الصحبي الوهايبي: في باب الفيل والنّملة

 الصحبي الوهايبي: في باب الفيل والنّملة

فيلٌ ونملة يشقّان الصّحراء، في يوم قائظ؛ فلمّا اشتدّ عليهما الحرّ، قالت النّملة: «أيّها الفيل العزيز، دعْني أسير في ظلّك بعضا من الوقت، حتّى أرتاح؛ ولك أن تسير في ظلّي بعدها؛ حينٌ لك وحينٌ لي». كأنّي أرى أحزابا كثيرة تضرب في الصّحراء؛ هذا يستظلّ بالفيل، وذاك بالنّملة؛ وكأنّي أرى الظّلّ ينحسر عنهم جميعا، فلا ظلّ لهذا، ولا ظلّ لذاك... والظّلّ في تعريفه البسيط هو الظّلام الذي يسبّبه جسم، عندما يحجب الضّوءَ ويمنعه من الوصول إلى سطح ما؛ وهو، حينا في حجم الجسم الذي يكوّنه، وحينا دونه، وأحيانا أكبر منه...أحزابٌ وحكومات ووزراء، وزنهم مثقال نملة، ولكنّ ظلّهم يكاد يغطّي السّهل والبحر والجبل؛ ولكلّ شيء ظلّ، للظّلّ ظلّه، وللبحر ظلّه، وللرّيح ظلّها، وللمطر ظلّ، وللحبّ ظلّ، وللحقد ظلّ...وقد يعنّ للظّلّ أن يكابر ويعاند، فيتطاول ويرفض أن يعود إلى حجمه؛ لذلك، فاحذر أن تدوس على ظلّك، فيدوسَ عليك!...يعرّف الطّبيب النّفسي السّويسريّ كــارل غـــوستاف ظلَّ النّفس بكونه شيئا بدائيّا وضيعا، ولكنّه ليس سيّئا تمام السّوء، فلا ضوء دون ظلّ، والحياة لا تنشد الكمالَ لتزدهر، ولكنّها تنشد أن تكون ممتلئة، مُشْبَعة؛ وهل تستوي الحياة دون نقيصة؟...

فيـــلٌ ونملة في الأحـــراش يركضـــان، فنظرت النّملة وراءها وقالت: «أرأيتَ أيّها الفيـــل الـعـــزيز هـــذا الغبار الذي نثيره وراءنا!؟».

*****

طَلبُ التّعويض بدعةٌ هذه الأيّام... جلّ النّاس يريدون تعويضا عن شيء ضــاع أو فـــات. وهل العمر إلاّ حلاوة الذي فـــات، ومرارة الذي فــات؟ وما حلاوة العمر، إن كـــان لكــلّ شيء عـــوض؟...يريـــدون الزّبـــدة وفلوس الزّبدة، كما يقــول جيراننا في الضفّة الشّماليّة...وطلبُ التّعويض ليس بدعة من بدع أهلنا في هذا البلد العجيب، فخبراء المال والقانون الدّولي والتّاريخ والجغرافيا في «إسرئيل» يشتغلون على قانون يطالب المملكة السّعوديّة بمائة مليار دولار، تعويضا عن أملاك اليهود في بلاد الحجاز منذ عهد النّبيّ محمّد... أمّا بقيّة بلاد العربان، بدءا بمصر والعراق والأردن والبحرين ولبنان وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان وسوريا، فمنابها، مجتمعةً، عشرون مليار دولار، تدفعها حزمة واحدة، أو بالتّقسيط، إن شاءت...ولا ندري هل قرأتْ حكومتنا لهذا التّعويض حسابا؛ وهي التي لا تأكل أموال اليتامى ظلما...

*****

قِيل لمتسوّل كـــان يزاحــــم غيره مــــن المتسوّلين على باب الجامع: «لنفترض أنّك كسبت مليون دينار، فماذا أنت فاعل؟»، فأجاب دون تردّد: «أبنـــي جـــامعا، ببـــاب واحـــد، وأطرد كلّ المتسوّلين، وأقف عليه، أتســوّل وحــــدي، لا يزاحمني فيه أحد»!

*****

أصابتْ أحدَ المتسوّلين سنةٌ عجفاء، ولَحقَه فقرٌ وفاقةٌ وعوزٌ، لم يرَ لها في حياته مثيلا، فذبح كلبَه الوفيّ ليأكله، وفي القلب غصّة؛ فلمّا شبع، نظر إلى كدس العظام عند رِجله، وتذكّر كلبه، فترقرق الدّمع في عينيه، وتمتم: «آه! لو كان العزيز بوبي هنا!»... حكومات كثيرة تفعل بحلفائها ما فعل المتسوّلُ بكلبه!.                                                                                           

الصحبي الوهايبي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.