الصحبي الوهايبي: بـقــرة بـابـا
المريض على طاولة العمليّات، صدره مفتوح، وقلبه بالكاد ينبض؛ والطّبيب النّحرير واجم، ينتظر أن يذهب فِعْلُ البنج؛ فلمّا بدأ فِعْلُه يذهب؛ فتح المريض عينيه، يتملّى الوجوه المكدودة التي أحاطت به، وتمتم: «ياه! نجحت العمليّة يا دكتور!؟»؛ والطّبيب يهوّن: «اسمع يا ولدي؛ أنا آسف؛ لا أجد لوازم جراحة القلب؛ سنؤجّل العمليّة إلى يوم آخر؛ ولكن مادام الفريق جاهزا، وأنت على الطّاولة، وأحشاؤك مفروتة، فسأستغلّ الفرصة، وأُجري عمليّة على المصران... بَنِّجوه! بنّجوه!». أهْــلُ الحكم في هذا البلد فرتوا أحشاء الوطن، ولم يستقرَّ بهم الرّأيُ بعدُ، في القلب أم في الكبد أم في المصران؛ والبنج ذهب فِعْله، أو هو لم يفعل فِعْله...
****
فلاّح عجوز، في ســـوق الدّواب، يحـاول جــاهدا أن يبيع بقرة شاحبة، عجفاء، بمائتي دينار؛ ولكنّ زوّار السّوق أعرضوا عنها، فهي نحيفة، يكاد عظمها ينتأ من تحت جلدها؛ حتّى دنا منه أحدهم يعرض عليه أمرا: «أيّها العجوز، أنت لا تعرف فنّ البيع؛ دعني أبيعها بألفيْ دينار، لك ألْفٌ، ولي مثلها»، فتردّد العجوز، وأحجم ثمّ أقدم؛ وانطلق الرّجل يرفع صوته في النّاس ويعدّد مآثر البقرة: «هذه البقرة نتاج سنوات من البحث والتّجارب، في مخابر باريس ولندن. هذه آخر صيحة في علم الجينات»؛ وبدأ الزّوّار ينصتون، مبالين وغير مبالين، ثمّ اقتربوا؛ «لا يغرّنّكم شحوبها وهزالها، فذلك أمر مقدّر بعلم وحساب؛ هذه ليست بقرةَ لَبَنٍ أو لحم، ولكنّها بقرة ولود، تضع كلّ شهر عجلين اثنين، وربّما ثلاثة!»؛ وبدأ النّاس يزايدون: «خمسمائة دينار... ستّمائة دينار...ثمانمائة دينار...ألف دينار...ألفان؛ «هذا النّوع من الأبقار يعيش مائة سنة، وأكثر، ويقنع بالقليل من العلف»... ثلاثة آلاف... أربعة آلاف... خمسة آلاف!»؛ وانحنى الرّجل يهمس في أذن العجوز: «هل نبيع يا بابا؟»؛ وحرن العجوز واستعصى وأَبَى؛ «لماذا؟ لماذا غيّرت رأيك أيّها العجوز؟»... «هه! هل تريد أن أبيع بقرة بمثل هذه المزايا، بثمن كهذا؟ أفضّل أن أحتفظ ببقرتي، على أن أفرّط فيها بهذا الثّمن!»... كذلك تأبى الحكومة أن تفــرّط في كثير من وزرائهـــا، وزراء مثل بقرة بابا...
****
كان الملاكم الفرنسيّ «جان كلود بوتياي» قد بدأ يعاني من السّهاد وأثَرِ السّهاد؛ ولاحظ مدرّبه أنّ شبْلَه لم يعد في أفضل حالاته، فألحّ عليه أن يستشير الطّبيبَ في الأمر؛ والملاكم يشكو همّه إلى طبيبه: «يا دكتور، لقد هدّني الأرق، ولم يعد ممكنا أن أسترجع لياقتي، وأنا مقبل على مقابلات حاسمة، سأخسرها حتما إذا بقيت على حالي هذا؛ يجب أن تجد حلاّ عاجلا، ولكن حذار، لا أريد حبوبا منوّمة، أنت تعرف أنّ هذه تدخل في خانة المنشّطات والمخدّرات المحرّمة في قوانين الرّياضة»؛ والطّبيب يهوّن: «بسيطة، يا ولد؛ سنستغني عن الدّواء، ونعود إلى عاداتنا القديمة؛ إذا استلقيتَ على فراشك فعُدَّ الخرفانَ في الزّريبة، واحد، اثنان، ثلاثة، وهلمّ جرّا إلى أن يغلبك النّوم»؛ فلمّا مضى أسبوع واحد، عاد الملاكم إلى طبيبه: «يا دكتور، يجب أن تشير عليّ بدواء غير هذا؛ إنّي أبدأ العدّ، كما طلبتَ، ولكن، كلّما بلغت التّسعة(9) قفزتُ واقفا منتصبا». في قانون الملاكمة، إذا سقط ملاكم على المربّع، يَعدّ الحكَم حتّى العشرة(10)، فإذا لم ينهض قَبْلَها، عُدّ خاسرا بالضّربة القاضية. كذلك، كلّما أوشك أجل من آجال خارطة الطّريق أن يحلّ، قفز ساسة البلد، على أرقهم وسهادهم....
الصحبي الوهايبي
- اكتب تعليق
- تعليق