محمد النفطي - ذكّر فإن الذكرى تنفع التونسيين: 14 جانفي 2011 في قصر قرطاج
لم تشهد العاصمة التونسية مواجهات دموية خلال المرحلة الأولى من الثورة. ولكن كثافة الجماهير يوم 14 جانفي 2011 قد تفسر هروب الرئيس أو إجلاؤه بذريعة الأمن. في شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي للعاصمة وأمام وزارة الداخلية رمز الحكم الدكتاتوري والتسلطي، احتشدت جموع غفيرة من المواطنين بطريقة سلمية ومنظمة تختلف عن الاحتجاجات الليلية الدامية التي جدت بالمدن الداخلية طيلة الأيام الفارطة. لم تسجل أي مواجهات بين الأمن والمتظاهرين . ولكنها كانت صاخبة وشديدة اللهجة تدوي أصواتها على بعد مسافات بعيدة وتزلزل الأرض ومبانيها وقد يكون لها تأثير كبير على تصرفات المسؤولين الأمنيين الساهرين على أمن الرئيس بن علي. كانت الساعة تشير إلى تمام الواحدة بعد الظهر وكان التسجيل الفيديوي يعرض مكتوم الصوت في القصر أمام الرئيس مباشرة وهو على مائدة الأكل. وعندما لاحظ الرئيس كثافة الحشود تبسم وظن أن الجماهير جاءت لتناصره وتشكره على خطابه الذي أدلى به الليلة البارحة (13جانفي 2011 ) طلب من عميد الأمن أن يرفع في صوت الفيديو لعله يسمع "يحي بن علي". لكنه سمع "ديقاج". قال لعميد الأمن " هل هذه انتفاضة ؟" فأجابه العميد " لا يا سيادة الرئيس إنها ثورة".
وجم الرئيس هنيهة ثم نهض وقال " هاتوا جرابي ومزودي سلام عليكم فاذهبوا بسلامي وبادرت أرضا ليس فيها ثائر علي ولا مناع أكل طعامي". غادر الرئيس بن علي القصر في اتجاه مطار العوينة قبل أن يتم القبض عليه. هل فر كما فر شارل الأول ملك انجلترا سنة 1640 ، وكما فر لويس السادس عشر من قصر فرساي و كما غادر شاه إيران يوم 16 جانفي 1979 . ولا ندري ما كان سيفعل به الدهر لو بقي بالقصر. هل كان سيتم القبض عليه وإعدامه أو أنه سيحال على المعاش في منفى بمرناق أو سينعم بدفء برج الرومي حتى آخر أيامه...
يسألونك عن الأنفال
لما كان يوم بدر ذهب الشباب للقتال وجلس الشيوخ تحت الرايات. وبعد النصر ولما كانت الغنيمة جاء الشباب يطلبون نفلهم فقال الشيوخ لا تستأثرون علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم لكنا ردءا لكم. واختصموا للنبي فأنزل الله (يسألونك عن الأنفال).
ولما كانت الثورة استنفر الشباب التونسي خفافا وثقالا لمواجهة آلة بن علي القمعية وجلس الشيوخ وزعماء الأحزاب تحت الرايات في قصورهم المشيدة بعيدا عن الضوضاء والصخب. ولما كان 14 جانفي 2011 و قد سقط نظام بن علي جاء الشباب يطلبون نفلهم فصاح الشيوخ في وجوههم " من أنتم ؟" . قال الشباب نحن زعماء الثورة المجيدة. قال الحكماء من الشيوخ لا تستأثرون علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو قتلتم لقرأنا عليكم سورة الأنفال كاملة ولظفرتم باللجنة. ولقد فاز من استشهد منكم. لكم الشهادة ولنا التعويضات. لكم الآخرة ولنا الدنيا. فادعوا ربكم يستجب لكم والله على كل شيء قدير. صدق الله مولانا العظيم... الفـــــاتــحــة على أرواحكم الزكية وعلى أرواح الشهداء الأبرار....
من كتاب محمد النفطي " وإذا الثورة سئلت ..."
- اكتب تعليق
- تعليق