محاضرة علميّة ببيت الحكمة حول عالم الجينات وما فوق الجينات للدكتورة حبيبة الشعبوني
هل يمكن فهم عالم الجينات بمنأى عن المؤثّرات الخارجيّة؟ ما هي العوامل المحدّدة للحمض النووي؟ كيف تتأثّر البنية الجينيّة بالعوامل الخارجيّة؟ أيّ دور للعوامل النفسيّة في عمل الجينات؟ كيف ظهر علم ما فوق الجينات؟ بماذا استفادت البحوث الطبيّة ما بعد ظهور علم التخلّق؟ أيّ آفاق للطب البديل؟
للبحث في هذه القضايا العلميّة، قدّمت الدكتورة حبيبة بوحامد الشعبوني ببيت الحكمة محاضرة خلال لقاء علميّ، نظّمه مؤخّرا قسم العلوم الطبيعيّة والرياضيات بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون "بيت الحكمة" . ويندرج اللقاء وفقا لكلمة رئيس المجمع، الأستاذ عبد المجيد الشرفي ضمن سلسلة لقاءات علميّة ينظّمها القسم، ويستضيف أثناءها المختصين من الباحثين والمجمعيين على غرار الطبيبة الشعبوني، المختصة أساسا في الوراثة البشريّة والطبيّة . افتتحت الدكتورة محاضرتها بالتأكيد على تميّز "كل عضو بسماته، وأصله، وحاضره، ومستقبله"، لقد "نشأ علم الوراثة في نموذج رياضي" وفقا لقولها، موضّحة طبيعة تركيبة الحمض النووي(D N A)، فلكل فرد رأس مال جيني أي "هويّة جينيّة" حسب قولها . لكن هل يعني ذلك اشتغال ما هو جيني بمعزل عن المؤثّرات الخارجيّة؟ أين يتدخّل البيئي والاجتماعي والثقافي والنفسي؟ إجابة عمّا تقدّم من أسئلة ذكّرت الدكتورة الشعبوني بعلم ما فوق الجينات، الذي أسّسه عالم البيولوجيا البريطاني "وادينجتون " في أربعينات القرن الماضي، علم يسميه بعض الإيبستيمولوجيين بعلم التخلّق، ويهتم بالمؤثرات الخارجيّة في تلك الهويّة الجينيّة، ممّا يجعلها هويّة ديناميكيّة تتفاعل مع البيئي والثقافي والاجتماعي، لذلك يكشف لنا "ما فوق الجيني" أنّ الطبيعة الفيزيائيّة للجينات لم تكن معروفة كما يجب . وقد قدّمت المحاضرة عديد الحقائق المؤكّدة على تفاعلات الجينات مع المحيط، والمنتجة "لنمط ظاهري" . بوجيز العبارة تشخّص بحوث ما فوق الجيني طبيعة آليات التحكّم المكاني والزماني في الأنشطة الجينيّة وأشكال تطوّر الكائنات الحية . وعليه راجعت البحوث الطبيّة نتائجها استنادا إلى هذه الاكتشافات ، وكذلك الشأن بالنسبة إلى علم النفس التطوّري، حيث يستخدم علماؤه مفهوم "المبدأ فوق الجيني"، الذي بمقتضاه أصبح البحث السيكولوجي ينزّل عديد الظواهر النفسيّة في أطر طبيعيّة واجتماعيّة وثقافيّة، وأضحت العيادات معتمدة على طقوس وتجارب الطب التكميلي والبديل والناعم، بلغة أدق الطب التكاملي المرتهن بتعزيز الرعاية الذاتيّة والعلاج الخصوصي، فلا يمكن التطبيق الآلي لأساليب علاجيّة نمطيّة نظرا إلى تباينات نفسيّة وهوة سحيقة بين المرضى كمرضى السرطان، إذ لا يجوز تعميم المعالجة الكيميائيّة لاعتبارات نفسيّة بحتة . صفوة القول تظل أفعالنا مشروطة بهويتنا الجينيّة، لكننا لسنا عبيدا في مملكتها لأنّنا سلسلة من السمات الخلويّة والفيزيولوجيّة من جهة، وبنية أبعاد ذهنيّة ونفسيّة وثقافيّة من جهة ثانيّة، وبالتالي يتخطى العلم المعاصر مفهوم الحتميّة البيولوجيّة مستبدلا إياها بالاحتماليّة
- اكتب تعليق
- تعليق