الصحبي الوهايبي: السـيّــارة المجنونـة
ثلاثة رفاق في سيّارة فارهة؛ حمّادي وراء المقود؛ ومصطفى إلى جانبه يتملّى الحرائق التي تأتي على غابات الصّنوبر في أعالي الجبال، وتمتدّ إلى السّفوح؛ ومنصف ممدّد في المقعد الخلفي، غاضب، حانق: «أنا أيضا أريد أن أسوق السّيّارة»؛ وحمّادي يردّ: «يا منصف، يا منصف، أنت لم تتحصّل بعد على رخصة السّياقة؛ فلماذا العَجَلة؟ قل له يا مصطفى، اشرح له المسألة»؛ ومصطفى لا يردّ؛ يلعب بالزّمّارة، بييب! بييب! بييب! بييب!...حمّادي يسوق، ولا ينظر إلى الطّريق أمامه، عينه على المرآة العاكسة، يتملّى الذي فات والغبارَ الذي يخلّفه وراءه. لو سوّى الله عينيه في مؤخّرة رأسه، لأراحه من ليّ العنكوش وعناء النّظر في المرآة العاكسة... العربة تغادر الطّريق الضيّقة المغبرّة وتنطلق في الطّريق السّيارة؛ والسّيّدة فاطمة بوساحة تغنّي في المذيـــاع: «يا عمّي الشّيفور امش دبّه دبّه...»؛ وحمّادي لا يرفع قدمه عن الدّوّاسة؛ والسّيّارة كريشة في مهبّ الرّيح؛ وفاطمة بوساحة تلحّ بصوتها العظيم: «يا عمّي الشّيفور امش دبّه دبّه...»؛ ويتلاشى صوت السّيدة فاطمة، ويأتي صوت المذيع: «تحذير! تحذير! نداء عاجل إلى كلّ مستعملي الطّريق السّيّارة؛ الرّجاء ملازمة الحذر، هناك سيّارة مجنونة تسير في الاتّجاه الممنوع! هناك سيّارة مجنونة تسير في الاتّجاه الممنوع!»؛ والتفت حمّادي إلى مصطفى: «مجانين جمـــاعة الرّاديــو! هناك عشرات السّيّارات تسيـــر في الاتّجـاه الممنـوع؛ نحــن فقط نسير في الاتّجاه الصّحيح!»...بييب! بييب! بييب! بييب!...
****
وزير يقف على عرّاف، يسأل عن مستقبل الوزارة وحال البلد بعد الذي جرى في البلد؛ فوضع العرّاف بين أصابعه قطعة نقديّة، وهمّ، يريـــد أن يــرميَ بها في الفضاء؛ فقال له الوزير: «أهكذا تقرأ مستقبل البلــــد؟»؛ والعـــرّاف يجيـب: «طبعا! فإذا سقطـــت القطعة على وجهها بقي الحكـــمُ في قبضــة الحزب الحاكم؛ وإذا سقطت على قفـــاها آل إلى الحـــزب الحاكم أيضا»؛ والوزير، عجولا، مستعجلا، يسأل: «أهذا كلّ ما هناك في المستقبل؟»؛ والعرّاف يجيب: «أمّا إذا سقطت القطعة واقفة، فالحكمُ للحزب الحاكم مرّة أخرى!»؛ والوزير يلحّ: «وحزبنا؟ أين حزبنا في هذا كلّه؟ أليـــس له دور في المستقبــل؟»؛ والعــرّاف يجيـــب: «طبعا، طبعا، لا تجزع يــا سيادة الوزير؛ إذا بقيت القطعة النّقديّة معلّقة في الفضاء، بين السّمــاء والأرض، فسيـكون الحكم لحزبكـم، وستبقى في منصبك، في سدّة الوزارة!»؛ والوزير الـــذّكيّ، سعيد، في قمّة السّعادة، لم يُدِرْ له المستقبل ظهرَه!
****
مات الرّجل فحزنوا لموته وغسّلوه وكفّنوه ودفنوه، فإذا ملك الموت يأتيه في قبره ويوشوش في أذنه بعد أن نزع القطن منها «والله أنا آسف شديد الأسف، لا أدري كيف قبضت روحك أنت، لم تكن أنت المقصود، كنت أقصد جارك في الغرفة ولكنّكما تبادلتما الأسرّة، أنا آسف حقّا، سأنفخ فيك الرّوح من جديد لتحيى». قال الميّت الحيّ: «إذن فكّ عنّى هذا الكفن وخلّصني منه»، قال ملك الموت: «آسف، مهمّتي تنتهي عند هذا الحدّ، تصرّف يا أخي، افعل كما تفعل معكم حكومتكم في مثل هذه الحال»، فصرخ الرّجل: «وكيف تفعل حكومتنا؟»، ولكنّ ملك الموت اختفى.
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق