الصحبي الوهايبي: الحصان والحمار
حمارُُ وحصان في البريّة يرتعان. رفع الحصان رأسه ونظر حوله إلى البراري التي تمتدّ حتّى تلتحم الأرض بالسّماء، وقال لصاحبه: «أيّها الحمار، ألمْ تملّ هذا العشب الأجاج وأنت تذرعه صباحَ مساء؟ أنا لم أعد أحتمل؛ اسمع، تعال عندي في البيت، نبدّل الجوّ، ونشرب كأسا على نخبك»؛ وقبِل الحمار الدّعوة، وكيف له أن يرفض، وقد مضى زمن طويل لم يذق فيه شرابا، غيرَ هذا الماء الملوّث الذي يكرع منه غصبا؟ وترافق الصّاحبان إلى بيت الحصان؛ فلمّا دلف الحمار هاله ما رأى من ميداليات وكؤوس ضاقت بها الرّفوف على كثرتها؛ ووقف يتأمّل صورة عملاقة تتوسّط الغرفة، حصان يعتليه فارس يرفع كأسا من ذهب؛ واستدار الحمار يسأل: «أهذا أنت على الصّورة؟»، وحمحم الحصان وأجاب في زهو: «طبعا، كان ذلك في أمريكا، حين فزت بالجائزة الكبرى». وعاد الحمار يسأل: «وهذه الميداليات والكؤوس؟»، وحمحم الحصـــان مــرّة أخـــرى: «كلّها جوائزي».
ومضى النّهار وأقبل اللّيل، والصّاحبان يتنادمان، ولم يفطنا للشّمس تغيب، وللقمر يطلع؛ وقال الحمار وهو ينصرف: «اسمع، أيّها الصّديق، يجب أن تردّ الزّيارة، تعال عندي غدا في البيت»؛ وقبِل الحصان الدّعوة. فلمّا أصبح الصّباح خرج الحمار يرتاد دكاكين الزّينة، يبحث عن ميداليات أو كؤوس تزيّن بيته الخالي، فلم يظفر بغايته، فلمّا همّ بالانصراف مهموما حزينا، جذبتْ نظرَه الكليلَ لوحةٌ عملاقة تصوّر حمارا وحشيّا يقف في البريّة مزهوّا بخطوطه البيضاء والسّوداء؛ فلم يتردّد واشتراها وأسرع إلى البيت، يتخيّر لها مكانا يعلّقها فيه. فلمّا كانت العشيّة، طرق الحصان الباب، فأوسع الحمار لضيفه، يكاد يأخذه إلى اللّوحة أخذا؛ «أهلا أيّها الصّديق، تفضّل، البيت بيتك»؛ ولمّا لم يكن في البيت شيء يُذكر أو يشدّ الانتباه، فقد مضى الحصان رأسا يتأمّل صورة الحمار الوحشيّ، ثمّ استدار يسأل: «أوه أيّها الحمار العزيز، لا تَقُلْ لي هذا أنت على الصّورة.»؛ ونهق الحمار: «بل أنا هو، بلحمي وشحمي وجلدي؛ كان ذلك منذ سنوات، حين كنت ألعب في نادي جيوفنتس تورينو». ولمن لا يعلم في كرة القدم شيئا، فنادي جيوفنتس يلعب بالأسود والأبيض...كثيرون هم أهل السّياسة الذين لا يحملون من متاع الدّنيا إلاّ الأسود والأبيض؛ وها هم بقدرة قادر، يلعبون في النّوادي الكبرى، ولكنّهم يتعثّرون في كلّ خطوة أو رمية؛ تتداخل أرجلهم وألسنتهم، فلا تَفْرِقُ هذه من تلك... والدّربة والحركات الإحمائيّة، كما يقول الصّحافيون الرّياضيون، ضرورة لا مناص منها قبل أن ينزل اللاّعب إلى الميدان... ألا ترى الجماعة يضلعون ويكتّون، والمباراة في بدايتها؟ يرمون الكرة دائما في مناطق التّماس، كأنّ اللّعبة تدور خارج الميدان؛ وذلك ما يسمّيه علماء الكرة اللّعبَ السّلبي، وهو فنّ من الفنون التي لا يأتيها إلاّ أهل هذه البلاد العجيبة...
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق