من قمّة تونس أن تثمّن نقاط الضوء القليلة والضئيلة التي تخللت القمّة العربية التنموية الرابعة الاقتصادية والاجتماعية ببيروت، وأن تؤيّد المبادرة التي أطلقها الرئيس اللبناني لتأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية ليتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضرّرة على تجاوز محنها... 

8 - نريد من قمّة تونس أن تقرّ التوجّه الذي دشّنته القمّة العربية الأوروبية الأولى بشرم الشيخ، وأن توسّع نطاقه ليشمل إعادة بناء علاقات المنطقة العربية مع محيطها كاملا، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، من أجل تعزيز التبادل والتفاعل مع جميع جيرانها دون استثناء... إذ سيكون من عين العقل أن تجعل من شعار «الاستثمار في الاستقرار» شعارا لكافة علاقاتها مع جميع الدول المجاورة، لا مع أوروبا وحدها...

لكنّ بناء علاقات العرب مع جيرانهم على أسس جديدة ومتوازنة ينبغي أولا وقبل كل شيء أن يتوازى ويتزامن مع إعادة بناء الذات العربية حتّى تكون فاعلة لا مفعولا بها، وحتّى تقابل رؤى شركائها برؤاها، وتقارع حججهم بحججها، وتوازن بين مصالحها ومصالحهم وأولوياتها وأولوياتهم...

9 - نريد من قمّة تونس التي عرفت بجرأتها وعقلانية رؤيتها للأمور، وبسياستها الخارجية التي تأخذ بمنهاج الحقّ، وهو ما تجلّى بكل وضوح في القمّتين اللتين احتضنتهما سنة 1979 وسنة 2004، أن تعمل بكلّ ما في وسعها على تلبية جملة هذه الانتظارات، حتّى تعيد إلى الإنسان العربي شيئا من الأمل في إمكانية التغيير، وحتّى تخطّ صفحة مميّزة في كتاب تاريخ العمل العربي المشترك...

محمد إبراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.